عن أي ديموقراطية تتحدثون؟
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

افتحوا النوافذ جيداً ولا تغلقوها لأن «الهواء الفاسد» لا يطرده إلا «الهواء النظيف» كذلك هي الديموقراطية لا تتجدد إلا إذا خرجت من بيئة مكتملة الأركان.

ديموقراطيتنا ليست بخير لأننا، ببساطة، لم نمارسها في حياتنا العملية، فقد اجتهد علماء الاجتماع بتوصيف أشكال النظم الديموقراطية لكن على الورق، ونحن كمجتمعات عربية عاشت في ظل الديموقراطية التي ما زلنا بعيدين عنها، وأساتذة علم الاجتماع والدارسون ربطوا الديموقراطية بوجود أحزاب سياسية تتمتع بصفة قانونية، وغاب عنهم أن معظم الأحزاب السياسية التي نشأت في ظل أنظمة ديموقراطية في عالمنا العربي، لم تعرف الديموقراطية بل هي تمثل أحد وجوه الاستبداد ونسخة مماثلة لواقع الأنظمة القائمة، فإحدى الدول العربية فيها 28 حزباً سياسياً، ولديها دستور مكتوب وصندوق اقتراع، تفتقد إلى أبسط قواعد الديموقراطية، فكيف سيكون حال «المؤسسات» الأخرى التي يفترض أن تشكل أرضية وبيئة صالحة للحياة الديموقراطية؟

وهذه الدولة ليست طائراً يغرد خارج سربه، فمعظم الأنظمة العربية التي تنتهج الديموقراطية كنظام حكم وفيها أحزاب سياسية أنتجت بيئة استبدادية لا تجيد التداول بالمناصب القيادية لهذه الأحزاب، فحكم القائد الأوحد والزعيم الأوحد والرجل الأوحد والمقدس هو القاعدة الأعم والسائدة في الساحات العربية.

كيف يمكن أن تتحدث عن الديموقراطية كنظام سياسي في بيئة اجتماعية تقوم على الطائفية والقبلية والعائلية والعشائرية؟

اختصار الديموقراطية بصندوق الاقتراع فقط كذبة كبرى وعملية يقصد بها تشويه معنى الديموقراطية وقيمتها، وما لم تقترن بالمساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وتداول السلطة، وفوق كل ذلك محاسبة ومراقبة من قضاء مستقل وعادل ودون انتقائية فلا قيمة لها، فإذا توافرت هذه الشروط فقد يفتح الطريق أمام ديموقراطية حقيقية.

إذا كانت «الجاهة» كمثال هي القاعدة التي يتم الاحتكام إليها عند القضايا الخلافية، فكيف سنبني مجتمعاً ديموقراطياً؟ وإذا كانت القبيلة هي التي ترشح من ينتخبه الشعب إلى البرلمان الممثل للأمة وتحكم عليه ويمتثل لأمرها فعن أي ديموقراطية نتحدث؟ وإذا كانت الأحزاب السياسية تدين بالولاء والطاعة للرئيس والقائد والموجه، وتسير على خط الأنظمة الحاكمة، فكيف سنؤسس لثقافة ديموقراطية يؤمن بها المنضوون تحت أجنحة هذه الأحزاب؟ ومن يرفض النقد ولا يقبل الاختلاف بالرأي، فهل يستحق أن يقال عنه إنه «ديموقراطي»؟

بيئتنا طاردة للديموقراطية، ومن آمن بها، جاء من يسيء ويشوه التجربة حتى وصل الأمر ببعض الناس إلى الكفر بها متمنياً النقيض إليها تماماً.

أوصلونا إلى مرحلة الاختيار المر، إما الديموقراطية الشكلية والمنهكة والمشوهة وإما عكسها تماماً، فانظروا كيف هي أحوال اليمن والعراق ولبنان وسورية الآن، وعليكم الاختيار.

غسان النابلسي مختص بالشأن التركي يدافع وبقناعة عن حكم أردوغان بالرغم من «جمعه» صلاحيات الجيش والوزارات السيادية بين يديه، وتحوله إلى «نظام رئاسي تحت حكم رجل واحد»، بقوله «هذه الشعوب لا تصلح معها الديموقراطية، نحن من شعوب العالم الثالث، محكوم علينا أما أن نكون تحت حكم العسكر والقائد الأوحد وإلا سنبقى ندور في حلقات مفرغة لا فائدة منها، بل مزيد من التراجع في الأداء السياسي والاقتصادي المعشش بالفساد وعلى حساب التنمية والمال العام والأجيال القادمة».

افتحوا النوافذ جيداً ولا تغلقوها لأن «الهواء الفاسد» لا يطرده إلا «الهواء النظيف» كذلك هي الديموقراطية لا تتجدد إلا إذا خرجت من بيئة مكتملة الأركان.

زر الذهاب إلى الأعلى