شهادات وهمية تطيح بحرف “د”

اليوم أصبحنا نتحدث عن أمية الشهادات، واتكاء أسماء نسبة كبيرة من الأشخاص على حرف "د"

النشرة الدولية

العرب – يمينة حمدي –

طلب مني أحد زملاء المهنة التونسيين مساعدته في إعادة نشر بعض مقالاتي على موقعه الإلكتروني الذي أنشأه حديثا في إسبانيا، فلم أمانع، ولم أطمح مقابل ذلك إلى أي مقابل مادي أو معنوي نظير جهدي، وما يتطلبه من وقت وتركيز.

أمام وضع الصحافة المتردي، ومن باب مد يد العون لزميلي، كنت أحاول جاهدة مساعدته حتى في عطلات نهاية الأسبوع، بحكم ضيق الوقت ومسؤوليات العمل والحياة الشخصية، وأشعر بوخز الضمير إذا لم تتح لي فرصة نشر بعض المقالات.

في البداية كنت سعيدة بالتقدير المعنوي والإيجابي منه ومن قراء الموقع، وبما أني أخليت زميلي من أي مسؤولية تجاهي، لم أتوقع منه أن يجازيني بأكثر من كلمة شكر، لا أن يحتال عليّ بمكر.

لم يدر بخلدي أبدا أن زميلي سيرسل إلي صورة مفاجئة وغير متوقعة “شهادة دكتوراه فخرية” افتراضية تحمل إسمي وتوقيعه وختم صحيفته الإلكترونية، فيمنحني نظير جهدي الإنساني لقبا وهميا لست في حاجة إليه لأعرّف بنفسي.

في تلك اللحظة شعرت بأن زميلي “محتال”، طلبت منه التوقف عن إعادة نشر مقالاتي في موقعه وقطعت صلتي به نهائيا، لكن الموقف نفسه جعلني أدرك أن هناك شيئا أهم لا نحتاج إلى إثباته بالشهادات، وهو قيمتك الحقيقية أمام نفسك، بغض النظر عن مدى استحقاقي للقب تلك الشهادة، وإن كانت تعادل ما أمتلكه من مؤهلات أكاديمية ومهارات مهنية.

على أي حال لم أستغرب الحادثة، لكثرة ما تواتر علي مثلها في عالم مواقع التواصل الاجتماعي العجيب والغريب، وكيف أصبحت الشهادات الافتراضية إغراء يصعب مقاومته، وحلا سحريا للكثير من العقد والنقائص في مجتمعاتنا، إلى درجة أن توزع هنا وهناك وعلى هذا وذاك، كما يوزع الكسكسي بالزبيب والحمص في الأعراس التونسية.

 

Thumbnail

من الواضح أن إصرار البعض على التفاخر بما نالوه من “شهادات وهمية” عبر مشاركتها على حساباتهم في مواقع التواصل، هو أشبه بالإشباع الغريزي لإحساسهم الداخلي بالنقص، حتى وإن كانت تلك الشهادات لا تعكس حقيقتهم على أرض الواقع، ولم يعملوا بجد واجتهاد لنيلها.

وقع الكثير من زملائي وأصدقائي في فخ السير مع الركب، فشاركوا على نطاق واسع ما نالوه من شهادات افتراضية من جهات غير رسمية، ويبدو أنهم قد انصاعوا للثقافة السائدة في مواقع التواصل، وصدقوا أنها سترفعهم إلى القمة.

لطالما كان الحصول على شهادة علمية وفخرية وتكريمية وسيلة من وسائل التقدير والاعتراف بالإنجازات المرموقة، والجهود الحقيقية التي يبذلها الأفراد والمجموعات والمؤسسات في مختلف المجالات، خصوصا عندما تكون صادرة من جهات معروفة وموثوقة وذات مصداقية وسمعة جيدة، ويشكل ذلك سببا مهما يكسب الألقاب المهنية والأكاديمية أهميتها وقيمتها في المجتمعات. لكن في أيامنا هذه أصبحت لغة “حك رأسك واكتب شهادة” فضفاضة جدا، ما أفقد حرف “د” محله من الإعراب.

مثل هذا الأمر قد يقود إلى بروز نوع آخر من الجهل، ففي الماضي كنا نتحدث عن أمية القراءة، وبعدها عن أمية الكمبيوتر، ثم تلتهما الأمية الرقمية والإلكترونية، أما اليوم فقد أصبحنا نتحدث عن أمية الشهادات، واتكاء أسماء نسبة كبيرة من الأشخاص على حرف “د”، بغض النظر عما إذا كانوا قد حصلوا بالفعل على مؤهلات تخول لهم أن يلقبوا بهذا المسمى.

زر الذهاب إلى الأعلى