هندسة «أوسلو» .. وقتل حل الدولتين: ماذا بعد؟
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

اذا كان ديفيد بن غوريون هو مؤسس دولة الاحتلال في فلسطين عام 1948 فان بنيامين نتنياهو هو من منع ويمنع قيام دولة للشعب الفلسطيني، فقد بدأ هذه المهمة منذ تسلمه رئاسة حكومة الاحتلال فى المرة الاولى عام 1996 واكملها بنسق مدروس بعد تسلمه رئاسته الثانية عام 2009، واليوم برئاسته الثالثة يكتب من الناحية العملية شهادة ولادة جديدة لاتفاق اوسلو كما يكتب معها شهادة وفاة «حل الدولتين».

سعى بنيامين نتنياهو الذي يحمل عقل «جابتونسكي» المفكر الصهيوني المتشدد وصديق والده «بن صهيون نتياهو »، سعى ومنذ استلامه السلطة بعد التخلص من اسحاق رابين واغتياله على يد المتطرف ايغال عامير، سعى الى تخريب اتفاق اوسلو والانقضاض عليه، ووجد ضالته او فرصته الذهبية في فترة رئاسته الثانية الممتدة من 2009 الى الان باستثاء الاشهر القليلة التى جاءت فيها حكومة بينت – لابيد وتم ذلك من خلال ما يلي:

اولا: تعزيز الاستيطان بشكل «سرطاني» ودعم المستوطنين، وتوسيع رقعة الجغرافيا لمستوطناتهم

وقد عبر نتنياهو بشكل صريح ومباشر عن الهدف من وراء ذلك حين قال في تاريخ 26/ 6/ 2023 خلال خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست (… يجب العمل على اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة لهم).

وفي اخر الاحصائيات بشان الاستيطان فان 500 الف مستوطن يسكنون في 158 مستوطنة في الضفة الغربية بالاضافة الى ربع مليون مستوطن يعيشون في القدس الشرقية ليصبح المجموع اكثر من 750 الف مستوطن يعيشون في القدس والضفة الغربية وهو ما يشكل سبعة اضعاف العدد الذي كان عليه الحال عام 1993 اي قبل اتفاق اوسلو.

ثانيا: دعم ورعاية احزاب اليمين الحريدي المتطرفة واضفاء الشرعية عليها وذلك بعد اشراكها في حكومته الحالية وتسليم كل من بن غافير وهرتسئيل سموتيرش الملف الامني والاستيطاني والعمل على ارضائهما باتباع سياسات قمعية تخنق الشعب الفلسطيني وتحديدا في مدينة القدس والبلدات التابعة لها.

ثالثا: نجح نتنياهو وعلى مدى اكثر من 13 عاما في اعادة انتاج اتفاق اوسلو بشكل جديد وبدور مختلف تماما عما تاسس عليه عام 1994 وبات «اوسلو الجديد» او الولادة الثانية لاوسلو يعمل بروح وعقيدة «الجنرال دايتون» ونهج التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية التى اغلقت الباب في وجه اي خيارات اخرى وباتت اسيرة عقيدة دايتون.

رابعا: سعى نتنياهو لعدم خسارة الدعم الاميركي «ادارة بايدن» بعد غياب ادارة ترامب الجمهورية التى كانت الاقرب في تاريخ الولايات المتحدة لعقلية نتنياهو ولتحقيق «الحلم الصهيوني» المتمثل بالاعتراف بالقدس كعاصمة ابدية «لدولة اسرائيل»، فبعد خسارة ترامب معركة الرئاسة عمل نتنياهو جاهدا على عدم الصدام مع ادارة بايدن على الرغم من التناقضات العديدة بين الجانبين ومن اهمها موضوع الغاء صلاحيات المحكمة العليا النظر في قرارات الكنيست «قانون المعقولية» وهو الامر الذي تعتبره ادارة بايدن ومعها «الايباك» والعديد من المنظمات الصهيونية العلمانية في العالم، مساسا جوهريا «بالديمقراطية الاسرائيلية»، ومع ذلك فان ادارة بايدن تحاول وباقصى طاقتها ايجاد اختراق على صعيد تطبيع العلاقات بين الرياض وتل ابيب بمعنى مكافأة نتنياهو.

خامسا: استثمر نتنياهو التراخي لدى النظام الرسمي العربي في دعم القضية الفلسطينية وذهب الى تجاوز كل الخطوط الحمراء في التعاطي مع الشعب الفلسطيني وقضيته، حيث كان هذا التراخي العربي ومازال مرتكزا الى طبيعة العلاقة العضوية بين السلطة الفلسطينية صاحبة القضية ودولة الاحتلال.

في المحصلة نقف اليوم امام واقع جديد للقضية الفلسطينية تغيب فيه الحلول السياسية الواقعية والممكنة بما في ذلك امكانية تطبيق الرؤية الثانية للتسوية الا وهي حل الدولة الواحدة ثنائية القومية او حل الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية.

وامام هذه المحصلة فان حدة الصراع تعود الى ضراوتها ولكن وفق معادلة «المد والجزر» والتى في العادة لا تسمح بحكم عدم ثبات ادوات الصراع واساليبه من امكانية» صناعة الحل» على الاقل في المدى المنظور.

فالنتيجة هي الانتظار، والانتظار هو مساحة سانحة للمفاجآت وفي الاغلب غير سعيدة!.

 

زر الذهاب إلى الأعلى