أخطار خيار سائد: التحكم لا الحكم
بقلم: رفيق خوري
اللعبة في لبنان معقدة بصرف النظر عما يريده اللاعبون
النشرة الدولية –
مشروع “حزب الله” ليس محلياً فقط، والمقاومة الإسلامية ليست مقاومة لإسرائيل فقط، فالحزب نفسه جزء من مشروع بقيادة الولي الفقيه في طهران، مشروع إقليمي في انتظار مجيئ المهدي المنتظر و”حكم العالم”، بحسب المعتقد.
لبنان المأزوم والمسروق والمفلس يراد له أن يكون الجبهة الأمامية في “محور المقاومة ووحدة الساحات، مع تحميله أثقال الصراعات الإقليمية والدولية لا فقط الصراع مع إسرائيل.
السلاح الذي ترى أكثرية في لبنان أنه “غير شرعي” يرى صاحبه أن الوضع اللبناني كله “غير شرعي”، وتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي بقوة المقاومة لم يكن بداية الانتقال من تحرير الأرض إلى التحرر الاجتماعي والسياسي، من التحجر والمافيا المتسلطة، ولا شيء بالمجان أو بالصدقة.
ذلك أن اللعبة في لبنان معقدة بصرف النظر عما يريده اللاعبون، كما عن التصور الذي عاكسته الصورة بأن الخوف من اكتمال الانهيار في لبنان قد يدفع التركيبة المتسلطة إلى التفاهم على حل يوقف الانهيار ويبدأ مسار الخروج من المأزق، وليس قليلاً عدد الذين اعتقدوا أن الساعة دقت أمام “حزب الله” للرهان على نظرية الانهيار الكامل لإقامه نظام آخر.
لكن الواقع أن عنوان المرحلة الحالية هو ترتيب إدارة الأزمة لا العمل على حلها، وصاحب فائض القوة محكوم بالحفاظ على “ستاتيكو” الأزمة وإن كان يصعب استمراره، والمخرج بات واضحاً في عمل “الثنائي الشيعي” الممسك ببقايا السلطة في لبنان إلى جانب السلطة الكاملة للمقاومة الإسلامية: استراتيجية التحكم لا الحكم.
التحكم بالوضع من دون مسؤوليات مباشرة، ولا فرق سواء استمر الشغور الرئاسي أو لا، فالشغور فرصة أوسع للتحكم بحكومة تصريف الأعمال والبرلمان وبقية مراكز السلطة إضافة إلى كل مفاصلها، والرئيس الذي يصر “الثنائي الشيعي” عليه هو الرجل الذي يساعده في إكمال الهيمنة على البلاد، فلا إصلاحات ولا بناء دولة ولا معركة مع الفساد ولا مراقبة ومحاسبة ولا مساعدات واستثمارات.
لكن سياسة الترقيع المتبعة باتت عاجزة حتى عن ضمان الحد الأدنى من الحاجات الضرورية، بحيث ينطبق عليها قول الشاعر العربي القديم: “اتسع الخرق على الراقع”، والصراخ من الوضع المعيشي الصعب وتلبية حاجات الأسر يرتفع في كل البيئات، بما فيها بيئة ما يسمى “شعب المقاومة”، فما العمل بعد أن صار التحكم يرتب مسؤوليات مثل الحكم؟ وإلى أين الهرب إلى الأمام عبر مزيد من التصلب في المواقف بدل المرونة، بعد مضاعفات حوادث عدة بينها حادثة الكحالة؟
الإمساك رسمياً بالبلد وحكمه مغامرة أخطر من التحكم به، ولا سيما في توقيت غير مناسب لتوقيت المشروع الإقليمي الذي يمر حالياً في مرحلة مراجعة للحسابات، والسيد حسن نصرالله نفسه قال قبل مدة إن “لبنان لا يتحمل طائفة قائدة مهما يكن لديها من فائض القوة، و’حزب الله‘ ليس قادراً وحده على بناء دولة عادلة وقادرة”.
من الوهم الرهان على تجربة مختلفة لهيمنة الشيعية السياسية عن تجارب الهيمنة السابقة للمارونية السياسية والسنيّة السياسية، ويقول بنديكت أندرسون في “مجتمعات متخيلة” إن “كل أمة تصنع أسطورة تاريخية تعزز اعتقاد مواطنيها بأنهم موحدون ومنتصرون”، ونحن في حاجة إلى هذه الأسطورة لا إلى أسطورة تزيد الانقسام.