لبنان دخل النفق المظلم. وهذا ما تنبأ به آلان دونو
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
منذ رحيل حكومة سعد الحريري، طالب عدد من الشخصيات والقوى السياسية، بحكومة مؤلفة من اختصاصيين، واعتبروا أن ذلك هو الحل الوحيد لإنقاذ لبنان.
ذاك الخطاب والترويج الإعلامي لحكومة الاختصاصيين، يشبه إلى حد كبير المطالبة اليوم برئيس حيادي اختصاصي، لا ينتمي إلى أي فريق سياسي، كمخرج وحيد لانقاذ البلد!!!
لكن من غير المعروف من أين سيأتون برئيس لا ينتمي إلى فريق سياسي، ودون رائحة أو لون، وماذا يستطيع أن يُنجز هذا الرئيس؟ وربما المطلوب لدى البعض أن لا يتعاطى الرئيس بالسياسة أيضاً، ويتولون هم عنه هذه المهمة، فيتحول الرئيس إلى مجرد موظف لدى هذا الفريق أو ذاك.
يعلم الجميع أن مشكلة لبنان لا يحلها الرئيس، الذي بات لا يملك سوى القليل من الصلاحيات، وحل أزمة الرئاسة لا يعني حل أزمة لبنان، فخطة الانقاذ هي من مسؤولية الحكومة، التي أناط بها الدستور مهمة وضع السياسة العامة للدولة، وليست من مهمات رئيس الجمهورية.
وهذا يعني باختصار أن الحل هو رهن توافق سياسي عريض ما زال غير متوافر حتى الآن، خاصة أن بعض القوى أقفلت طرق الحوار بالكامل، وباتت تمتهن التعطيل والشعبوية.
وفي ظل التجاذب السياسي وقدرة كل فريق، أو حتى زعيم، ولو منفرداً على تعطيل البلد، فإنه لو انتُخب مثيل لبولس الرسول رئيساً، سيعجز عن إنقاذ لبنان، وحل مشاكله المتعددة.
لقد غادر لودريان لبنان، دون أن يُقدم أي حل، ولم يُفلح بإقناع الأطراف حتى بطاولة حوار، وكل ما صدر من كلام إيجابي عن مبادرته، يبقى من قبيل المجاملات، فلا حزب الله تخلى عن ترشيح فرنجية، ولا المعارضة قبلت بالتسوية.
وبالعودة إلى حكومة جهابذة الاختصاص الحالية، فما أصاب لبنان بهم يشبه مصاب جماعة “لا بدمر عيدنا ولا بالشام الحقنا العيد”.
شكّلت المحاصصة والفساد، أبرز ميزات الحكومات السياسية في لبنان، لكنها ضمت أحيانا بعض الوزراء المخلصين، الذين تركوا بصمة جيدة.
بقيت حكومة الاختصاصيين، على نهج الفساد عينه لسابقاتها، وتطورت الأمور إلى ما يشبه سوق “الأحد” السياسي، فاختلط الحابل بالنابل، وبين عنتريات عكاض و “شخطات” أقلام بالجملة، ضاع البلد، كما في لعبة “غميضة”.
وبات يختفي حاكم للمركزي هنا، وملايين الدولارات هناك، ويُفتح تحقيق هنا ويُغلق آخر هناك، وتدخل مواد مسرطنة عبر الحدود وتُهرب دولارات، ويحط مطلوب دولي هنا، ويغادر موقوف آخر البلد، ويطير في غفلة من حارس العدالة، (مدعي عام التمييز)، قبل أن يُصدر له أمراً بمنع السفر.
مسرحية كوميدية أين من ابطالها الزعيم عادل إمام!!!
توالت النصائح من الوزراء الاختصاصيين إلى اللبنانيين، بدءاً بالعمل خدم في منازل الاغنياء، و”الشغل مش عيب” إلى الاقتداء بالشعب الصيني وغسل “الفوط الصحية” للنساء، إلى التوفير في استهلاك الخبز، وربط باب المعدة، وصولاً إلى حرمة الطيبات، والدعوة إلى التقشف، وربما التصوّف أنفع وأبقى للمؤمنين.
ثم ارتقى مستوى العمل الوزاري لدى البعض، إلى رمي الحجارة لتحرير فلسطين المحتلة، وإعلان خطبة الجهاد، من على مفرق صلاح الدين إلى حطين، بعد أن سبقه زميل آخر بإعلان الحرب من صنعاء على يثرب، وأكمل خَلَفه مواعظ حول فلسفة الحكم وديمقراطية أفلوطين زمانه، في افتعال الأزمات مع الدول الصديقة، موزعاً التهم على القريب والبعيد.
هذا ولم نتحدث عن عبقرية الاختصاصيين الحقيقية بعد!!!
لقد تم رفع تسعيرة الكهرباء لتصبح ٢٧ سنتاً للكيلواط- ساعة، يُحتسب على سعر صيرفة +20% ، أي ليصبح أكثر من 30 سنتاً، وهو أغلى سعر في العالم، مع العلم أن تكلفة انتاج الكيلوات من الألواح الشمسية لا تتجاوز 5 إلى 6 سنت، ومن معامل الغاز تتراوح بين 9 و 12 سنت.
كل هذا ولا كهرباء، مع وزير أولمبياد المسابح والمقاهي و بطل “أطول ضحكة”.
وليس الحال أفضل في الاتصالات، التي تضاعفت فواتيرها أكثر من سبع مرات، والزيادة على الانترنت بدأت في أيلول، ولحقت بزميلتها الكهرباء، ليدخل لبنان كتاب غينتس كأعلى سعر لأسوأ خدمة في العالم.
أما الوزير المعظّم فأتحفنا بعبقريته وهو يقول: “صحيح عبزيد التعرفة سبع مرات، لكن خفضناها، لإنها قبل الأزمة كانت أغلى”.
مدهش معاليك !!!!! لكن يا ليتك تعرف كم كان راتب الموظف، (استاذ المدرسة، والجندي والقاضي وغيرهم)، وكم أصبح اليوم، وتفكر قبل أن تتكلم.
لا شك أن وزراء الاختصاص في لبنان سيدخلون كتاب غنيتس، وهم مُصرّون على ذلك، وإذا لم يتحقق الحلم بكسر الرقم القياسي للإخفاقات، فهم حتما سينظمون أطول حفلة، للشعر والرقص على جثث المواطنين، وحجتهم شعار “ما خصني، ما سمعت ، ما قشعت”
لم تكن تكفنا عبقرية الوزراء الاختصاصيين، حتى تحولت حكومتهم إلى حكومة تصريف أعمال، منذ انتخابات أيار 2022، و “كمل النقل بالزعرور” وتعطل المُعطل، ودخل لبنان نفقاً مظلماً، باستحالة التوافق على انتخاب رئيس، وتعطيل مستمر للدستور والقوانين، وتوقف عمل الدوائر العقارية والنافعة وتم تدمير التعليم والمؤسسات الأمنية وكل مؤسسات الدولة.
ويكتمل المشهد بأغنية ينشدها كل يوم رئيس الحكومة، ويهدد بالتوقف حتى عن تصريف الاعمال، “الوضع صعب الوضع صعب اللهم اني بلّغت”، وموال كسرة ميجانا دولته، يرد عليه وزراؤه الاختصاصيون عَتابا وعِتاب، وخمر وجمر، وهزة خصر راقصات و دبكة “عالهوارة المهوارة ياللا ياللا يا شباب”.
الكل يرقص الآن على جثة الوطن، ويغني على هواه، ولا من يكترث لمصلحة الشعب أو لقمة عيشه.
يبدو أنها لعنة حكومة الاختصاصيين وكارثة حلّت بالبلد!!!
لقد دخل لبنان نفقاً مظلماً يصعب الخروج منه، نفق التعنّت والمكابرة ومحاولات الهيمنة والكسر والإلغاء، والأسوأ من ذلك كله، هو استمرار المسؤولين التصرف بعقلية المحاصصة، والجشع اللامحدود، والفساد، ومحاولات السرقة، لما تبقى من ثروات البلد.
يبدو أن المفكّر الكندي آلان دونو، كان قد تنبأ في الكتاب الذي أصدره عام ٢٠٢٠ بكثير مما سيحدث في بعض دول العالم ومنها لبنان حين قال: «إن التفاهة قد بسطت سلطانها على كافة أرجاء العالم، فالتافهون قد أمسكوا بمفاصل السلطة، ووضعوا أيديهم على مواقع القرار، وصار لهم القول الفصلُ والكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بالخاص والعام».
# حمى الله لبنان