دبلـومـاسيـة الكـوارث.. نهج أردني في الإغاثة الإنسانية

النشرة الدولية – رزان نويران –

تلعب الدبلوماسية الأردنية دورًا حاسمًا في تعزيز حقبة جديدة من التعاون الإقليمي من أجل الأمن البيئي.

أظهار النظرة الأردنية للأمن والسلم كأساس لرفاه الشعوب.

والإيمان المطلق بأن الأمن الوطني يتكامل ويدعم مع الأمن الإقليمي والأمن العالمي، وإيمان الأردن بأن البعد الدولي مسؤولية جماعية.

مشاركة الأردن اظهرت للعالم عمق فلسفة الدولة الأردنية التي تؤمن بالسلام العالمي والأمن والاستقرار وهما ركائز التنمية الدولية.

تحفيز التعاون المشترك لتخفيف آثار المخاطر المتعددة للكوارث.

تعـزيز المخـزون المعرفـي لـدى الدبلوماســيين الشــباب.

ولعل الدور الأهم في هذا السياق هو دور سلاح الجو الملكي الأردني محليا وإقليميا في مكافحة حرائق الغابات في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

يشهد العالم زيادة في معدل الكوارث الطبيعية والأزمات المترتبة بسببها حيث تتخطى آثارها قدرة الأنظمة السياسية لتصبح الحاجة إلى الدبلوماسية أكثر إلحاحا ً وضرورة من أي وقت مضى. ما بتوجب معه استخدام سياق مختلف عن المسارات الطبيعية في العلاقات الدبلوماسية للدول مع بعضها. ليثبت الدبلوماسـيون أنهـم لديهـم المرونـة والقـدرة علـى التكيـف والابتكار، وهـي مهـارات فـي صلب الدبلوماسـية. ومن عالم الدبلوماسية الدولية، أعاد الدبلوماسيون صياغـة استراتيجيات الدبلوماسـية وتشكيل نمط فريد وآلية تعامل براغماتية يُعرف باسم دبلوماسية الأزمات والكوارث لإيجاد سبلاً جديدة لإقامة وتعزيز العلاقات من خلال مد يــد العــون بيــن الدول نحو عالمِ أكثـر تعاونـا ً واسـتدامة ً وعدالةً.

ولقد برهنت الدولة الأردنية على ايمانها بهذه الفلسفة العميقة التي اعتنقتها بما يتعلق بالسلم والتعاون الدولي من خلال عدد المشاركين في المهمات الدولية لحفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة الذي تجاوز المائة الف مشارك من أفراد وضباط وكوادر القوات المسلحة الأردنية ، جرح منهم (1070) وقدمت القوات المسلحة الأردنية خمسة وثلاثون شهيد في سبيل هذا الهدف العالمي النبيل و دور سلاح الجو الملكي ,و يذكر منها عبر القيام بعمليات البحث والانقاذ و تقديم رحلات الإغاثة و إخلاء الرعايا الأردنيين والأجانب من مناطق التوتر والصراع كما حصل في البوسنة والشيشان والسودان واليمن و الإشراك بمكافحة الحرائق في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وفي حين أن الأنشطة المتعلقة بالكوارث والإغاثة قد لا تولّد في المقام الأول فرصًا دبلوماسية جديدة، أو تخلق تطور لافت أو منعطف جديد في العلاقات، إلا أن هذه الأنشطة قد تحفز المساعي والإجراءات الدبلوماسية، وتتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

حرائق الغابات: ما أسباب تزايد هذه الظاهرة؟

تُعد “حرائق الغابات” كارثة طبيعية كبيرة تصاعدت في السنوات الأخيرة مما أدى الى عواقب وخيمة على الدول المنكوبة، من خسائر فادحة في الأرواح و خسائر اقتصادية مدمرة .

ويمكن وصف حرائق الغابات بأنها حرائق غير مخطّطة وغير خاضعة للسيطرة تحدث في مناطق الغطاء النباتي وتتأثر بالعلاقة المعقدة بين العوامل الاجتماعية والبيئية. إلا أن ظاهرة حرائق الغابات أصبحت أكثر حدة وتواتراً وغالباً يتم ربطها مع الأحداث المتطرفة في سياق مناخ سريع الاحترار الناجم عن الأنشطة البشرية مع الطقس المتطرف حول العالم. تتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بلوغ درجات الحرارة العالمية مستويات قياسية في السنوات الخمس المقبلة، نتيجة زيادة غازات الاحتباس الحراري وظاهرة النينو المناخية. وتشير المنظمة إلى “احتمال بنسبة 98% أن تكون إحدى السنوات الخمس المقبلة أو الفترة بأكملها الأكثر دفئاً على الإطلاق في تاريخ كوكب الأرض”.

وفي هذا الشأن، برزت أهمية “دبلوماسية مكافحة الحرائق” كنمط وآلية من ضمن إطار دبلوماسية التعامل مع الأزمات والكوارث لاسيما مع التدهور المتزايد لغابات منطقة البحر الأبيض المتوسط وتعرضها للخطر بسبب التغيرات المناخية والاجتماعية والحياتية السريعة.

دبلوماسية الكوارث- محفز لتخفيف الصراع وتعزيز التعاون:

منح موقع الأردن الجغرافي المتوسط دورًا تاريخيًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي يبرز من خلال التوجيهات الملكية والجهود الدبلوماسية المستمرة لاسيما فيما يتعلق بالمبادرة والتجاوب السريع لمد يد العون عند حصول الكوارث. لم يؤد تفاني الأردن الثابت في معالجة الأزمات بسرعة وكفاءة إلى تعزيز جهود الاستجابة للأزمات فحسب، بل كان أيضًا بمثابة خطوة كبيرة نحو تعزيز حقبة جديدة من التعاون الإقليمي من أجل الأمن البيئي وحل النزاعات في منطقة البحر الأبيض المتوسط. تنبع مشاركة الأردن من إيمان القيادة بأن التمارين المشتركة وتبادل الخبرات هي من أفضل الوسائل للوصول الى اعلى المستويات في التنسيق والتفاهم، حيث يقوم سلاح الجو الملكي بتنفيذ عدة تدريبات مشتركة مع أسلحة الجو في الدول الشقيقة والصديقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مثل قبرص واليونان وغيرها، لتعزيز قدرات الاستجابة والتصدي لحرائق الغابات وتقليل تأثيرها على البيئة والمجتمع مما يسهم في الحفاظ على الأمان والاستقرار في المنطقة. ويذكر منها المشاركة الحديثة الفِرَق الأردنية جنبًا إلى جنب مع وحدات إطفاء الحرائق الجوية القبرصية في تمرين “بيرسوس 2023” الذي أقامته إدارة الغابات في مايو 2023 حيث تم استضافة هذه الفِرَق في قاعدة الطيران أندرياس باباندريو في بافوس.

وعلى الرغم من أن الكوارث ليست أمراً مرغوبًا فيها، فمن المهم أن نسعى لاستخراج أكبر قدر ممكن من النقاط الإيجابية من ومــا تتضمنــه مــن دروس وتنبــؤات وأفضــل الممارســات. حيث يمكن أن تلعب هذه الجوانب الإيجابية دورًا حاسمًا في التقليل والتخفيف من آثار المخاطر المتعددة للكوارث لتعزيز التعاون وتخفيف الصراع وتعـزيز المخـزون المعرفـي لـدى الدبلوماســيين الشــباب.

وتوفر دبلوماسية الكوارث، والتي تتضمن الاستفادة من تجارب الأزمات المشتركة لتعزيز التعاون الدبلوماسي، إمكانية للمساهمة في معالجة تغير المناخ وتأثيره على الأمن البيئي والمدني في مناطق مثل البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الدبلوماسية في سياق الكوارث قد لا تكون حلاً شاملاً للتحديات المعقدة مثل تغير المناخ. إليك كيف يمكن أن تلعب الدبلوماسية في سياق الكوارث دورًا محتملاً:

القوة الناعمة: يمكن للدول التي تشارك بنشاط في تقديم المساعدة خلال الكوارث تعزيز قوتها الناعمة وسمعتها على الساحة الدولية. من خلال إظهار استعدادها للتعاون وانخراطها أثناء الأزمات، يمكن للدول أن تضع نفسها كجهات دولية مسؤولة ملتزمة بمعالجة تغير المناخ والتحديات العالمية الأخرى.

خلق أرضية مشتركة: تتسبب الكوارث، بما في ذلك تلك التي يزيد تأثيرها من تغير المناخ، في التأثير على عدة دول ومجتمعات. عندما تواجه الدول تهديدات مشتركة، يمكن أن تكون هذه الأحداث أساسًا لتعزيز التفاهم المشترك وتعزيز التعاون. يمكن أن تعزز الدبلوماسية في سياق الكوارث التحفيز لدى الدول في منطقة البحر الأبيض المتوسط للتعاون في استراتيجيات مكافحة تغير المناخ، مع الاعتراف بالطبيعة الجماعية للتحديات البيئية. فمن خلال توحيد القدرات، يمكننا التعامل مع التحديات البيئية، وتقديم استجابات وإغاثة للكوارث في الوقت المناسب، والعمل نحو مستقبل متين ومتوازن

بناء الثقة: بشكل عام، تساهم الدبلوماسية في تخفيف حدة النزاع، وبالأخص بعد أن أصبح مشهد التوترات الجيوسياسية في منطقة البحر الأبيض اكثرفوضوية وتعقيداً، و تساعد الاستجابات التعاونية للكوارث في هذا السياق من خلال إنشاء بيئة تفاوضية وتعاونية تعمل على تجاوز التوترات وتحقيق استقرار أكبر في منطقة البحر الأبيض المتوسط. فبينما تعمل الدول سويًا على تحقيق تعاون قصير المدى عبر تقديم المساعدة ومشاركة الموارد وتنسيق الاستجابات، يفتح المجال أمام الدبلوماسية للتعامل مع بؤر التحديات والتوتر بحيث يوضع أساس لبيئة تشجع الدول على الانخراط بمرونة في حوار بناء، لتحسين العلاقات الدبلوماسية وتعزيز الروابط الدولية، في مناخ يمكن يعيد ترميم الثقة بين دول المنطقة للانتقال لمعالجة قضايا أوسع، بما في ذلك تغير المناخ، حيث التعاون مع شركاء إقليميين أمرًا لا غنى عنه.

المبادرات الإقليمية: وقد تمكنت دبلوماسية الكوارث في تحويل الأنشطة من حالة الدعم والتضامن اللحظي لبناء اطار متكامل لتعزيز التعاون في معالجة التحديات و وضع سياسات مشتركة لملفات مهمة كالتصدي لتأثيرات تغير المناخ أو للحد من انتشار المخاطر التي تشكلها أجندات إقليمية مشبوهة ومنظمات متطرفة عنيفة، و توحيد الجهود و الاليات المتعلقة بإدارة الأمن والسلامة ومن بينها الجمارك وأمن البحرية والموانىء والأمن الإلكتروني وتطوير البحث العلمي و التقني المشترك. و قد نجحت مساعي الأردن توجت الجهود الإقليمية بإعلان مبادرة قبرص — الأردن لإنشاء مركز إقليمي لمكافحة حرائق الغابات ومقره قبرص، وهي مبادرة أُعلن عنها خلال زيارة رئيس الجمهورية (نيكوس خريستوذوليدس) إلى العاصمة الأردنية عمان واجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في الأول من آب/أغسطس 2023.

التعاون الاقتصادي والبيئي: يساهم نجاح أنشطة دبلوماسية الكوارث في خلق مناخٍ إيجابي يشجع على التعاون في مجالات أخرى كتعزيز التعاون الاقتصادي والبيئي بين الدول. وفي هذا السياق، وقعت الأردن أيضاً مع سوريا والعراق ولبنان في مارس 2023مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التجارة والتعاون الزراعي والإنتاج الحيواني، وتعزيز الجهود المشتركة في مجال مكافحة الحرائق، وتغير المناخ.

الدبلوماسية الرقمية الأردنية:

قدمت المنصات الرقمية دورًا حيويًا في تقديم الأوجه المتعددة للدبلوماسية الأردنية وجهوده في التضامن والدعم العربي والإقليمي .وهنا نبحث كيفيــة تأقلــم وزارة الخارجيــة والدبلوماســيين ومهنــة الدبلوماســية الأردنية ومواكبتهـم لهـذه الحقائـق الجديـدة ،من خلال دراسة كيفية اعتمادهم للدبلوماسية الرقمية ، في سياق دبلوماسية مكافحة الحرائق، والتكيف مع التحديات البيئية والأمنية على نحو عاجل وطموح وإلى اتباع نهج قائم على العمـل مـع الآخرين لتعزيز التعاون والتضامن الدوليين للتخفيف من حدة الآثار الناجمة عن حرائق الغابات وتحولهـا إلـى نمـط دبلوماسـية أكثـر قـوة ً وفعاليـة.ومن جانب اخر نشهد أهمية منصات التواصل الاجتماعي في تسهيل وتعزيز الجهود والأنشطة الدبلوماسية ليشمل ليس فقط المفاوضات السياسية التقليدية والدبلوماسية الرقمية بل ونشر المعرفة و الوعي البيئي والدعوة لحماية حقوق الأنسان الأكثر تأثراً بتغير المناخ لحقوق الإنسان والمساهمة في تشكيل تحالفات وممارسات أفضل تمكنها من التصدي للأزمات بشكل أكثر فعالية مع التركيز على أنها ليست بديلاً للدبلوماسية التقليدية القائمة على التفاعل البشري الذي ستبقى محوريــة لممارســة الدبلوماســية بكفــاءة.

وحيث الدبلوماســية هــي، بحكــم طبيعتهــا، مهنــة تقــوم علــى التفاعــل؛ فهـي تتطلـب القـدرة علـى المشاركة، والتعليـم والتعلـم، فالتغييــرات المبتكــرة فــي مهنــة الدبلوماســية واضحــة للعيــان فــي التغريدات الدبلوماســية التــي يتــم مشاركتها علــى منصة إكس حالياً -سابقا تويتر-حيث ساهمت البيانات الرسمية لوزارة الخارجية في تبيان الجهود القوية التي تبذلها المملكة الأردنية لاسيما دور سلاح الجو الملكي الأردني للمشاركة في الأمن البيئي الإقليمي عبر جهود مكافحة الحرائق محلياً وإقليمياً.

أما التغريدات المتبادلة من قبل الكوادر الديبلوماسية في إقليم حوض الأبيض المتوسط -ومنها الأردنية واليونانية والقبرصية- ساهمت في تطوير أنشطة مكافحة الحرائق إلـى آلية دبلوماسـية مرنة سـريعة الحركـة أكثـر قـوة ً وفعاليـة وأكسبتنا رؤى قيمة حول قوة الجهود المشتركة في التخفيف من الأزمات وتعزيز العلاقات الدولية.

فخلال موسم الحرائق في اليونان، أوعز العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بإرسال طائرات لمكافحة الحرائق في قبرص خلال موسم الحرائق الصيفي. وغرد رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس شاكراً العاهل الأردني.

أمام التحديات المتصاعدة التي يسببها تغير المناخ، مثل حرائق الغابات، تعكـس التغريدات الدبلوماسية المتعددة قناعــة ً راســخة بــأن العمــل الجماعــي هــو أفضــل ُ السّــبل لتقليل تداول الحرائق واحتوائها. فقوة ومرونة التعاون المشترك اليوم قد يكون أكثر أهمية من إنشاء الأطر والعمليات للمفاوضات السياسية التي تتطلب فترات ممتدة وان الجهود المشتركة ضرورية لديناميات المنطقة على المدى الطويل. لتجد الدول طرقًا مبتكرة للتعامل مع الأزمات الفورية ومواجهة الأزمات العابرة للحدود. ويصبح التركيز على القضايا المشتركة المصيرية جسراً لتعزيز الهدف المشترك.

على موقع صحيفة الدستور الأردنية

 

Back to top button