الدولار الأميركي يواجه تهديدًا غير مسبوق… “بريكس” تتوسّع وعينها على عملة موحّدة

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

تنفرد الولايات المتحدة الأميركية بامتلاك أقوى سلاح على الإطلاق على مساحة الكرة الأرضية، إلّا وهو الدولار. من خلاله تهيمن على التجارة العالميّة، وتعاقب من يتجرّأ من دول العالم على تجاوزها. لم تستطع أيّ قوّة اقتصادية دوليّة أحادية أو مشتركة أن تُنزل الدولار عن عرشه العالمي، فهو عملة الصرف والإحتياط الرئيسية في العالم، والعملة المعتمدة في التبادل التجاري بين الدول، وفي تسعير النفط. عام 1999 تمّ إنشاء اليورو، كعملة موحدّة للدول الأوروبية، لكنه لم يستطع منافسة الدولار، الذي لا يزال يمثل 59% من احتياطيات النقد الأجنبي العالميّة، مقارنة بـ 72% عام 1999.

تجاوز الدولار قوّته الإقتصادية ليهيمن على المسرح السياسي العالمي، بعد أنّ حوّلته الولايات المتحدة إلى أداة ضغط سياسي، وفرضت من خلاله قوانينها على الدول. يكفي أن تصدر الإدارة الأميركية قانونًا تعاقب بموجبه دولة ما، مهما عظم شأنها، حتى تردع باقي الدول عن التعامل معها تجاريًّا وماليًّا، والأمثلة كثيرة، ففي عام 2014، دفع بنك باريبا (BNP) غرامة قدرها 9 مليارات دولار إلى الولايات المتحدة بسبب تمويله بالدولار صادرات من دول كوبا والسودان وإيران، حيث كانت الدول الثلاث تحت الحظر الأميركي، والتمويل مر ّعبر حساب مصرف باربيا في نيويورك لجزء من الثانية.

سببٌ كاف لجعل الصين وروسيا ودول أخرى تسعى لتقليل هيمنة الدولار، والدفع من خلال مجموعة “بريكس” لإطلاق عملة موحدّة. هل ينجح تكتل “بريكس” بإنشاء نظام مالي بوجه الولايات المتحدة الأميركية والغرب؟ وهل يستطيع إيجاد عملة موحّدة بديلة للدولار بظل التياين الكبير في اقتصاديات الدول الأعضاء وأهداف كلّ منها؟

قادة دول مجموعة “بريكس” ، خلال كلماتهم الافتتاحية في منتدى أعمال “بريكس” الذي عقد في جوهانسبرغ جنوب افريقيا، تحدّثوا عن وجوب استخدام عملاتهم الوطنيّة بشكل أكبر بدلا من الدولار. وبدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي حضر القمة افتراضيًّا، الأكثر حماسة لإنشاء عملة موحّدة تستخدم في التبادلات التجارية بين دول المجموعة قائلًا “التخلي عن الدولار كعملة عالمية عمليّة لا رجعة فيها”.

الخبير في الإقتصاد السياسي، أستاذ الماجستير في مقررات الإقتصاد والتمويل في جامعة بيروت العربية البروفسور بيار الخوري يرى أنّ مجموعة “بريكس” لديها القدرة على أن تصبح قوّة اقتصاديّة وماليّة عالميّة مهمّة، ولكن هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها أولاً. وفي حديث لـ “لبنان 24” يشير الخوري إلى مؤشرات إيجابية على أنّ “بريكس” قد ينجح في إنشاء نظام مالي بوجه الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وذلك لعدّة أسباب:

– أولاً، تمتلك “بريكس” اقتصادات كبيرة ومتنوّعة، حيث يمثّل ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعة حوالي 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و30% عند إضافة الدول الست إلى التكتل.

– ثانياً، تتمتع “بريكس” بنمو اقتصادي مرتفع، حيث توقّع صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصادها بنسبة 4.4% في عام 2023. ومن المتوقع أن دخول كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة إضافة إلى نسب النمو، قد يعوّض ضعف النمو لدى القادمين الجدد الآخرين.

– ثالثاً، تسعى “بريكس” إلى تعزيز التعاون الإقتصادي والتجاري في ما بينها، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات التجارة الحرة وإنشاء صندوق “بريكس” للتنمية.

نقاط القوة التي تمتلكها المجموعة، لا تلغي وجود بعض التحديات أمام “بريكس” في سعيها لإنشاء نظام مالي مستقل، أبرزها وفق مقاربة الخوري، الاختلافات الكبيرة في الأهداف السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء في “بريكس” ، واعتمادها بشكل كبير على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية والاستثمارات. فضلًا عن معارضة الولايات المتحدة الأميركية والغرب للتكتل، ما قد يشكّل تهديدًا لبعض الدول الضعيفة اقتصاديًا من الاعضاء الجدد.

إنهاء هيمنة الدولار ليس سهلًا

أمّا بالنسبة لإمكانيّة إيجاد عملة موحدة بديلة للدولار، فإن ذلك يعتمد على مدى نجاح “بريكس” في إنشاء نظام مالي مستقل، يقول الخوري “إذا نجحت “بريكس” في ذلك، فمن المحتمل أن تسعى إلى إنشاء عملة موحدّة. دعينا نعترف أنّ قوة الدولار الأميركي، ودرجة اندماجه بكافة أوجه التجارة والتبادل، واختزان الثروة، يجعل من تقليص إنهاء هيمنته عمليّة معقّدة وطويلة الأجل. بالتالي يغدو الهدف الفعلي للمجموعة هو تخفيف الاستناد الى تبادلات الدولار، وتعزيز المدفوعات ومقاصة التجارة البينية بقدر الممكن، وبعملية بطيئة وطويلة الأجل، وليس الانقلاب القسري على نظام الدولار”.

“بريكس” تكبر

أعلنت مجموعة “بريكس” عن التوسع في عضوية المجموعة، بعد موافقتها على ضمّ ست دول جديدة من ثلاث قارات، هي السعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين ومصر. ويفترض أن تلتحق هذه الدول بالمجموعة الناشئة اعتبارًا من الأول من كانون الثاني المقبل.علمًا أنّ ما يزيد عن أربعين دولة ترغب بالإنضمام إلى المجموعة، من بينها إندونيسيا وبوليفيا والأرجنتين وتركيا والبحرين والجزائر. لا شكّ أن توسّع نطاق المجموعة الإقتصادية سينتج عنه مفاعيل اقتصادية وسياسية، تتوزع بين آثار إيجابية وسلبية. من الآثار الإيجابية، وفق الخوري “أنّ التوسع في عضوية المجموعة قد يعزّز التعاون الاقتصادي والتجاري في ما بينها. ومن الآثار السلبية، زيادة التوترات السياسية بين “بريكس” والولايات المتحدة الأميركية والغرب. بأي حال يتجه العالم لتنويع وسائل الدفع، من العملات المشفّرة إلى مقاصات التجارة الدولية المتعددة الأطراف، إلى الحضور المستجد والواعد للرينمنبي الصيني. و”بريكس” هي إطار واعد لتأطير وسائل الدفع الجديدة، إضافة إلى أبعادها التنمويّة الواضحة. كما نلاحظ أنّ كلمة الزعيم الصيني شي جنبينغ قد ركزت على العملية التنموية بالتحديد، وهذا يؤشر إلى طبيعة الاستراتيجية المرحلية للمجموعة أكثر من السعي لاستبدال الدولار بعملة جديدة في الوقت الراهن”.

خريطة “بريكس” الجديدة: ثقل نفطي

بعد انضمام قائمة الدول الجديدة، تستحوذ المجموعة على 29% من حجم الإقتصاد العالمي،  و 43% من إنتاج النفط، بحيث أنّ انضمام كلّ من السعودية والإمارات وإيران من شأنه زيادة حصة “بريكس” من إنتاج النفط العالمي بأكثر من الضعف، فضلًا عن 38% من إنتاج الغاز، و67% من إنتاج الفحم في السوق العالمية. كما أنّ إضافة دول ذات نمو سكاني مرتفع كاثيوبيا، يجعل التكتل يمثل 46% من سكان العالم، أي حوالي نصف سكان العالم.

أرقام خريطة “بريكس” بعد توسّع عضوية المجموعة يجعل منها قوّة لا يستهان بمفاعيلها. كما أنّ انضمام دول عربية إلى المجموعة، يمثّل محطّة مهمة في تحوّل موازين القوى الإقتصاديّة العالميّة.

Back to top button