كارثة أخلاقية ومصيبة إدارية
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
كشفت مؤسسة التأمينات أن 36 نائباً و9 وزراء حاليين يتمتعون بالمعاش الاستثنائي. وان هناك 301 وزير ونائب «سابقين»، و45 عضو مجلس بلدي، بينهم «سابقون»، إضافة إلى 78 من قياديي مؤسسة البترول و73 مختاراً و225 من أصحاب الخبرات (!)، و93 حالة فردية (!!!)، و605 من موظفي الدواوين الثلاثة الرسمية، يتمتعون بهذه الامتيازات الاستثنائية، وبالتالي يبلغ إجمالي هؤلاء 1825 شخصاً، يكلفون الموازنة العامة، كما جاء على لسان النائب الساير، ما يقارب الملياري دينار، هذا بخلاف ما يدفع من مبالغ إضافية لعشرات آلاف العسكريين والمعاقين، وبالتالي «الشق كبير»!
يعود سبب كل ذلك إلى المادة 80 من قانون التأمينات، التي تعطي الحكومة حق منح راتب استثنائي «مجز»، يفوق بكثير راتب الموظف، عند تقاعده، لضمان تمتعه بالرفاهية، ومع الأسف تم التوسّع كثيراً في استخدام هذا الحق، بحيث وصلت أعداد المتمتعين إلى أرقام كبيرة، وتكلفة باهظة، ولم يرفع أي نائب صوته، طوال عقود على عدم منطقية ولا عدالة هذا الإجراء، ففي الدواوين الرسمية الثلاثة، بلغ عدد المستفيدين 605 موظفين، وربما تكون النائبة جنان بوشهري أول من دق جرس الإنذار، ليأتي بعدها النائب مهند الساير و«يكمل المشوار»، ويدفع التأمينات إلى أن تكشف حجم الكارثة!
***
الوضع غير أخلاقي وليس عادلاً من جميع الجهات، وحل الوضع ليس سهلاً أبداً، وربما تكمن الخطوة الأولى في تقييد، وليس إلغاء المادة 80 من قانون التأمينات، لما تشكله من استمرار هدر لأموال الدولة، من دون مراعاة لقواعد العدالة، وحصر المنح مستقبلاً في عدد محدد سنوياً، وضمن شروط عادلة. فقد تبين من إجابة التأمينات عن سؤال الساير أن إجمالي قيمة المعاشات القانونية يبلغ ملياراً و867 مليون دينار، ويبلغ إجمالي قيمة المعاشات التقاعدية، بعد الاستثناء، أكثر من 3 مليارات دينار!
***
لا أعتقد أن من السهل وقف صرف هذه المعاشات الاستثنائية لأصحابها، بعد أن أصبحت شبه «حقوق مكتسبة»، بعد أن انتظمت معيشة هؤلاء عليها، خاصة أن الذنب ليس ذنبهم في المقام الأول، بل العلة في المادة نفسها، وفي من أوصى بإساءة استغلالها، وغالباً ليستفيد هو منها مستقبلاً، وهذه قصة يطول شرحها.
الجانب الأخلاقي في الموضوع يتعلق بنواب الأمة، فمن غير المعقول سكوتهم لسنوات عن هذا الاستنزاف، وسعيهم، فوق ذلك، للحصول على معاشات استثنائية، وهم أساساً لم يصبحوا نواباً إلا بناء على فرضية أن العمل البرلماني ليس وظيفة، ولا وسيلة تكسب، بل خدمة وطنية، شبه تطوعية، تتضمن غالباً شيئاً من التضحية. فكثير من نواب الزمن الجميل تركوا أعمالهم التجارية ووظائفهم المرموقة ليتفرغوا لمهمة التشريع، وليس للانتفاع من النيابة. فكيف يجوز لمن يفترض أنه ترشح للنيابة ليقوم بالتشريع، والرقابة على أداء الحكومة، أن يتقدم لرئيسها «بالتماس» منحه راتباً استثنائياً؟
يصبح الأمر ملهاة مبكية عندما نعرف أن بين من سبق أن تقدموا بـ«التماساتهم» نواباً طالما «دوشونا» بوطنيتهم وغيرتهم على المال العام، وأسماء هؤلاء معروفة؟.