السعودية.. «الجائزة الكبرى»!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

إذا تخيلنا رحلة داخل عقل الرئيس الأميركي جو بايدن سنجد أن هناك ثلاثة عناوين كبرى تشغل عقله او عقل ادارته وتحظى باهتمام بالغ، والعناوين الثلاثة وبحسب درجة اهميتها تاتي على النحو التالي:

 

اولا: محاصرة الصين وبناء تحالف دولي ذو طبيعة اقتصادية – عسكرية، يطوق بكين داخل بحر الصين يعتمد على اليابان وكوريا الجنوبية بصورة اساسية وقد وضعت اسس هذا التحالف في قمة كامب ديفيد قبل شهر.

 

ثانيا: العمل على استنزاف روسيا من خلال اطالة امد الحرب في اوكرانيا، فهي حرب بالوكالة وهو التكنيك الجديد الذي اصبح معتمدا لدى الادارات الديمقراطية في اميركا.

 

ثالثا: ترتيب الشرق الاوسط الذي بات اقرب ما يكون خارج السيطرة الاميركية الكاملة على عكس ما كان عليه خلال العقدين الماضيين، وهذا العنوان الكبير يحمل أيضاً ثلاثة عناوين مترابطة بصورة أو باخرى، وهذه العناوين هي «إسرائيل» وانقاذها من » جنون اليمين الديني الصهيوني، والسعودية والعمل على ابعادها عن الصين اقتصاديا وعسكريا وعن تحالف «بريكس»، وإيران وإعادة احتوائها ومنعها من امتلاك السلاح النووي.

 

في موضوع الشرق الأوسط بات واضحاً أن واشنطن تربط ارتباطا عضويا بين العناوين الفرعية الثلاثة، فهي تربطها بخارطة تتحرك بصورة دائرية محورها وأساسها السعودية والتي ترى فيها واشنطن المفتاح الذي تستطيع من خلاله اعادة ترتيب النظام الاقليمي الشرق اوسطي وتحقيق التوازن فيه.

 

والسؤال الذي يطرح هنا.. كيف سيتم ذلك؟

 

ترى إدارة بايدن أن تطبيع العلاقات السعودية – الاسرائيلية هو حجر الاساس في ترتيب الشرق الاوسط، فالثقل الديني والاقتصادي والسياسي للسعودية سينهي عمليا كافة اشكال النزاع بالمنطقة، وسيعمل هذا التطبيع بصورة معقولة نسبيا على احتواء ايران التى باتت تتلمس وبعد تطبيع علاقتها مع الرياض ان هذه العلاقة تخدم مصالحها لانها سهلت وتسهل تقبلها في الخليج والعالم العربي وتخفف الضغط الدولى الواقع عليها..

 

بهذه الصورة الزاهية والوردية تنظر ادارة بايدن الى المشهد الشرق اوسطي وتغفل في ذات الوقت عن عدد من المعيقات التى قد تعرقل هذه الصفقة الكبرى، واذا اردنا ان نحلل عناصر التعطيل المحتملة عند كل طرف سنجد مايلي:

 

اولا: السعودية وكما سبق ان اشرت في مقال لي هنا في هذه الزاوية ان الرياض ليست في عجلة من امرها بخصوص ارضاء الادارة الاميركية الحالية التي ما زالت رواسب الخلافات معها تطفو على السطح وتؤثر على منسوب الثقة معها، وتدرك الرياض ان نجاح ادارة بايدن في تطبيع العلاقة بينها وبين «اسرائيل» سيكون بمثابة رصيد ثمين لها خلال الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2024، وهي اي الرياض التى ارتبطت بعلاقات وثيقة مع الجمهوريين على مدى عهود الادارات الاميركية منذ منتصف القرن الماضي وخاصة ادارة دونالد ترامب لا تريد اعطاء ادارة با?دن اى نوع من عناصر القوة.

 

ثانيا: اما ادارة بايدن فينطبق عليها المثل القائل مثل (بالع الموس) وتحديدا في العلاقة مع دولة الاحتلال، فهى من جهة تريد احداث الاختراق في مسالة التطبيع بين الرياض والاحتلال لتعزيز قيمتها لدى المنظمات الصهيونية في اميركا واوروبا لدعم حظوظها في الانتخابات الاميركية القادمة، ومن جهة ثانية تشكل عناصر التناقض بينها وبين حكومة نتنياهو اليمينية التى يمقتها بايدن شخصيا كوابح سيكولوجية امام رغبته في استخدام فائض القوة الاميركية للضغط على الحليف السعودي من اجل التطبيع الذي سيخدم بالضرورة حكومة نتنياهو وائتلافه اليمين?.

 

ثالثا: ان الاحتلال بزعامة اليمين المتطرف يعتقد ان اي تطبيع يفرض عليه تنازلات وتحديدا في موضوع الامن بابعاده الثلاثة (الارض والسلاح ومفهوم السلام) هو تطبيع «مسموم» ولا يشكل انتصارا بل انتكاسة وتحديدا تلك الاشتراطات السعودية المتعلقة بامتلاك التكنولوجيا النووية والاسلحة الاستراتيجية وموضوع السلام الكامل وفق مبادرة السلام العربية التى اطلقها المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال قمة بيروت العربية عام 2002.

 

بتلك القراءة التى تشكل تقديرا نسبيا للموقف والمشهد الشرق اوسطي، فان فرص ادارة بايدن باعادة ترتيب الوضع في المنطقة سيكون صعبا وقد لا يسعفها العامل الزمني لانجاز مهمتها التاريخية المفترضة والمتمثلة بخلق السلام بين «اسرائيل» والسعودية.

 

هذا التقدير ياتي على ارضية بقاء كافة العوامل السابقة بدون تغييرات دراماتيكية، وفى حال تغير اي منها قد تاتي نتائج غير متوقعة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى