رعب النووي السعودي!
النشرة الدولية –
انطلق ماراثون تطبيع العلاقات السعودية – الاسرائيلية برعاية اميركية مباشرة من الرئيس بايدن، وقبل اشهر قليلة كان الحديث عن هذا التطبيع خليطاً من التكهنات وبعض التسريبات التي لم ترق لمستوى المعلومات المؤكدة خاصة في ظل «الصمت السعودي»، إلا أن حديث ولي العهد الامير محمد بن سلمان لقناة «فوكس نيوز» نهاية الاسبوع الماضى حسم هذا الجدل بتاكيده وجود هذه العملية التي من المرجح ووفقا للكثير من التقديرات أن لا تكون قريبة وربما تأخذ وقتاً يمتد لأشهر قادمة قد تتجاوز العام.
والسؤال هنا… لماذا لن تكون قريبة؟
الجواب: لأن تطبيع العلاقات بين الجانبين السعودي والإسرائيلي سيكون ومثلما قال الأمير محمد بن سلمان في لقائه مع «برت باير» (أكبر اتفاق تاريخي منذ الحرب العالمية الثانية) وهو وصف مهم للغاية، وكأن الامير محمد بن سلمان يريد القول أن الاتفاق المفترض أو المنتظر مع إسرائيل هو أهم من اتفاق يالطا الذي عقد بين المنتصرين في نهاية الحرب العالمية الثانية والذي ضم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والذي تم بموجبه تقسيم خارطة العالم ونفوذ كل طرف من هذه الاطراف عليها، أو أكبر من تأسيس الأمم المتحدة نفسها?التي انشئت بهدف حفظ السلم والأمن الدوليين بعد الحرب العالمية.
لا أعتقد أن الأمير بن سلمان بالغ أو ضخم الوصف لأن إنجاز صفقة بين الطرفين وبدعم مباشر من واشنطن سيكون لها نتائج دراماتيكية – استراتيجية على مستوى الإقليم و العالم بأسره ومن أبرزها ما يلي:
أولاً: أن النتيجة المباشرة في حال تمت الصفقة الكبرى ستكون بداية لنهاية الصراع العربي _ الإسرائيلي وما تبعه من نفور إسلامي من التعامل مع إسرائيل وسوف تنضم أغلبية الدول العربية لتطبيع علاقاتها بإسرائيل، وسنشهد خطوات تطبيع لدول إسلامية كبرى كانت «تتحرج أو تتردد» من التعامل مع اسرائيل مثل ادونيسيا (الدولة الاسلامية الاكبر) وماليزيا وبنغلادش وربما الباكستان وغيرها من الدول في العالم.
ثانياً: في حال إتمام الصفقة سيتغير حتماً ميزان القوى في العالم على المستويين السياسي والاقتصادي وهذا التغير إما يقود إلى زيادة الاستقطاب والعسكرة وإعادة إنتاج اجواء الحرب الباردة بنسختها الجديدة، أو أنه قد يساهم في حال تم استثمار اجواء السلام المفترضة في الشرق الاوسط وتغليب المصالح الاقتصادية على التباينات السياسية والدخول في شراكات ومشاريع ذات صبغة استراتيجية سيساهم على بناء ما يسمى (بالوفاق الدولي) الذي يعزز التنمية والازدهار الاقتصادي، الا ان احتمالات هذا الوفاق الدولي المفترض ما زالت ضعيفة في ظل التناف? الاقتصادي والتعارض بين مشروع «الممر الاقتصادي» الذي أعلن عنه في الهند قبل اسبوعين والذي سيربط الهند عبر الشرق الاوسط باوروبا ومشروع «الحزام والطريق» الصيني الذي سيربط الصين عبر وسط اسيا بوسط اوروبا. والمحصلة ان العالم ومنذ اليوم هو على اعتاب تنافس اقتصادي صيني_ اميركي سيصل لمرحلة الحرب الاقتصادية الحادة وهي مرحلة ستترك اثارها السلبية على اقتصاديات دول العالم الثالث والدول الفقيرة.
لكي لا نذهب بعيدا في التحليل والاستنتاج علينا ان نقدر مبدئياً مدى احتمالية عقد مثل هذه الصفقة وفقا للشروط المطروحة وتحديدا من قبل السعودية ومدى قابلية الجانبين الاميركي والاسرائيلي على تنفيذها، وتحديدا البند المتعلق بطلب الرياض الحصول على التكنولوجيا النووية الأميركية للاستخدمات المدنية وباشراف أميركي وهو الشرط «العقدة» الذي يكاد أن يُجمع على رفضه المجتمع الإسرائيلي بكافة أطيافه، هذا المجتمع المنقسم انقساماً حاداً منذ بداية العام بسبب التعديلات القانونية لمنظومة القضاء وهو الأمر الذي يؤكد أن سكان هذا الكيا? لا يؤمنون بالسلام ولا يريدون تقديم أي تنازل مفترض لا على صعيد التسليح ولا على صعيد الأرض.
يقول المعارض الأكبر لنتنياهو رئيس الوزراء الأسبق أيهود باراك عن هذا الموضوع ما نصه (إن هذه القضية جادة للغاية، ولا يمكن التعامل معها بسهولة، وتتطلب مناقشة عميقة وإذا كانت إيران والسعودية على عتبة أسلحة نووية، فبعد ذلك يمكن أن تتبعهما تركيا ومصر، وعندها لن يكون هناك تفوُّق إسرائيلي بعد الآن).
وهذا الموقف المتصلب هو اكثر نعومة من مواقف اليمين المتطرف المشارك بحكومة نتنياهو، وهو ما يعني أن الصفقة بالشروط السعودية ترعب اسرائيل ولن تتم، أما إن تمت فبكل تأكيد أن الصفقة لا تشكل خسارة لإسرائيل بأي حال من الأحوال.
والسؤال هل ستتم أم لا؟