لي قصة مع باربي لم أمتلكها يوماً

النشرة الدولية –

المدن – بسمة الخطيب –

قبل أن نعرف مصير عرض فيلم “باربي” في لبنان، وقبل أن تفكّر مارغو روبي في فكرة الفيلم وتقترحها على المخرجة غريتا غرويغ، وربما قبل أن تولد مارغو وغريتا، ابتدأت قصص كثيرات منّا مع الدمية الأشهر والأكثر مبيعاً حول العالم، ولعلّها لن تنتهي قريباً.

وحتى حينما لا تدخل باربي غُرف الفتيات وتغفو قرب أسرّتهنّ، فإنّها تؤثّر في تصوّرهنّ للجمال والكمال الجسديّين، وأسلوب الحياة الورديّ المثاليّ… ثم دخلت في الصراع الطبقي، والتقسيمات الجندرية، وحروب الثقافة الناعمة، وحتى نزاع الهويّات.

على أعتاب ستينيّات القرن الماضي الواعدة، صمّمت أمّ أميركية تُدعى روث هاندلر، دمية على شكل شابّة يافعة، بعدما رأت طفلتها، باربرا، تلهو بدمى من ورق جعلتها على شكل نساء بالغات. السيّدة روث ستُعطي الدمية الجديدة اسم “باربي” (مستلهمة اسم ابنتها)، لكنّها ستصنعها في شركة “ماتل” على شكل أيقونة الجمال الأميركيّ، مارلين مونرو، التي كانت في قمّة مجدها. لم تكتفِ باربي بأن تكون أيقونة جمال، بل تحوّلت إلى أيقونة للحلم الأميركي المنشود في معظم أصقاع العالم، وهذا أثقلها باتهامات وأدوار لم تكن في حسابها، لكنّها لفتت انتباه صنّاع الدمى وبُناة الاستراتيجيات الاستهلاكية ومروّجي الأفكار لاستثمارها. ردّاً على اتّهامها بتعزيز معايير الكمال الواهية وغير الواقعيّة، والقوالب النمطيّة الجندريّة، عززت شركة “ماتل” استقلالية باربي وقوّت شخصيتها ورفعت طموحاتها المهنيّة. لكن الجدل بين المسارين لم ينتهِ إلى اليوم.

دمية بما تيسّر

ليس من المبالغة القول إنّ لغالبيّة البنات حولنا قصصاً مع “باربي”، حتّى مَن لم يمتلكن يوماً واحدة. أنا منهنّ. لم أمتلك يوماً دمية باربي، لكنّ لي قصّتي معها.

 

أوّل دمية عرفتُها هي التي صنعتها لي خالتي من بقايا القماش والصوف. كانت ذات رأس عجيبة، هي عبارة عن زرّ كبير ألصقته الخالة بقلم رصاص ولفّته بقماشة خام بيضاء، وخاطت حوله خيوط الصوف الصفراء لتكون شعراً أشقر، ثمّ رسمت العينين والشفتين والأنف بأقلام التلوين. كان اسمها “العروس”، ودورها أن تجهّزنا للدور الوحيد المنوط بنا، وهو أن نصير عرائس حقيقيات وننجب، حتى أنّ الدمى التي على شكل أطفال رضّع كانت اللعبة المثلى التي تُعطى للبنات، وعبرها يتمرّنّ على الأمومة والعناية بصغارهن القادمين لا محالة.

ضمن أنشطة التسالي والتثقيف، كان مقرّراً علينا، نحن البنات الصغيرات، أن نتعلّم صُنع دميتنا بأنفسنا، لتوفير ثمن واحدة من السوق من جهة، ولإتقان مهارة يدويّة من جهة ثانية. وقد انتهى الأمر إلى نتائج مضحكة غالباً، وكارثيّة أحياناً، تحديداً حين يقع الزرّ فتبدو الدمية وقد دقّ عنقها، أو يتبلّل وجهها بالخطأ فتسيل عيناها وشفتاها. عن نفسي، تميّزت في الاختبار القديم ذاك، إذ تفنّنت في صناعة فساتين لعروستي، واستعنت أحياناً بزهور الحقول وحبّات الأرُز والعدس.

كبنات الكثير من الأسر اللبنانيّة المتوسّطة، في الربع الأخير من القرن الماضي، تعذّر أن تقتني أسرتي ذات الستّة أبناء، دمية باربي، والسبب بديهيّ.

راحت الطبقة المتوسّطة تجاهد لتنجو تحت وابل الاستحقاقات الخطيرة التي هدّدت وجودها، وكي تفعل توجّب عليها، كأضعف الإيمان، أن تلجم أحلام صغارها ومتطلّباتهم، تحديداً تلك الخطيرة، التي قد توجّه إبرة بوصلتهم غرباً، ليس بسبب اختلاف القيم وصراعها، بل قبل ذلك خوفاً من مارد الاستهلاك العالميّ الشرِه وعديم الرحمة. فالأمر لا يتعلّق بشراء دمية فقط، الصفقة لا تنتهي هنا. فشراء باربي يجرّ قدم الأسرة، وجيوبها الضامرة، لشراء فساتينها وإكسسواراتها وبيتها وسيّارتها، وقبل وصول دور صديقها (له حساباته الأخلاقية الخاصّة) يظهر الحسم كأحد أعمدة الاقتصاد الأسريّ: “لن نشتري لكنّ باربي. وكفى”.

أمّ الطفلة التي تملك باربي

لم أمتلك باربي، حتى حين صار بإمكاني ذلك. ورغم أني اشتريت لابنتي الكثير من “الباربيات”، أتعجّب الآن كيف لم أبتع لنفسي واحدة وأحقّق أحد أحلام طفولتي، كما فعلتُ حين ابتعتُ “دمى مزرعة الحيوانات”، التي كانت أقصى ما يمكن لأمّي أن تشتريه لنا أنا وأخوتي، نتقاسم اللعب بها، ونتنازعها للاستمتاع بدور وحيد هو المزارع المجتهد. كما اشتريت البنانير (الكلل) التي منعني صبيان العائلة ورجالها من اللعب بها، لأنّها لهم حصراً، ولأنّها للعب في الأزقة وعلى الأرصفة، حيث لا يجوز أن أكون. ولأننا نحن البنات -وهذا أكثر ما أثّر فيّ-  “غير ماهرات في التصويب”! المرعب أنّي صدّقت الأمر، وكبرت لأصير امرأة لا تجيد التصويب بالفعل، ويفتقد دماغها برج تقييم المسافات، وبرج رصد الاتجاهات، وغالباً ما أضيع في أيّ مشوار أقوم به، ويعجز الجي بي أس الآليّ عن التواصل معي حتى في أكثر حالاته دقّة! ورغم أنّه استعصى عليّ علاج تلك المشكلة، إلّا أنّني ابتعت لنفسي كيس الكرات الزجاجيّة، ورحت أُشبِع نظري بألوانها الجميلة السابحة في البلّور اللامع.

بالعودة إلى باربي، ربّما حقّق امتلاك ابنتي للدمية الأميركيّة حلمي الذي خبا مع الزمن، فاكتفيت بدور “أمّ الطفلة صاحبة باربي”، حتى ملّت ابنتي من دُماها الورديّة تلك، وصارت تعتبر نفسها أكبر من اللعب بالعرائس، كما أخبرتني أنّها لا ترى نفسها عروساً بالضرورة، فهي قد لا تتزوّج. أمّا ابنتي الأخرى، فلم تحبّ باربي “الساذجة” كما وصفتها باكراً، وامتلكت موقفاً عدوانيّاً من اللون الورديّ، حتّى أنّها لم تلبس إلى اليوم أيّ شيء ورديّ. “ما به الأزرق؟ ممّ يشكو الأخضر؟” نموذجان من أسئلةٍ لا تنتظر إجابتي، لذا لم أكن أجيب.

قد تُعيد أفكاري التحليليّة المبالِغة سببَ عدم امتلاكي للدمية إلى إقحامها في معترك صراعات كثيرة، واتّهامها بعولمة الدمى والقضاء على الدمى المحلّية الخصوصيّة وحتى التجاريّة قليلة الحظّ، وقولبة عقول الفتيات، وتركيز المنتجات الأميركيّة على التسليع والتسطيح… لكن، بعد تقليب هذه الأفكار في رأسي، ركنت ببساطة إلى أنّ أحلامنا تصغر كلّما كبرنا، وكأنّنا نبتعد عنها حتّى لا نعود نراها. لذا صرت أشعر (من دون أدلّة علميّة) بأنّه لم يكن عليّ أن أحلم أحلاماً بعيدة، لأنّي حين أصل سأكون قد أنهكت نفسي وحتّى ذاكرتي، ولن أذكر لماذا تماماً أردت هذا الحلم بقوّة وعناد، ولماذا تخلّيت عن غيره؟ ماذا سقط منّي في الطريق نحو الغد؟ وكيف التقطت سواه من الطريق نفسها؟

باربي ساكند هاند
الباربي الوحيدة التي لمستُها في طفولتي هي تلك التي جلبَتها جدّتي ذات مساء، بعدما أنهت دوامها المضني وانتظرت في البرد والظلام سيّارة تقلّها عند حدود قريتين عاشتا آخر أيّام هدنتهما الطائفية الموقوتة.

عملت جدّتي الأرملة في الخدمة المنزليّة، وكانت السيّدات في البلدة المجاورة يطلبنها باليوم والساعة، وبينهنّ تلك المرأة التي ملّت ابنتها من دمية باربي وبعض ملابسها، فأعطتها لجدّتي علّ حفيداتها يستفدن منها وهي بعدُ في حالة مقبولة. وهي بالفعل كذلك، لكنّ حالة الحفيدات كانت أفضل بكثير.

وصول باربي ذات الشعر الذهبي والجسد النحيل المتناسق والأحذية الأنيقة والصدر الناهد، إلى بيت جدّتي القديم، كان من أسعد الأمور التي تحصلت لنا، أنا وأخواتي وبنات خالتي. ها قد تحلّقنا حولها بعيون شرهة دامعة فرحاً، وذاهلة، فما العمل الآن؟ هل يمكن لدزّينة من الأيدي أن تلهو بباربي المسكينة التي سبق أن أنهكتها يدا صاحبتها الأولى؟ وبعد شجار، توصّلنا إلى حلّ اشتراكي-تشاركي مُقنِع، أو بالأحرى قسريّ: المداورة.

لا أذكر مِن تلك الباربي شيئاً، أكثر من دهشتي أمام ثنايا ركبتيها وكوعيها، وتلك المادة المطاطية التي راحت تتحرك بطواعية! كانت لها رائحة لا تُنسى، وأيضاً لا تُوصف، لأنّ حواسنا لم ترصدها سابقاً. تلك المادة البديعة، والتي سأعرف بعد سنوات خلال عملي في الصحافة، أنها السيليكون، استخدمتها صانعة باربي نفسها بعد إصابتها بسرطان الثدي واستئصال ثدييها، فصنعت منها صدراً اصطناعياً في تجربة شخصية ناجحة، سرعان ما تمّ تعميمها وتسويقها. كما ستُصنع منها الدمى الجنسية وغيرها، في أسواق أخرى، لكنّ هذا ليس شأن الفتيات الصغيرات. ما يعنيهنّ أنّ السيليكون والمفاصل تلك، جعلت باربي مميزة جداً، فبقية الدمى لا تطوي ركبها وأكواعها ومعاصم أيديها. اقتراب باربي من بعض صفات البشر، من سندريلا، من العروس في ليلة زفاف أبدية، ومن نجمات السينما وعارضات الأزياء الجميلات، ومن الصورة التي نتمناها لأنفسنا في المستقبل، كان جوهر حبّنا لباربي.

نهود السيليكون
نجحت السيّدة روث مجدّداً. فكما أسعدَت دميتُها الفتياتِ حول العالم، خفّفت نهودها السيليكونية من فظاعة استئصال النهود الآدمية المسرطَنة. لعلّ من ارتدين تلك النهود، واسَين أنفسهنّ بكونهنّ الآن يضعن ما تضعه باربي نفسها! لهذه النهود الاصطناعية رائحة جِلد باربي نفسه الذي يصعب على فتاة تنشّقته أن تنساه.

بعد الاستخدامات الطبّيّة، استُخدِم السيليكون بقوّة في الجراحات التجميليّة، التي تخطّت باربي، لكنّها مرّت بها بالضرورة. فقد حقنت نساء كثيرات نهودهنّ بالسيليكون لضمان الحصول على شكل نهدَي باربي، وربّما خدّيها وشفتيها، حتّى اجتاحت العالم موجة قُبلة مارلين مونرو، والتي يسمّيها الساخرون “منقار البطّة”. للأسف، التجارب المتلاحقة لم تُقنع المستهلكات بأنّ الحصول على منقار البطّة لن يجعلهن مارلين مونرو، ورفع الصدر الناهد ونحت الخصر النحيل لن يجعلهنّ باربي أو أيّ عارضة أزياء على شفا الأنوركسيا. بل إنّ تلك الأوهام صمدت بعدما عثرت لنفسها على سياسة واقتصاد وفلسفة. وبهذا المقتضى باتت “الأوهام عن الشكل والجسد” من أكثر السلع رواجاً ومرونة، ستحقّقان لها الصمود طويلاً، بل والازدهار.

الماتريوشكا العجيبة
التخلّي عن حلم اقتناء باربي يدفعني إلى البوح بسرّي الصغير، وهو أني قرّرت منذ بدأت أسافر، أن أعود بتذكار مميّز من البلاد التي أزورها، وهو الدمية الشعبيّة لذاك البلد. البعض يعود بحصى أو صدَف، حقائب أو أحذية، أمّا أنا فقد عدتُ بالدمى. في صندوق مقتنياتي العزيزة، أودعت دمى من إيطاليا والكويت وقطر وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا ومصر وتركيا… أمّا من براغ، فقد عدت بدمى الماتريوشكا العجيبة التي فضّلتها على دمى تشيكية أخرى لما تحمله من رمز أموميّ واحتضانيّ ورحميّ، يتّصل بمقاربتي لمسألة الدجاجة والبيضة، وهو أنّ هذا السؤال ليس ما يهمّني الإجابة عنه، سواء كانت الدجاجة تسبق البيضة أو العكس. ما يحدث كلّ يوم وساعة هو أنّ الدجاجة تضع بيضة، والبيضة تصير دجاجة تشبه الدجاجة الأولى، البيضة نسخة صغيرة وأتوميّة عن الدجاجة وهي طريقتها لتجد الخلود المنشود، وتلك الدمى المتشابهة التي تدخل واحدتها في الأخرى وتتشابه نقوشاً وألواناً هي مفتاح الإجابة المريحة التي وصلتُ إليها: الأمومة هي سبيلي إلى سكينة الخلود. وهو أمر لا يشغل باربي، لأنّها مصنوعة من بلاستيك وسيليكون وتحتفظ بنضارتها وحتى ماكياجها ضدّ الماء وضدّ الزمن. واحزروا ماذا؟ باربي لا تريد أن تنجب! بعد ثلاثة أرباع القرن تستمرّ باربي في رفض الزواج والإنجاب. يبقى “كين” صديقها، وتبقى هي من دون أطفال، وحياتها ورديّة. اختارت باربي أن تكون نقيض الماترويشكا والعروس الشعبية العربية، وغالبيّة دمى العالم.

حروب ناعمة
سطعت الحدود باكراً. للبنات العرائس، للصبيان تقريباً كلّ لعبة أخرى.
لباربي دور بارز في التقسيمات الجندرية الحادّة. لقد صُنعت للبنات، ثم ألحِق بها صديقها. ورغم أنّ باربي ظهرت بدايةً بملابس البحر السوداء والبيضاء، إلّا أنّ التجاوب الكبير للفتيات الحالمات بدخول مرحلة البلوغ معها، وجّه صنّاعها إلى التركيز على اللون الورديّ، الذي يُعتبر منذ منتصف القرن العشرين اللون المفضّل للبنات، تحديداً حديثات البلوغ منهنّ.

للون الورديّ دلالات عديدة، فهو رمز الورد الجوريّ الفوّاح ومشاعر الحبّ والرومانسيّة والرقّة وصحّة الخدود ويفاعتها… وليست مصادفة أنّ هذه الرموز تتجسّد في باربي. وقد ترسّخت علاقة الورديّ بالإناث مع انتشار باربي، وتعولمت.

كما شهدتُ دور باربي الجندريّ، شهدت دورها في صراع الطبقات الاجتماعيّة. فقد حسدتُ مالكة باربي الأصليّة، التي حصلتْ عليها جديدة غير مستعملة، واستمتعتْ بها حتى ملّت. لهذا ربّما مزّقت لاحقاً جلدها عن عظمها غير آسفة!

حين ادّخرتُ بعض العيديّة والمصروف اليوميّ، وحاولتُ أن اشتري دمية، لم تتوافر لي سوى دُمى من بلاستيك رقيق وشعر من النايلون الخشن ومفاصل لا تُطوى. لم يكن ممكناً أن نصدّق كذبة الكبار بأنّ هذه الدمية الرخيصة هي باربي، لذا لم يتكبّدوا عناء الكذب. أمّا باربي المستعملة، فقد تحوّلت لاحقاً إلى حقل استكشاف لطريقة عمل مفاصلها، إذ نزعنا سيليكونها وفككنا ركبتيها وكوعيها… كما تفرّقت جدّتي عن ربّات عملها اللواتي هُجّرن داخل البلاد ثمّ خارجها، وانتهى الأمر بغالبيتهنّ في أستراليا.

أمّا نحن، من بقينا في أتون الحرب، فقد صمدنا بشقّ الأنفس حتّى حلّت الهدنة الطويلة بعد اتفاق الطائف. نجونا بجلودنا وتشوّهاتها وندوبها، وحافظنا بعناد على تصوّراتنا الطفوليّة عن الجمال العالميّ الذي ينطلق من مارلين مونرو لينعكس في باربي ويصبّ في هند رستم ونجلاء فتحي ثمّ دينا عازار وكلّ نجمات الترفيه الشقراوات.

صار من الصعب إقناع أجيال أتت بعدنا بدمى القماش التي تخيطها نساء الأسرة، أو دمى البلاستيك الرقيق التي تبتاعها الأمّهات من الأسواق الشعبيّة وفي الأعياد. هنا اكتشفنا متأخّرات، أنّ تنفيرنا من باربي، الرمز الورديّ الرقيق “للإمبرياليّة الأميركيّة”، يتعلّق اوّلاً باستراتيجيّة الطبقة المتوسّطة قليلة الحيلة، ثمّ يليه تحريم المتزمّتين لباربي “الخليعة السافرة”، الذي استغلّته فئة متربّحة وصنّعت شبيهة للدمية، لكن بالحجاب ومع ثوب الصلاة ودفتر الأذكار والسبحات وغيرها.

أمّا من يخشى على الهويّة العربيّة من التغريب، فقد كانت له كلمته أيضاً، والتي تاهت وسط ضجيج تصدّع أيديولوجيّات بحالها، وتكسّر نصال هويّات على نصال هويّات أخرى… بينما تابعت باربي القفز من عثرات تسويقيّة إلى نجاحات، ودخلت عالم الكرتون والأفلام والكوميكس ووسائل التواصل الاجتماعيّ. كما تابعت إلهامَ الكثير من أجيال الإناث وهي تبرز في زيّ الطبيبة ورائدة الفضاء والمتزلّجة على الجليد ولاعبة كرة السلّة… لكن، لا بدّ من الاعتراف، بأنّ صورة الأميرة وعارضة الأزياء والعروس بقيت الأقوى.

رغم كلّ شيء وتتابع جولات الصراع، افترستنا أنياب الأيقونات الأميركية وأظافر الثقافة الناعمة المطليّة بالألوان الزاهية. وقعنا في أسر وهم الكمال، الشغف بالنحول والجسد المنحوت بالملليمتر والشباب الدائم والشُقرة والجلد المشدود، التوق إلى ارتياد الفضاء وهندسة الصروح العالمية والتصويب الدقيق نحو السلّة العالية!

ما بقي من باربي بعد كلّ شيء ليس وهم الكمال فقط، بل وهم الشباب الخالد. إنّ باربي، مهما كبرنا ستبقى شابّة إلى زمن لا ندركه ولا نريد أن نفعل.

زر الذهاب إلى الأعلى