«كامب ديفيد» آسيوي .. أين نحن؟!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

ترسخ اسم «كامب ديفيد» في العقل السياسي العربي كمصطلح مشؤوم بعد أن احتضن هذا المنتجع الأميركي في 17 سبتمبر/ أيلول من عام 1978 توقيع اتفاقية السلام بين مصر و”إسرائيل» برعاية الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وهي الاتفاقية التي كانت شئنا أم أبينا علامة فارقة وتحولا استراتيجيا في الصراع العربي – الإسرائيلي من حيث الشكل والزخم وتركت آثارها البالغة على ميزان القوى بين العرب ودولة الاحتلال، ثم جاء كامب ديفيد الفلسطيني عام 2000 برعاية الرئيس بيل كلينتون من أجل ترسيم نهائي لاتفاقيات اوسلو، والذي أدى فشله إلى انهيا? الحالة الفلسطينية وعودة «الليكود» بزعامة شارون للحكم والذي أنجز بدوره مشروع «اغتيال عرفات» وإيصال الوضع الفلسطيني إلى حالة التشرذم والانقسام التي ما زال يعاني منها منذ عام 2007 إلى يومنا هذا.

واليوم وبعد 23 عاما يعود منتجع كامب ديفيد إلى واجهة الأحداث ولكن هذه المرة بلون «أصفر فاقع» شرق اسيوي يضم الاضداد (اليابانيين والكوريين الجنوبيين) برعاية الرئيس جو بايدن لتكوين تحالف سياسي – عسكري ضد الصين وأحكام الطوق العسكري عليها في بحر الصين «وكتم انفاسها جيو سياسيا» وبالتالي إضعافها على كل المستويات.

السؤال الذي سيخطر على بال القارئ الكريم، وما دخلنا نحن بكامب ديفيد هذا، وهل له علاقة بنا وهل سيؤثر على مصالحنا؟

مثل هذا السؤال ضروري، ولكن عند محاولة الاجابة عليه يجب المرور على مجموعة من النقاط المحورية التي تقودنا الى ان كامب ديفيد الجديد يمس مصالحنا ويفرض علينا بصورة غير مباشرة تحديد رؤية استراتيجية – عربية لما بعد هذا المؤتمر.

ومن أبرز هذه النقاط ما يلي:

أولا: محاولة الإجابة على السؤال التالي هل الصين تشكل حالة معادية للدول العربية من حيث المبدأ ام لا؟.

أليست الصين تعد شريكا لاغلب الدول العربية في التجارة والتنمية ام لا؟، اما السؤال الاهم هل الصين تمارس اي نوع من الهيمنة على اي دولة عربية؟ (بلغ حجم التبادل التجاري بين العرب والصين العام الماضي 500 مليار دولار).

ثانيا: ان كامب ديفيد الجديد هو تحالف لمحاصرة الصين، وهو تحالف عسكري بالدرجة الاولى سيبدأ بالاقتصاد وسياخذ منحى امنيا – عسكريا في فترات لاحقة، ومعنى ذلك ان واشنطن ستعمل على توسيع هذا التحالف المضاد للصين وهو ما يعني انها ستخاطب حلفاءها ومنهم العرب قائلة (اوقفوا تعاملكم مع الصين والا…)، عملا بمقولة جورج بوش الابن بعد تفجير البرجين بنيويورك عام 2001 عندما بدا ببناء التحالف الدولي لمحاربة ما اسماه بالارهاب (اما معنا او ضدنا)، فهذا هو المنطق الاميركي في المنعطفات الاستراتيجية، لا تعير واشنطن اي اهمية لمصالح ا?حلفاء، فمصالحها مقدسة ومصالح الحليف بلا قيمة.

ثالثا: الضعف الذي تعاني منه الادارة الاميركية الحالية يغري جدا «بالاختلاف معها»، وهذا الاختلاف يفتح المجال لتشاور عربي جدي بشان اين نحن، ومع من، وما هو معيار ان نكون مع الصين وروسيا ام مع اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة؟

إن الواقع الدولي الجديد يعيدنا الى اجواء الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، والثنائية القطبية، فاليوم هناك «ناتو» اسيوي برعاية اميركية يضاف للناتو الاوروبي، وفي المقابل هناك روسيا وهي وحش نووي وحليفه التنين الصيني الذي يجمع القوة الاقتصادية مع القوة العسكرية، مشهد يحتاج منا وباسرع وقت ممكن كدول عربية منفردة او مجتمعة تحديد خياراتنا الاستراتيجية التي تخدم مصالحنا.

على مدى 23 عاما مضت لم نكن في حالة اضطرار للخوض في اختيارات استراتيجية صعبة وذلك بحكم الهيمة الاميركية الكاملة على العالم (نظام القطب الواحد)، غير ان عالم اليوم بات مختلفا وبحاجة الى بحث معمق في تحديد الرؤية الامنة لكل دولة من دولنا ولمستقبلها والبحث في طبيعة القوى الصاعدة وتاثيرها علينا وبالاخص الصين التى تفاخر بانه لم يعد هناك بيتا في العالم لا يوجد به منتج صيني.

أين نحن، واين سنكون غدا، هذا هو السؤال؟!

Back to top button