مثل كارثة السدين في درنة… “شيخوخة السدود” خطر يهدد دولا أخرى
النشرة الدولية –
سلطت الأضواء في الأيام الماضية، على قضية انهيار سدين في وادي درنة، الواقع في شرق ليبيا، نتيجة هطول أمطار غزيرة خلفتها العاصفة “دانيال” وهو ما تسبب في مقتل الآلاف وتدمير الممتلكات، ويحذر تقرير صدر عن مجلة “ساينتفيك أميركان” أن العديد من السدود حول العالم تواجه أخطارا لا تقل عن مستوى ما حدث في ليبيا، ويشمل الأمر دولا كبرى مثل الولايات المتحدة والصين.
وقالت المجلة العلمية الأميركية، في تقرير صدر في أعقاب الفيضانات بمناطق الشرق الليبي، إن “حجم الكارثة في درنة هائل، ومع ذلك، فإن أسبابها الأساسية ليست فريدة من نوعها. وتتكرر ظروف مماثلة في العديد من الأماكن الأخرى حول العالم”.
وفي أعقاب انهيار سدي درنة، دعا الخبراء إلى التعامل مع “مشكلة شيخوخة السدود في العالم”، حيث تم بناء معظم السدود الكبيرة في العالم في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، وذلك بين عامي 1950 و1985 تقريبا، وفق دوميندا بيريرا، وهو مهندس مدني وباحث في تقييم المخاطر في معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، وهي منظمة بحثية تابعة للمنظمة الدولية.
وقال الخبير إن السدود مثل جميع الهياكل من صنع الإنسان لها عمر محدود، وتتدهور بمرور الوقت وتتطلب الصيانة، ويوضح أن “50 عامًا هو العمر الآمن المعقول” للسدود، لكن وفق تقييم للأمم المتحدة (2021) لأكثر من 50 ألف سد كبير حول العالم، وشارك في تأليفه بيريرا، تبين أن سدود العديد من البلدان يتجاوز عمرها 50 عاما في المتوسط، وهي معرضة بشكل متزايد لخطر الانهيار.
ويصف تقرير الأمم المتحدة لعام 2021 العديد من السدود على أنها خطيرة. وأحد الأمثلة على ذلك هو سد مولابيريار في ولاية كيرالا الهندية. الذي يبلغ عمره أكثر من 125 عاما، وبه علامات واضحة على الأضرار، ويقع في منطقة معروفة بالتوترات السياسية وتنتشر فيها الزلازل. وإذا انهار هذا السد، سيتأثر نحو 3.5 مليون شخص، ومع ذلك فإنه لم تحدث فيه الإصلاحات اللازمة.
وفي ليبيا أيضا، كان المهندسون على دراية بنقاط الضعف التي تعاني منها سدود درنة. وحذرت دراسة نشرت، العام الماضي، من أنه “من الواضح أن المنطقة معرضة لمخاطر الفيضانات”. وقالت إنه “يجب اتخاذ إجراءات فورية للصيانة الدورية للسدود القائمة، لأنه في حالة حدوث فيضان كبير ستكون النتيجة كارثية على سكان الوادي والمدينة”.
وجاء في تقرير سابق لموقع الحرة استند إلى تقارير ودراسات سابقة أنه في عام 1998 حدثت أولى التشققات في السدّين اللذين انهارا في درنة، ولم يتم إصلاحها، وتحت ضغط الأمطار الغزيرة المصاحبة للعاصفة “دانيال”، انهار السد الأول، سد أبو منصور وهو بسعة 22.5 مليون متر مكعب، فتدفقت منه أنهار من المياه واجتاحت سد “البلاد” وهو بسعة 1.5 مليون متر مكعب، ويقع على بعد كيلومتر واحد فقط من المدينة الساحلية. وقلص قرب السد من المدينة فرص توزيع المياه قبل وصولها إليها، فاجتاحت السيول العنيفة الجارفة درنة.
رصدت في عام 1998 أولى التشققات في السدّين اللذين انهارا في درنة وتسببا بفيضانات قاتلة في شرق ليبيا، ولم يتم إصلاحها، وفقاً لتقارير ودراسات عديدة.
وقال رئيس غرفة الطوارئ بمصلحة الطرق والجسور بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، حسين سويدان، الاثنين، إن نسبة الأضرار في البنية التحتية في المناطق المنكوبة شرقي ليبيا تقدر بحوالي 70 في المئة، منوها إلى انهيار 11 جسرا جراء السيول.
ولدى الولايات المتحدة 9 آلاف سد كبير، وفي مجموع السدود لديها أكثر من 90 ألف سد، وما يقرب من 80 في المئة من جميع السدود عمرها أكثر من 50 عاما.
ومنحت الجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين، في أحدث تقييم لعام 2021، سدود الولايات المتحدة، التي لديها ثاني أكبر عدد من السدود الكبيرة في العالم بعد الصين درجة “د” لخطورة حالة سدودها، ويرجع ذلك جزئيا، وفق تقرير المجلة العلمية، إلى أن المعايير الهندسية وقت بنائها كانت أقل قوة من المعايير الحالية، بالإضافة إلى المشكلات الهيكلية التي لم تتم معالجتها وتراكمت في العقود الأخيرة.
وتم تسليط الضوء على هذه القضية في حادثة سد أوروفيل في كاليفورنيا الذي انهار جزئيا في 2017، ما أدى إلى إجلاء 200 ألف شخص. وهذا السد البالغ من العمر 50 عاما هو الأعلى في الولايات المتحدة بارتفاع 235 مترا.
ومعظم السدود الكبيرة في العالم تقع في آسيا. والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية تمتلك وحدها 55 في المئة من جميع السدود الكبيرة، وأغلبها سيصل إلى عتبة الـ50 عاما في السنوات القادمة.
ويقول بيريرا وشانون إن الصيانة المنتظمة وتحديث السدود يمكن أن يطيلا عمر السدود إلى ما يزيد عن 100 عام، وتجعلها متوافقة مع المعايير الحالية، لكن العديد من السدود لا تحدث بها إصلاحات روتينية.
وغالبا ما تكون البيانات المتعلقة بإصلاح السدود نادرة أو يصعب الحصول عليها، ومع ذلك، حتى عندما تدرك الحكومات أو الشركات الخاصة أن إصلاحات السدود ضرورية، فإنها قد تفتقر إلى الإرادة السياسية والتمويل اللازم لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وفق تقرير المحلة العلمية.
والسدود، والسدود الكبيرة على وجه الخصوص، وإن كانت سليمة من الناحية الهيكلية، تعتبر “عالية الخطورة” بسبب الخسائر الكبيرة المحتملة من نايحة وقوع عدد كبير من الضحايا وكذلك عمليات النزوح.
لكن التقرير يشير إلى انه ” لم يفت الأوان بعد لتجنب كوارث”. ويقول بيريرا: “يجب أن نكون استباقيين ولا نعتمد على رد الفعل”، ويدعو إلى القيام بخطوات أساسية تتمثل في الاستثمار في السدود، وإنشاء أنظمة الإنذار المبكر، وتعزيز خطط الطوارئ. ويقول: “يجب أن يكون هذا جهدا عالميا”.
وضربت سلسلة أحداث مناخية قاسية 10 بلدان وأقاليم في 12 يوما فقط خلال شهر سبتمبر، وكانت الفيضانات في ليبيا الأكثر كارثية. ويحذر علماء من أن هذه الأنواع من الظواهر الجوية المتطرفة، التي تؤثر على دول في جميع أنحاء العالم، قد تصبح شائعة بشكل متزايد مع تسارع أزمة المناخ، مما يضغط على الحكومات للاستعداد، وفقا لتقرير مطول لشبكة “سي أن أن”.
وقالت جونغ إيون تشو، عالمة الغلاف الجوي والمناخ في جامعة سيتي في هونغ كونغ إن “ظاهرة الاحتباس الحراري تغير في الواقع خصائص هطول الأمطار من حيث التكرار والشدة والمدة”، وأضافت أن الدمار الذي حدث هذا الصيف كان بسبب عوامل مختلفة بما في ذلك التقلبات المناخية الطبيعية.
كما تسلط الخسائر الفادحة للفيضانات الضوء على الحاجة الملحة للحكومات للاستعداد لهذا الواقع الجديد، والطرق التي تقف بها البلدان الفقيرة والممزقة بالصراعات أمام الكوارث المناخية.