وحدها رغبة التّقسيم “تفشّ خلق” اللبنانيّين من طغيان “حزب الله” المتمادي!
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
منذ سنوات طويلة نسبيًّا، يُردّد اللبنانيّون والقوى السياسيّة العبارات نفسها، كلّما فضحت الصدفة أو الضرورة، مدى استباحة “الممانعة” لسيادة لبنان ودستوره وقوانينه ومؤسساته وأمانه وسلامة بنيه: ”حزب الله” يدافع عن نفسه وعن سلاحه وعن دوره بهجوم على “العملاء” و”الميليشيات المرتهنة”.
خصوم “حزب الله” ينددون بسلوك هذا الحزب المرتبط وجوديًّا بالجمهورية الإسلامية في إيران، ويتعهدون بمواجهته ويطلقون مواقف لمصلحة التقسيم متوسّلين، من أجل ذلك، عبارات ليست دقيقة فعلًا، مثل “الانفصال” و”الطلاق” والفدراليّة!
ولكن سرعان ما يظهر أنّ الأمر لا يعدو كونه ”عاصفة في فنجان” أو مشهدًا من مشاهد الفولوكلور السياسي اللبناني، إذ لا تعود الأمور إلى سابق عهدها فقط بل تتدهور أكثر فأكثر أيضًا، بحيث يبدو أنّ “حزب الله” يخطو خطوتين إلى الأمام في مقابل خطوة إلى الوراء، فيما خصومه يخطون، منهجيًّا، خطوة إلى الوراء!
هذه النتيجة المرصودة حتى تاريخه، لا تعود إلى عبقرية “حزب الله” وغباء خصومه، كما يحلو للبعض أن يستنتج، بل هي المحصلة الطبيعية لما يسميه الإستراتيجيون بـ”توازن الرعب”، فأعتى خصوم “حزب الله” في لبنان، إذا كانوا ورثة ميليشيات شاركت في الحرب، يملكون أسلحة خفيفة وشخصية، يستعملونها في دفاع “أوّلي” عن مناطقهم وأهلهم، وغالبيتهم أصبحوا متقدمين نسبيًا في العمر، كما هي عليه الحال بالنسبة لفادي بجاني الذي قضى باشتباك “كوع الكحالة” قبل ثلاثة أيّام، بعد انقلاب شاحنة تنقل لـ”حزب الله” ذخائر من سوريا إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، إذ إنّه كان ينتسب إلى “القوات اللبنانية” بقيادة الراحل إيلي حبيقة، وهو قد تخطى الستين من عمره.
وعلى الرغم من أنّ مواقف هؤلاء الرافضة لكل سلوكيّات “حزب الله”، إلّا أنّهم جميعًا، لأسباب متفرقة، يرفضون الدخول في مواجهة بالنار معه.
في المقابل، فإنّ “حزب الله” المسلّح حتى أسنانه لا يتوقف عن تجنيد المقاتلين وتدريبهم في مناطق مغلقة في لبنان وسوريا والعراق وإيران، ويقيم طريق تسليح ممتدًا من إيران إلى بيروت، ويتمتع بقدرة مالية هائلة، سواء بسبب تمويله السخي من إيران أو بفعل حريته في القيام بالنشاط الذي يناسبه، أكان قانونيًّا أم غير قانوني.
ولم يجد أمينه العام حسن نصر الله، في تشرين الأول/أكتوبر، غضاضة في التباهي بوجود مئة ألف مقاتل لديه، وذلك في إطار إظهار “قوّة الردع” للقوى اللبنانية التي يمكن أن تفكّر بمواجهته، وفق ما كان قد حصل في الطيونة وخلدة وشويّا، خلال تلك السنة.
وأظهرت التجارب أنّ “حزب الله” مستعد لأن يذهب في الدفاع عن سلاحه ودوره وخططه إلى أقصى ما يمكن، وهو من سبق له أن رفع في السابع من أيّار/مايو 2008، أثناء العمليات العسكرية التي نفّذها ضد القوى الحكومية في بيروت والجبل، شعار: السلاح يدافع عن السلاح!
وكان يمكن لهذا الاختلال الفظيع في “توازن الرعب” أن يحول دون نجاح “حزب الله” في فرض نفسه على الآخرين، لو أنّ الجيش اللبناني يقوم بالأدوار المعهودة إليه، سواء من هؤلاء اللبنانيين الذين توافقوا على تسليمه أمنهم واستقرارهم، أو من الدستور والقوانين التي تحصر حمل السلاح المتوسط والثقيل به. ولكنّ الجيش اللبناني اعتاد أن يكون إلى جانب ”حزب الله” الذي له كلمة أساسية في اختيار قياداته العسكرية والأمنية والمخابراتية.
وسبق للجيش اللبناني أن دفع ثمنًا غاليًا “لتمرّده” مرّة على “حزب الله”، إذ إنّ قياداته السابقة والحالية تنسب اغتيال اللواء فرانسوا الحاج في كانون الأول/ديسمبر 2007 إلى الدور الذي كان قد لعبه في توقيف شاحنات تولّت نقل الأسلحة لـ”حزب الله” ومصادرتها، في تطبيق أمين لتعهدات لبنان بتنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي وتمّ على أساسه وضع حد لحرب تموز/يوليو 2006 التي تسبّبت بدمار هائل في لبنان واحتلال إسرائيل لأراض لا تزال أجزاء بسيطة منها تحت سيطرتها كما هي عليه حال القسم اللبناني من بلدة الغجر.
وخلافًا لما يزعمه “حزب الله”، فإنّ الدول الداعمة للجيش اللبناني لا تطالبه، في مقابل توفير مقوّمات صموده، بتعديل دوره، فهي تُدرك أنّه على تنسيق تام مع “حزب الله”، ولا تريده أن يتغيّر بل أن يبقى صامدًا إلى أن تدق ساعة إنقاذ لبنان فعليًا!
إنّ هذه الوضعية التي تجعل خصوم “حزب الله” في وضعية الضعف استراتيجيًّا، تحول دون تغيير ليس في المعادلات فحسب بل في الخطاب السياسي والأولويات، أيضًا.
ثمّة من يسعى إلى إبقاء اللهجة المعادية لـ”حزب الله” عالية جدًّا، ولكن الضروريات اليومية سرعان ما تؤثّر سلبًا عليهم، خصوصًا أنّ الانتهازيين في الطبقة السياسية اللبنانية لا يزالون أكثر من الهمّ على القلب، ويكفي في هذا السياق التركيز مليًا على “التيّار الوطني الحر” برئاسة جبران باسيل.
وفي انتظار “يوم التغيير” الذي يبدو، بالنسبة لكثيرين، أشبه بحلم ليلة صيف، فإنّ مسألة وحيدة سوف تتعزّز: الارتفاع في شعبية التقسيم في لبنان!