ماذا يحدث في السّويداء ولماذا الآن وما هي التّداعيات؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
بعد انقضاء شهر كامل، احتار المراقبون باختيار التسمية الدقيقة لما يحصل في السويداء السورية منذ أكثر من شهر: هل هي مجرّد احتجاجات، أو هي انتفاضة حقيقية أو نتاج روح مؤامراتيّة؟
الافتراض الأخير هو الأسهل بالنسبة للنظام السوري ولداعميه، ولا سيما إيران وميليشياتها ومن ضمنها “حزب الله”، خصوصًا بعدما أطلق عليها شيخ عقل الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهجري صفة الاحتلال، داعيًا إلى “الجهاد” تحريرًا للبلاد منها ومن “فكرها التخريبي”!
وإذا كان النظام السوري وداعموه يطلقون صفة المؤامرة على أي سلوك يعترض طريقهم ويخالف توجهاتهم ويصد مخططاتهم، فإنّه، على الرغم من الاستفاضة في تنظيراتهم التي تجمع ما لا يجمع، لم يقدّموا تفاصيل لا عن فحوى المؤامرة ولا عن سبب اختيار السويداء لها ولا عن القوى الإقليمية التي يمكن أن تقف وراءها، واكتفوا لرفع الصوت في هذا الاتجاه، باهتمام أبدته عواصم غربيّة بأحداث السويداء، بعدما أعطى النظام السوري عبر موالين له في المنطقة إشارة خطرة إلى إمكان لجوئه إلى العنف، لفتح النار على مجموعة متظاهرين وجرح عدد منهم.
ولكن المراقبين الحياديّين تجاوزوا “صراخ المؤامرة” وركزوا على الطريقة المواربة التي توسّلها النظام السوري وكوادره للاعتراف بالنوائب التي يجرها الوضع العام في البلاد على سكان سوريا عمومًا وعلى هذه المنطقة خصوصًا، ولكنهم يعيدون السبب إلى العقوبات الإيرانية وقانون قيصر الأميركي، متجاهلين أنّ العرب قبل العجم يطالبون بإصلاحات سياسية جذرية لا بدّ للنظام من الإقدام عليها.
ولكن ما لا يتغاضى عنه أهل السويداء، وفق توافق بارز بين أغلبية القواعد والقيادات، أنّهم أُسقطوا في الجحيم لأنّ النظام الذين بدأوا يطالبون بتغييره، يرفض، من جهة أولى، الانضباط تحت مظلة مجلس الأمن الدولي، من خلال تنفيذ القرار 2254 الهادف إلى إحداث تغيير في منهجية حكم البلاد، ويظهر، من جهة ثانية، عاجزًا تمامًا أمام سطوة المافيا السورية – الإيرانية – اللبنانيّة، عن وقف تحويل الجنوب السوري إلى قاعدة لتهريب المخدرات والمتفجرات إلى الخليج عبر البوابة الأردنية، خصوصًا أنّ هذه المافيا المدعومة من النظام – أو من عجزه أمامها – تحاول أن تفرض قانون الغابة في الجنوب السوري، الأمر الذي يشكل خطرًا على الجميع، ولا سيّما على أبناء السويداء.
ومن يدقق بما يحصل في السويداء يميل، انطلاقًا من الخطب والشعارات التي تحملها التجمعات الدورية في “ساحة الكرامة”، إلى الاعتقاد بأنّ هذه المنطقة، وبعدما ضاقت ذرعًا من النظام الذي يرفض أن يتغيّر ويعجز عن استعادة السيادة من حماته، تعتبر أنّ الحل يكمن في تغييره، ولهذا ارتفعت وتيرة الاستهدافات في الساحة لتنال من رئيس النظام بشّار الأسد الذي غنّت له نساء السويداء في عيد ميلاده في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري، وعلى اللحن العالمي لأغنية “هابي برذداي تو يو”: “آخر سنة يلّا باي.. بدنا نشوفك بـ لاهاي”.
وكانت أغنية شبيهة قد هتفها السوريون بعيد انطلاق الثورة في عام 2011: “يا بشار باي باي… بدنا نشوفك بـ لاهاي”.
وهذه الكلمات المغناة عيّنة بسيطة عن تشابه كبير بين ما يحصل في السويداء منذ أكثر من شهر وما كان قد حصل في سوريا بدءًا من عام 2011، الأمر الذي يعني أن أبناء السويداء يختارون لتحركاتهم مظلّة الثورة.
وعلى الرغم من أنّ مكونات الثورة باتت حاليًا أكثر حضورًا في السويداء من أيّ وقت مضى، فهل يمكن أن يرمي دروزها الذين حيّدوا أنفسهم، على قدر الإمكان، عن صراع النظام والثوار منذ عام 2011، في “فم الوحش”، في وقت عملت فيه دول عربية عدة بينها جارتهم الأردن على تعويم نظام بشّار الأسد؟
لا شك في أن طائفة الموحدين الدروز، كما أظهرت الأدلة على مدى تاريخهم في سوريا ولبنان وفلسطين، يتمتعون بشجاعة عالية تخوّلهم تنظيم المواجهات مهما كانت مكلفة، ولكنهم يتمتعون في الوقت نفسه، بحكمة كبيرة تبعدهم، في كثير من الأحيان، عن واجهة الصراعات.
وهذا الزواج الحكمي بين الشجاعة والحكمة، يعني أنّه يستحيل أن يكون أبناء السويداء قد ارتجلوا ثورتهم الحالية، ولا بد من أن يكونوا قد قرأوا معطيات شجعتهم على محاولة كسر إذلال “نظام الجريمة والاحتلال والمخدرات”، فما هي؟
هل اكتشف الضالعون بالميدان أنّ الخيبة العربية من فاعلية النظام قد أدخلت تعديلات جديدة على النظرة إلى نظام الأسد، فأصبح وجوده يساوي عدمه، في حال كان هناك بدائل عاقلة له، بعيدًا عن ثنائية الإرهاب الإيراني والداعشي؟
وهل أنّ تغييب العنصر الروسي عن شعارات السويداء الثورية يعني، في ضوء مقتل رئيس مجموعة “فاغنر” يفغيني بريغوجين بعدما كان قد جرى “تهميشه”، أنّ الجيش الروسي الذي وحّد كلمته، يريد التخلص من المافيا السورية – الإيرانية ليكون عاملًا مساعدًا لـ”الأصدقاء الخليجيين”، ضد إغراق أسواقهم بالمخدرات السورية – اللبنانية؟
وهل أنّ اكتشاف السوريين أنّ استفحال الكوارث الحياتية والاقتصادية، على الرغم من انفتاح العرب على بشّار الأسد، يعني أنّ لا خلاص يمكن أن ينشدوه في ظل سلطة النظام الحالي المحكوم بالتحجّر، وبالتالي فهو يضعهم أمام خيارين: الثورة السلمية أو النزوح الذليل؟
من دون شك إنّ دروز سوريا، وكما عبّر عن ذلك الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الذي لم ينقطع يومًا عن التواصل معهم كما مع دروز فلسطين والأردن، ليسوا جزءًا من مؤامرة يمينية أميركية أبوكاليبسية أو تقسيمية، بل هم كما بيّنت المعطيات التاريخية يفضلون الموت في أرضهم ثوّارًا على الحياة بعيدًا عنها.
وليس المطلوب من بشار الأسد ونظامه إدراك ذلك، إذ إن التفهم عفّى عليه الزمن وحان وقت التغيير الذي من دونه لن تكون أمام السوريين الجائعين خيارات كثيرة!