بناء الشخصية البدوية بين الدراما الأردنية والخليجية

البطل حديثاً يتجه إلى المدينة طلباً للرزق والثروة بعد أن كانت قاصرة على العلم

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – هشام اليتيم –

على رغم كونه شاعراً وفارساً خاض معارك ضارية في سبيل تشكيل زعامته والحفاظ على هويته الحضارية لم يغفل البطل الشعبي الأردني نمر بن عدوان (1745-1823) طلب العلم، فسعى مبكراً إلى الدراسة واتجه نحو القدس والقاهرة، ليرسخ صورة البدوي الذي انتفض في وجه من كانوا يربطون بين البداوة والجهل والأمية تلقائياً.

وفي فيلم “مناحي” لم يواجه عقدة نقص معينة، فهو تجسيد واقعي للبدوي الخليجي حديثاً، المعتز بقبيلته ونسبه، ولكنه مع ذلك يترك الصحراء ويتجه للمدن الكبرى طلباً للرزق أو سعياً لتحقيق الثروة، وفي الحالتين يوظف البطل البدوي قديماً وحديثاً غرائزه لتحقيق هدفه ثم يعود للصحراء.

وفق هذه الثنائية اختلف بناء الشخصية البدوية حديثاً أردنياً وخليجياً ومن خلال أعمال متنوعة، ليس حسب المكان والبيئة التي تنتج “البطل البدوي” فقط، بل وفق الفترة الزمنية التي تعيش بها الشخصية. هنا يقول الناقد السوري علي سفر إن الأعمال الاجتماعية تكرس في المجتمع من خلال شخصيات “من لحم ودم” تعكس وقائع الحياة وتنوعها، وتبقى في الذاكرة حتى بعد أن يموت أصحابها.

شخصية نمر بن عدوان الشهيرة جسدت البدوي قديماً، الذي وصفته الكاتبة “شيماء اليوسف” في مقالة عبر الإنترنت بأن “حياته تنحصر في رعي الأغنام والسير في الصحراء بحثاً عن الماء والطعام”، وهذه الشخصية ظلت منطوية على ذاتها لفترة طويلة.

مع ذلك يرى السياسي الأردني “معروف البخيت”، في مقالة في جريدة الرأي الأردنية لقيت أصداء لدى النخبة الفكرية أن “المخزون الثقافي” لدى “ابن عدوان” وغيره من أبطال البادية الأردنية هو مخزون هائل، لأنه شكل جزءاً من “الشخصية الوطنية الأردنية” والمتصل مع بلاد الشام والجزيرة العربية بطريقة تلقائية على رغم صعوبة الحياة وندرة الثروات والموارد الطبيعية.

تكريس الشخصية البدوية

بعد عقود من تجسيد الشخصية البدوية ظل إنتاج هذه الأعمال ومنها المسلسل الأردني “نمر بن عدوان” والفيلم العربي “مناحي” نابضاً في الثقافة العربية الإعلامية والسينمائية، مع أن كثيرين يؤمنون بأن إنتاج كثير منها بعد نجاحها لفترة زمنية طويلة كان بهدف “جني الأرباح”.

بدوره يعتبر الناقد نزيه أبو نضال أن الشخصية البدوية خصوصاً لم تستقر في وجدان المتلقي الأردني والعربي بسهولة، بل إن عملية حفر طويلة خاضتها الشخصية مع الوجدان، قبل أن تتشكل معالمها النهائية في خيالنا.

وتابع “شخصية الرجل البدوي الذي يتوق للمدينة بوصفها مركزاً للعلم والثروة على رغم تمسكه بلهجته وتراثه بدأت في الإذاعة قبل التلفزيون، ثم عرضت على الشاشات العربية ومنها الشاشة الأردنية من خلال أعمال ليست ذات طابع بدوي ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل “العلم نور”، الذي لفت الانتباه إلى أهمية أن ينال البدوي قسطاً من التعليم حتى ولو متأخراً من حياته، “فظهرت شخصية البدوي الشهم والكريم التي رمزت لها شخصية ابن عدوان الحقيقية، بوصفه طالباً بدوياً يقتحم صفوف محو الأمية، ثم تحولت كثير من تلك الشخصيات إلى أيقونات يعمل أبطالها بشكل فردي”.

التباس فكرة البداوة

قدم الفنان الراحل ياسر المصري مجموعة كبيرة من الأعمال قبل أن يؤدي شخصية “ابن عدوان” الشهيرة، وهو ما تعلق عليه الكاتبة “شيماء اليوسف” بقولها إن الشخصية البدوية الأردنية على رغم مركزيتها، لا تشبه الشخصية البدوية في الخليج العربي، بل إن كثيرين وفنانين أردنيين وخليجيين خاضوا غمار هذه التجربة، ومنهم الممثل “جميل براهمة” والتشكيلي “مشعل العامري”، ويؤكدون التباس الفكرة لدى كثير من الناس.

ومضت في حديثها “البدوي خليجياً هو (القبيلي) الذي يعتز ببداوته مثل الشخصية الشهيرة (مناحي) للفنان فايز المالكي، بينما كلمة البدوي في بعض مناطق سوريا وفلسطين والعراق ارتبطت حتى وقت متأخر بالتخلف والجهل، لذلك ظهرت شخصيات بدوية أردنية وعربية من خلال عباءة بن عدوان في أعمال تتحدث عن قيمة العلم وأهمية محو الأمية بدوياً وعربياً، منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم”.

وتابعت “بشكل عام تستخدم كلمة البدوي بغض النظر عن الفترة الزمنية لكل من يرعى الإبل قديماً وحديثاً أينما وجد، سواء في الجزيرة العربية أو الخليج أو بلاد الشام وغيرها من مناطق العالم”.

نمر بن عدوان

يكمن سر شخصية نمر بن عدوان في كون الرجل مثالاً على انفتاح البادية الأردنية على المحيط، ولأنه عبر عملياً عن فكرة ضرورة سعي البطل البدوي إلى الحصول على أعلى درجات العلم من خلال الذهاب نحو مصادره في مراكز المدن العريقة مثل القدس والقاهرة وبيروت، وانتبه “بن عدوان” مبكراً لأهمية دفاع البدوي عن إرثه الثقافي ومخزونه الفكري العميق، ورفض الثنائية النمطية التي تربط البداوة بالجهل والأمية.

ويقول “البخيت” في دراسته إن “الفارس والعاشق والشاعر الشهير نمر بن عدوان درس في القدس والقاهرة وارتبط ببيوت في الشام والقدس والجزيرة العربية، فصار نموذجاً مبكراً للشخصية الاتصالية الأردنية”.

وعن قصة حبه الشهيرة يقول “زوجته وضحى القضاة من قبيلة بني صخر هي المرأة الأردنية التي تملأ حياة زوجها فرحاً ويهيم على وجهه جزعاً بعد فراقها”، ويمثل بن عدوان للأردنيين مثال البدوي الذي “جعل من التاريخ حافزاً له لا عبئاً عليه”.

واستثمر بشكل جيد “حضور الجغرافيا الأردنية والحضارات التي قامت عليها لإبراز دوره في تأسيس الجماعة العربية”، فالأنباط وفق البخيت “يعزى لهم الفضل في تطوير الحرف العربي الذي تشرف لاحقاً بأن كان هو الحرف الذي كتب به القرآن الكريم”.

هكذا عبر بن عدوان عن حضور المكان والإنسان في فترة من الزمن، إذ صارت مهمة نقل هذه الشخصية “المقبولة أردنياً وعربياً” مهمة سهلة أمام نجم من طراز خاص هو الفنان الراحل ياسر المصري (1970-2018م).

“مناحي”

وصلت شخصية “مناحي” للفنان فايز المالكي إلى مرحلة اكتمالها في 2008، إذ قدمت بسلاسة من خلال الفيلم، وعرضت في دور السينما العربية والمصرية، وكانت الشخصية التي تتميز بسهولة بنائها وجاذبيتها العالية، إذ انطلقت نحو المتلقي عبر محطات عدة نفذها المالكي بمساعدة قامات فنية خليجية بذكاء واقتدار، ومنها مسلسل “إخواني وأخواتي” و”بيني وبينك” بالشراكة مع الفنان حسن عسيري، لذلك لم تواجه الشخصية أية صعوبة في الوصول لأكبر شريحة من الناس عربياً ومحلياً.

فمناحي يذهب مثل ابن عدوان إلى المركز بنفسه، ويتجه بشجاعة إلى دبي حاضرة الإمارات، طلباً للرزق بعد أن ضاقت عليه الصحراء بما رحبت، وهناك يضع كل أسهمه على سهم “أغنام” فيحالفه الحظ لفترة من الوقت، مع ذلك يخسر في النهاية أمام “الهوامير” ويعود للصحراء.

بدوره لا يحمل “مناحي” عبئاً كبيراً نتيجة إرثه الثقافي القبلي، وكما الحال مع “بن عدوان” الذي مثل إرثه البدوي حافزاً له لا عبئاً عليه، إذ نجح في تشكيل ثروة كبيرة خلال فترة قصيرة.

يذكر أن “مناحي” صنف كفيلم كوميدي مع أنه يعتمد على شخصية بدوية، والفيلم للمخرج أيمن مكرم ونال إعجاب 58 في المئة من مشاهدي “غوغل”، وتكمن أهميته في كون عرضه جاء بعد 35 سنة من إلغاء السينما في السعودية.

أخيراً ولد “المالكي” عام 1969 في الطائف، وهو سفير النوايا الحسنة لـ”يونيسف” منذ 2009 وحتى 2012، وهو من أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى