هل تعيد واشنطن التفكير في مساعدتها للجيش اللبناني؟

"حزب الله" يستبيح الطرقات الدولية ويورط القوات المسلحة وأمينه العام يهدد بـ"حرب أهلية"

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

أعادت الأحداث الأمنية التي شهدتها بلدة الكحالة اللبنانية يوم التاسع من أغسطس (آب) الحالي، بعد انقلاب شاحنة “حزب الله” المحملة بأطنان من الأسلحة، والمواجهة بين أهالي البلدة وعناصر من الحزب، ضبط مشهد الانقسام العمودي في لبنان.

الأحداث كادت تؤدي إلى مواجهات أهلية وطائفية ضمن أجواء شعبية مشحونة وجمود وشلل سياسي وفرز للمكونات اللبنانية السياسية والطائفية، في لحظة مفصلية تشبه وفقاً لمتابعين المرحلة التي سبقت الحرب الأهلية اللبنانية، تلك الحرب التي استحضرها أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله في خطابه مساء الـ 14 من أغسطس خلال الذكرى السنوية الـ 17 لانتهاء حرب يوليو (تموز).

سوسن مهنا

مصادر سياسية اعتبرت أن كلام نصر الله انطوى على تهديد ضمني، لافتة إلى ما تضمن حديثه من توجه إلى المسيحيين تحديداً، ما يعكس إقراراً ضمنياً بما عبرت عنه حادثة الكحالة، من أن “البيئة المسيحية بكليتها باتت معادية للحزب”.

وأشارت المصادر إلى أن الحرب لم يرتدع، بل واصل استعراض قوته ونشر إعلامه الحربي فيديوهات لصواريخ جديدة بحوزته من نوع “كورنيت” قادرة على تحقيق إصابات مباشرة ودقيقة، ومقاطع أخرى تظهر مدرعات وآليات عسكرية يمتلكها ويحتفظ بها في منطقة البقاع بمحيط مدينة بعلبك، عرضها للمرة الأولى في لبنان، وذلك بعد أيام قليلة فقط من حادثة الكحالة.

عنوان “الحرب الأهلية”

ليست المرة الأولى التي تحصل فيها اشتباكات بين مواطنين لبنانيين وعناصر من “حزب الله”، يحذر بعدها من حرب أهلية، ففي أغسطس عام 2021، أوقف سكان بلدة شويا الجنوبية الدرزية شاحنة تابعة للحزب كانت تستعد لإطلاق صواريخ على إسرائيل بعد عمليات إطلاق أخرى جرت في وقت سابق من ذلك النهار، إلا أن القاذفة أعيدت إلى “حزب الله”.

وبعد شهرين على تلك الحادثة، في أكتوبر (تشرين الأول)، اقتحم “حزب الله” منطقة الطيونة المسيحية، التي تقع على الحد الفاصل بين منطقتي الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت وعين الرمانة بالضاحية الشرقية، كتحذير للسلطات اللبنانية على عدم كف يد المحقق العدلي في كارثة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وكانت الرسالة واضحة في ذلك الوقت في أن استمرار التحقيق قد يؤدي إلى حرب أهلية.

ما يحق له لا يحق لغيره

من الواضح أن “حزب الله” بعد ما أشيع أن سلاحه قد يوضع على طاولة المفاوضات الدولية والمحلية حين تحين ساعة “التسوية الشاملة” في الإقليم، أصبح يجاهر بسلاحه ويستعرضه من دون مواربة، بدءاً من مناورة “سنعبر” مايو (أيار) الماضي، التي شارك فيها 200 من عناصره واستخدموا الأسلحة والذخيرة الحية والثقيلة، واستعرضوا راجمات الصواريخ، وصولاً إلى واقعة الكحالة، في رسالة منه بأنه خارج أجواء التفاهمات والتوافقات في المنطقة.

كانت كتلة “الوفاء للمقاومة” (كتلة حزب الله في البرلمان)، قد دانت عبر بيان “بشدة التوتير المبرمج والظهور الميليشياوي المسلح الذي شهدته بلدة الكحالة”، لكن بعد ساعات كانت عناصره تستعرض وتطلق الرصاص عشوائياً في قلب منطقة الضاحية المكتظة سكانياً، في مراسم تشييع أحمد قصاص.

تلا ذلك ما قاله رئيس الكتلة محمد رعد إن “هناك غرفاً سوداً تعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي من أجل إلهائنا عنه، إن هذه الغرف تشغلنا ببعضنا بعضاً بتوافه وباستثارة أحقاد وفتن وبدفع صبية من أجل التطاول على أبطال مقاومين، فيصادرون طرقات رئيسة ويتصدون وكأنهم هم الجيش وهم الدولة، ويحاكمون ويريدون أن يعرفوا ماذا تحمل هذه الشاحنة”، مضيفاً “إذا حصلت حادثة سير بين سيارتين على طريق ما ومر أحد على هذا الطريق، فلا يحق له أن يسأل أصحاب السيارة ماذا يحملون”.

هذا الموقف علقت عليه أوساط سياسية لبنانية، بأنه لو كانت الشاحنة نفسها، أو أي شاحنة مدنية قد انقلبت في مناطق تابعة لنفوذ الحزب هل كان سيدعها تمر من دون تفتيش وتدقيق، مذكرة بما حصل مع الشيخ الدرزي وابنه اللذين كانا يبيعان ثمار التين في منطقة صيدا، حيث عمد مناصرون للحزب بالاعتداء عليهم وطردهم من المنطقة.

استباحة الطريق الدولية

كان حسن نصر الله قد أشار في خطابه الأخير إلى أن هناك سلاحاً وذخائر وإمكانات يتم ‏نقلها من مكان إلى مكان في ما يرتبط بأي خطة مواجهة يمكن أن تحصل في المستقبل. وقال “ننقل بالشاحنات وبغير الشاحنات وبوسائل متعددة وطبعاً بشاحنات مدنية، ولا ‏أود الرد على بعض السخافات والتفاهات التفصيلية، لن أدخل كثيراً بالتفاصيل، يعني مثلاً هناك من يقول هم ينقلون سلاحاً وذخيرة بشاحنات مدنية، بشو بدك أنقلهم؟ هل بشاحنات عسكرية؟ كي تنزل ‏الشاحنة العسكرية مثلاً في الكحالة وتمر بزحلة”.

نصر الله اعتبر أن الحادثة الأخيرة عند كوع الكحالة عادية طبيعية، “فالشاحنات تمر هناك وتنقلب أحياناً وهذا ما حصل مع شاحنة المقاومة التي انقلبت نتيجة خلل تقني معين”. وتوجه إلى إسرائيل قائلاً إن “على العدو أن يحسب كم عدد الصواريخ الدقيقة التي تحتاج إليها المقاومة لضرب كل المطارات المدنية والعسكرية وقواعد سلاح الجو ومحطات توليد الكهرباء والمياه ومراكز الاتصالات الرئيسة والبنى التحتية ومصافي النفط ومفاعل ديمونا”.

وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية” منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، رأت أنه يجب أن ينظر إلى “حزب الله” على أنه “تهديد استراتيجي رئيس” و”يجب على تل أبيب أن تنظر إلى ترسانة الصواريخ الدقيقة المتزايدة لحزب الله باعتبارها تهديداً استراتيجياً كبيراً على قدم المساواة مع البرنامج النووي الإيراني”.

وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية “إذا طورت إيران في نهاية المطاف قدرتها النووية، فلن يكون هناك ما يمنعها من تسليح حلفائها بالمثل”. وقالت “في الآونة الأخيرة نشط عناصر حزب الله بشكل متزايد على الحدود اللبنانية، لقد أقاموا عشرات من نقاط المراقبة، وزادوا من دورياتهم، وقاموا برصد وتوثيق تحركات القوات الإسرائيلية علانية”.

وعلقت مصادر سياسية لبنانية بأن محاولة “تجميل” حادثة الشاحنة ووضعها في إطار “الطبيعي” من قبل “حزب الله”، لم يخف حقيقة أن “الحزب” يستبيح الطرقات الدولية والمناطق المأهولة بالسكان، ولا يقيم أي اعتبار للدولة ولا لمصالح الشعب اللبناني، وأن قرار الحرب والسلم ما زال رهن مقتضيات مشروعه الإقليمي”.

بالموازاة، نقلت صحيفة “نداء الوطن” عن مصادر فلسطينية أن شاحنة “حزب الله” كانت تنقل صناديق طلقات لأسلحة رشاشة ومضادة للطيران، انطلقت من البقاع وكانت وجهتها مخيم “عين الحلوة” جنوب صيدا، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تأتي لتعويض مخازن الأسلحة التابعة للحزب في المخيم بعد نقص مخزونها إثر المعارك الأخيرة. هنا تتضح الإجابات لأكثر من تساؤل طرح في الفترة الماضية عند اندلاع أحداث “عين الحلوة” مثل من أين يأتي السلاح وكيف يدخل إلى المخيمات الفلسطينية؟

وعلى الجانب الآخر كشفت هيئة البث الإسرائيلية العامة “كان” عن أن شاحنة “حزب الله كانت تحمل صواريخ إيرانية”، وأوضحت أن مسؤولين أمنيين رجحوا وجود صواريخ إيرانية مضادة للدبابات، أرسلتها طهران إلى الحزب الموالي لها.

وأضافت المصادر الأمنية أن محاولة تهريب الأسلحة دبرتها (الوحدة 4400) التابعة لـ”حزب الله”، من بين جهات أخرى ومسؤولين متورطين في عديد من المحاولات المماثلة، لتمرير ذخائر من إيران عبر سوريا”.

وأشارت تقارير صحافية لبنانية إلى أن خطوط إمداد “حزب الله” العسكرية لم تعد بأمان، وأنه بعد حادثة الكحالة يعيد دراسة خط الإمداد لشاحناته العسكرية التي تعبر الحدود السورية باتجاه بيروت. وقد يلجأ إلى خط البقاع الهرمل عكار في حال وجد أن هذا الخط أكثر أمناً لشاحناته مع غطاء حزبي سني من قبل بعض المحسوبين عليه في الشمال، إضافة إلى أن الشاحنة كانت ضمن قافلة شاحنات عبرت على الطريق نفسه.

ثلاثية “جيش، شعب، مقاومة”

تحدثت مصادر صحافية عن أن الشاحنة ستسلم للحزب تحت حجة أنها مشرعة عبر البيانات الوزارية المتعاقبة التي تسمح بمقاومة الاحتلال بكل الأساليب المشروعة.

هنا تعلق أوساط قريبة من الحزب بأن بيان القمة العربية الأخيرة التي عقدت في جدة شرعت عمل المقاومة عبر التأكيد في بيانها “على حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة”.

وهو ما قد يعتبره الحزب إقراراً ضمنياً عربياً بحق لبنان في الدفاع عن نفسه واسترجاع أراضيه من إسرائيل عبر المقاومة، لأن الجيش اللبناني لا يمتلك قدراته.

وفي تقرير لـ”معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” بعنوان “هل بإمكان الجيش اللبناني منع نشوب صراع بين حزب الله والمسيحيين؟”، يقول إن نزعة الجيش اللبناني إلى الإعفاء عن الجناة من “حزب الله” أو التغاضي عن أنشطتهم ناجمة إلى حد ما عن عقيدة لبنانية رسمية انتهجتها الحكومات المتعاقبة، فعلى مدى سنوات مكنت صيغة “شعب، جيش، مقاومة” الحزب من الاحتفاظ بأسلحته في انتهاك لـ”قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701″، الذي دعا إلى نزع سلاح جميع الكيانات غير الحكومية.

وأشار التقرير إلى أنه، على رغم أن من المفهوم في لبنان وواشنطن أن الجيش اللبناني لن يلاحق “حزب الله”، إلا أنه لا يزال من المتوقع أن يعمل الجيش على حماية الناس من تصاعد العنف الذي يثيره الحزب ومواجهة العناصر المسلحة الأخرى بشكل مباشر، على سبيل المثال، الفصائل الإسلامية الفلسطينية المرتبطة بالاشتباكات الأخيرة في مخيم عين الحلوة.

 وأضاف التقرير أنه بالنظر إلى تصرف الجيش اللبناني خلال المواجهة الأخيرة وتصاعد الغضب المسيحي تجاه “حزب الله”، على واشنطن أن تفكر في ضبط مساعدتها للجيش اللبناني وقطعها عن الوحدات التي لا تلتزم حماية الشعب.

ولفت التقرير إلى أن حادثة الكحالة أظهرت أن الجيش اللبناني لم يعد قادراً على خوض لعبة إرضاء مموليه الأساسيين في واشنطن، وشركائه في “حزب الله”، بالتالي رعاة الميليشيات في إيران من دون عواقب، فالاستمرار في هذا النهج لن يؤدي إلا إلى تدمير ثقة الناس الضعيفة في الجيش، ودفع مزيد من السكان المحليين لتطبيق الأمن بأنفسهم كما فعلوا في الكحالة.

وأوضح التقرير أن “حزب الله” يطلب حالياً مزيداً من الجيش اللبناني، إذ يهدف إلى السيطرة على جميع القرارات الأمنية والعسكرية، بما في ذلك من يتم تعيينه في المناصب الرئيسة وكيفية استجابة عناصر الجيش للحوادث الداخلية، الأمر الذي يضع الجيش اللبناني عند مفترق طرق: فوسط تزايد الاستياء المسيحي من “حزب الله” واتساع الفراغ في مؤسسات الدولة، سيتعين على الجيش أن يقرر ما إذا كان سيحمي الشعب أو الميليشيات.

وتتيح حادثة الكحالة لواشنطن فرصة أخرى لاستخدام مساعدتها الوافرة للجيش اللبناني كوسيلة ضغط لضمان المساءلة، وعلى وجه التحديد، يجب على المسؤولين الأميركيين الاستفسار عن رد الجيش على إطلاق النار ومكان وجود الشاحنة وأي خطط قد تكون لدى القضاء العسكري لإعادة الأسلحة إلى “حزب الله”، وفقاً لتقرير المعهد الأميركي.

الجدير ذكره، جرت اتصالات عاجلة بين دول “المجموعة الخماسية” لتضمين فقرة في البيان في شأن التمديد لـ”اليونيفل” تتحدث عن خروقات للقرار 1701، في ما خص نقل الأسلحة، وفقاً لصحف لبنانية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى