فخامة الرئيس: من “صجك”؟
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
صفقة الرهائن الأميركية شكلت خيبة أمل للإيرانيين فقد جاءت بعد يومين من ذكرى مقتل أميني التي أشعلت ثورة
النشرة الدولية –
“خمسة أميركيين أبرياء حبستهم إيران سيعودون، أخيراً، إلى بلدهم”، هذه الكلمات قالها الرئيس الأميركي جو بايدن حرفياً بعد صفقة إطلاق سراح الرهائن الخمسة المزدوجي الجنسية الإيرانية – الأميركية، وفي المقابل أطلقت الولايات المتحدة خمسة سجناء إيرانيين لديها مدانين أو متهمين بتهم مختلفة تتراوح بين خرق العقوبات على إيران أو شراء معدات ممنوع تصديرها إليها تتعلق ببرنامجها النووي.
بذلك تكون الولايات المتحدة الأميركية قد بادلت خمس رهائن بخمسة سجناء، ودفعت نظير هذه الصفقة ستة مليارات دولار من أموال إيرانية مجمدة، وقد علق أحد الظرفاء على منصات التواصل الاجتماعي بأن “هذه أعلى فدية دفعت لرهائن في التاريخ، حيث بلغ معدل فدية الرهينة الواحدة ملياراً ومائتي مليون دولار”.
نعم كانوا رهائن وليسوا سجناء يحاكمون بعدالة وفق محاكم عادلة، فكلنا يعرف حجم العدالة في الدولة الدينية الطائفية بإيران، والدليل أن عائلاتهم التي كانت معهم قبل احتجازهم منعوا من السفر خارج إيران وهم مواطنون أميركيون من دون توجيه تهم لهم. فما الذي يمنع مواطناً أميركياً من مغادرة إيران إن رغب بذلك ما لم يكن ممنوعاً من السفر لأسباب قانونية؟
المتابع للتفاهمات الإيرانية– الأميركية بالمنطقة يراها انعكست على الهدوء النسبي الذي شهدته الساحة العراقية التي تتحكم بها الميليشيات الولائية التابعة لإيران، فقد استعرضت القوات الأميركية على مدى أسابيع تحركات وتنقلات قواتها غرب العراق وجنوب غربي سوريا، ولم تتعرض لها ميليشيات “حزب الله” العراقي ولا “عصائب الحق” ولا “حركة النجباء” التي تأتمر بأوامر طهران برصاصة واحدة، كما توقفت تماماً الهجمات على السفارة الأميركية في بغداد، وهذا الهدوء والسلامة للقوات والسفارة الأميركية لم يتحقق بالطبع بسبب إجراءات حكومة السيد السوداني، وإنما تحقق بتفاهمات دارت بين واشنطن وطهران حيث القرار العراقي الحقيقي.
ويبدو أن التفاهمات الإيرانية – الأميركية وصلت درجة متعمقة ومتعددة ومعقدة جداً، بل طالت حتى الموفد الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية روبرت مالي، الذي كان منوطاً به مهمة إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015 ومزقه الرئيس السابق دونالد ترمب بعد ثلاث سنوات، فقد أزيح روبرت مالي من منصبه في ظروف غامضة أبريل (نيسان) الماضي، وهو غموض شبهته “واشنطن بوست” في عددها يوم السادس من سبتمبر (أيلول) الجاري بغموض اختفاء وزير الخارجية الصيني تشين غانغ.
في محاولة لـ”ترقيع” صفقة الرهائن الأميركيين، قال مساعدون كبار للرئيس جو بايدن، إن العقوبات المصرفية والمراقبة الشديدة ستمنع إيران من صرف المليارات الستة على أي شيء عدا الغذاء والدواء والحاجات الإنسانية. وكأني بالمفاوض الإيراني حين يقرأ هذا التصريح يقهقه حتى يستلقي على قفاه، فلإيران باع طويل في خرق العقوبات ولديها رئة عراقية واسعة تتنفس من خلالها على حساب الشعب العراقي، وعملية التنفس المالية هذه لا تتم إلا بموافقة أميركية، وهي موافقة تتطلب وقف الهجمات على قواتها وسفارتها ببغداد، وهكذا.
صفقة الرهائن بتوقيتها شكلت خيبة أمل للشعوب الإيرانية، فقد جاءت الصفقة بعد يومين من ذكرى مقتل مهسا أميني التي أشعلت ثورة سبتمبر من العام الماضي، والتي نتج منها مئات القتلى وآلاف الجرحى و20 ألف معتقل بحسب مصادر الأمم المتحدة.
واعتبر هادي غائمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان بإيران ومقره نيويورك، أن تزامن الصفقة مع ذكرى مقتل مهسا أميني إنما هي صفعة على وجه الشعب الإيراني وتطلعاته نحو الحرية والخلاص.
في تصريحاته، الإثنين الماضي، وهو يحاول أن يقنع الآخرين -وبالذات المعارضة الجمهورية بـ”الكونغرس”- بأن ما تم مع إيران لم يكن صفقة وفدية لإطلاق سراح أميركيين طالما حذرتهم دولتهم من السفر إلى إيران، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن كثيراً من الأميركيين معتقلون ظلماً بدول مثل روسيا وفنزويلا وسوريا وأماكن أخرى في العالم. وهذه الأماكن يسيل لعابها اليوم مرددة “مثل ما دفعتم للإيرانيين، ادفعوا لنا”.