الأخطار التي تواجه الحكومة المصرية والعالم أجمع من مناهج الأزهر
بقلم: أحلام أكرم
في ظل الثورة التكنولوجية التي تتحدى كل ما يُعرف بالخصوصيات الثقافية فضحت الشاشات الفضية كل المُخبآت الثقافية المرتبطة إرتباطا وثيقا بالتأويلات الدينية البشرية والبعيدة عن روح الخالق في المجتمعات العربية.. ووضعت على المجهر العالمي عدم وجود إرادة سياسية لتغييرات تصب في مصلحة المواطن ومصلحة المجتمعات ككل.. وتبقى المنطقة العربية تراوح مكانها في أولوياتها ما بين الإقتصاد الذي يتلاشى أما الإنفجار السكاني وبين الثقافة التي رّسخت للتكاثر خاصة في الشريحة المهمشة.. والسبب الخوف من مواجهة المؤسات الدينية.. لإرتباط العديد من هذه التغييرات بالثقافة والدين والذي تمسكت فيه القيادات الدينية بأسوأ التأويلات وأوصلت أغلبية المجتمعات إلى قمة التجهيل الديني.. غير عابئة بالإنحدار الأخلاقي المصاحب له ولا بمصلحة المواطن.. خوفا على سلطتها ومصلحتها..
الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في تحجيم سلطة المؤسسة الدينية هي المملكة السعودية حين إكتسبت شرعية وجودها من الجيل الجديد من شعبها..
ولكن.. واجهت الحكومة المصرية هذا التحدي على مدى سنوات تصدر فيها الأزهر القيادة الشعبية بدءا من الشعراوي وليس إنتهاء بالقرضاوي أو رئيسه الطيب الحالي.. وبقصد أو بدون ساهم كل الرؤساء السابقين في تقوية هذا التحدي.. إبتداء من الرئيس الراحل عبد الناصر الذي جعله جامعة يُحرم المواطن المصري المُخالف من الإلتحاق بها (القبطي).. تبعه الرئيس المؤمن السادات الذي أعطى الشعراوي أكبر منصب إعلامي ليبث فيه حق الرجل في التعدد وحتى ممارسة الجنس مع العاملة في بيته.. وآخرهم الرئيس مبارك.. ووعي الرئيس الحالي بخطورة ما يبثه الأزهر من خلال مناهجه التعليمية في مصر.. حيث وصلت مناهجه القديمة إلى مستويات قياسية من التراجع والغياب عن مواكبة العصر.. وخلق حدود وهمية بيننا وبين البشر المختلفون.. والأهم نجاحه خلال كل السنوات الماضية في رفض طلب الرئيس السيسي بإلغاء الطلاق الشفهي.. في مسلسل عبر سنوات لإجبار الحكومة المصرية على التراجع عن مواجهته وإثبات عجزها.. لتوسيع قاعدته الشعبية..
أولآ.. حين أصدر علماؤه بيانا حادا عام 2017.. ضد الدعوات الحكومية لتحرير مناهجه من قصص التراث وإبعاد مناهج التفرقة بين السنة والشيعة والمسلمون ومعتنقي الديانات الأخرى لمخاطبة العصر وأصر علماؤه بأنه لا تراجع وأن كل من يطالب بذلك هم أعداء للإسلام.
ثانيا.. ربح معركته نوفمبر 2022 مع مجلس النواب في مشروع قانون لإعادة تنظيمه وتوسعه وإنشاء معاهد أزهرية جديدة تعمل على تعليم وتحفيظ القرآن.. نجحت في جذب 500 الف دارس..
مستعملا حدين.. أولهما التلاعب بعواطف الإنسان المصري المتدين بأن أي تغيير يستهدف الدين.. والثاني إسترضاء شريحه كُبرى من الشارع المصري في تعليم ديني أقرب للمجانية وإنقاذهم من إرتفاع مصروفات المدارس الحكومية. بحيث قسم المجتمع المصري لثلاث شرائح مهمشين فقراء.. وطبقة وسطى تلجأ للتعليم الحكومي.. وطبقة ثرية تستطيع دفع نفقات التعليم الأجنبي المُلتزم بالحداثة وحرية النقد والتفكير…
ولكن الخوف العام من التطرف المزروع في مناهجه.. إضافة لتنصله من معالجة التشدد مما أدى لتوسيع قاعدة الإلحاد خاصة بين الشباب.. والأهم الفساد الذي إكتُشف والذي تطلب إحالة 11 مسؤولا من جامعته إلى المحاكمة.. وربما تكون بداية لتحقيقات أخرى عن مصادر تمويله.. وإثبات عدم صدقيته للجماهير.. مجتمعة أعطىت الثقة للحكومة المصرية في قرارها بإنابة الحوار الوطني لمواجة الأزهر لإلغاء الطلاق الشفهي.. والذي من شأنه تقوية موقف الحكومة في البحث في مناهجه التعليمية الخطرة..
الخطر الأول.. على الحكومة المصرية من وجوده.. خطر سياسي بالدرجة الأولى لمنافسته الحكومة في سلطته على العقول المصرية.. خاصة وأن الشريحة الكبرى منها في وضع إقتصادي مزري وليس لدى الحكومة الموارد الإقتصادية التي تحميها من الغضب الشعبي إن حاولت تحديه والتصدي له أو القاعدة الشعبية الكبيرة التي تؤازرها خاصة وبعد الإلتباس الذهني الذي خلقه في الوعي المصري بأنه حامي للهوية المصرية.. بما قد يؤدي إلى ظهور الدولة الدينية بشكل الإخوان وحتى السلفيين وأنصارهم الذين يدعمونه ويعتقدون بأن عصرنة الأزهر حرب على الإسلام..، فالقاعدة الفكرية واحدة..
الخطر السياسي الآخر.. إستضافته للعديدين من نواب وعسكريي الدول الأفريقية.. بما يعزز سلطته ومنافسته السياسية… وهنا يبرز السؤال لكل المواطنين المصريين هل الدولة الدينية في مصلحة الشعب بكل شرائحه؟؟؟ وهل هي الطريق الأمثل لمجتمع آمن؟؟ فالهمينة الدينية تؤدي حتما إلى إنقسامات مجتمعية وخلق مجتمعات تخضع لقوانين متعدده تبعا لديانة كل شخص. بما يؤدي إلى إنعزالية المجتمعات وضياع الحقوق والأهم الإنعزال عن العالم والمثل أمامنا ما حدث في أفغانستان وما يحدث في البعض من الدول الأفريقية؟؟؟؟؟
الخطر الثاني.. مناهجه التعليمية المُقتصرة على العلوم الشرعية والدينية.. تعتمد الحفظ والتلقين.. وتُركز على تقديس القصص التراثية في كل مناهجها.. وتمسُكه بتدريس مناهج علمية على أسس دينية من قصص التراث.. يؤدي حتما لتخريج علماء وأطباء ومهندسين يتحدوا العلم بقصص تراثية ليس لها من دليل ولا برهان سوى ما قاله فلان عن علان.. ودفن قدرتهم على النقد والتحليل والتفكير والنقاش والإبداع أو الخروج عن كل ما هو ديني، لأنه مُكبل العقل والإرادة بقيود حديديه تمنعه من الإرتقاء الفكري والحرية. بينما العلم الحقيقي يستند إلى الواقع والبرهان.. بمعنى أن خريجيه لا يصلحون لسوق العمل العالمي..
الخطر الثالث.. وربما الأهم
أن الترويج للتعليم الأزهري بالوسطية في التعاليم الإسلامية إضافة إلى إنخفاض تكلفة الدراسة في جامعاته.. تجذب ما يزيد عن 40 ألف طالب من مختلف دول العالم أكثرهم من الدول الإسلامية ودول أفريقيا الإسلامية.. مما يُقدم له تبرير تمسكه أمام مطالبة الحكومة بالتطور في مناهجه بأن الدين صالح لكل زمان ومكان.. إضافة إلى أن هذا التشدد الفقهي في المناهج سيُخرج شبابا لا يؤمنوا بالإختلاف والتعددية.. لا تساعد على التخلص كليا من الكراهية والعنف المبرر خاصة في كل ما يقع تحت التبريرات الفقهيه من الحق في القتل دفاعا عن الدين!!! فمع وجود قاعدة شعبية تحمل بذور العنف في سبيل العقيدة مضافا إليها عقيدة الولاء والبراء التي يُدرسها الأزهر وتستند إلى السمع والطاعه بلا نقاش.. يُصبح من السهل إقناعها بأن هذه حرب على الإسلام.. وقد تؤدي إلى ممارسة العنف بذريعة الجهاد داخليا وعالميا.. مما سيزيد من حدة التطرف العالمي..
سيدي القارىء.. ما كتبته يستند إلى بحث مكثف عن الأزهر.. وأضيف
تبرير الأزهر بالمحافظة على الهوية المصرية.. تبرير مُخادع.. فالهوية المصرية ولدت من رحم الحضارة الفرعونية التي تُدرس في كل أنحاء العالم.. والإنسان المصري الطيب سواء المسلم أو المسيحي الذين عرفتهم خلال دراستي الجامعية يحملون أرقى معاني الإنسانية.. من حقهم أن يعيشوا بأمان من عبث المناهج الدينية مهما كانت.. ومن حقهم الحياة في مصر أم الدنيا بحرية ومواطنة تضمن العدالة من خلال المساواة المُقننة.. وهو ما يليق بمصر… الحكومة المصرية مُلزمة بالتصدي للتشدد.. في نظام تعليمي بعترف بحرية العقيدة ويرفض تقديس الماضي ويعترف بإله واحد للبشر أجمعين..
نقلا عن إيلاف