مقابلة محمد بن سلمان الأميركية… صورة الشريك السعودي كما هي
بقلم: وليد فارس

المقابلة مع ولي العهد أحدثت موجة نقاش واسعة في الشرق الأوسط ولكن الأهم في الولايات المتحدة

النشرة الدولية –

إن المقابلة التي أجرتها قناة “فوكس نيوز” مع ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أحدثت موجة نقاش واسعة في الشرق الأوسط، ولكن الأهم في الداخل الأميركي، إلى حد يمكن وصفها بأنها محطة ليس فقط في الحوار الأميركي – السعودي، ولكن أيضاً في العلاقة بين الشعبين السعودي والأميركي. المقابلة مع الصحافي بريت باير  Bret Baer من قناة “فوكس نيوز” كشفت عن وجه لم يعرفه الأميركي العادي، وأوصلت صورة أعمق للشريك السعودي الحديث إلى الرأي العام في الولايات المتحدة، فوضعت السعودية، من دون الحاجة إلى معاهدات أو حملات إعلان، نفسها في مقام الدول الكبرى الشريكة لأميركا، ولكن من موقع “القرب المستقل”، المعروف بالندية. والمواضيع التي ناقشها ولي العهد كانت في غاية الأهمية دولياً، ولكن طريقة تمريره الرسائل كانت بأهمية أكبر لأنه فتح باباً إلى العمق الأميركي كان مقفلاً لعقود. وهذا تقييمي الأولي للمقابلة – الحدث.

عالم “فوكس نيوز”

ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دخل أميركا من أحد أوسع أبوابها، وهي قناة “فوكس نيوز” Fox News  التي يملكها الإمبراطور الملياردير روبرت مردوخ صاحب الصحف والمجلات العالمية، وقناة “Skynews” البريطانية، وقناة “فوكس نيوز” التي عملت كمحللها للسياسة الخارجية والأمن القومي 14 عاماً في أهم عقود “الحرب على الإرهاب”، انطلقت في 1996 كمحطة جديدة لتتسابق مع الشبكات الكبرى كالـCNN وABC وNBC وCBS ولكنها لم تصعد إلى مرتبة التنافس على الصعيد الوطني إلا بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، حيث تحولت بين ليلة وضحاها إلى القناة القومية الأولى للأخبار داخل أميركا، وباتت تمثل صوت المحافظين ويمين الوسط، لا سيما عندما يسيطرون على الأكثرية في الكونغرس. فأضحت “فوكس” حتى عام 2020 صوت نصف أميركا، بينما تقاسمت كل القنوات الأخرى النصف الآخر في البرامج الإخبارية والسياسية، وقد شاهدت شخصياً لعقد ونصف العقد كيف تحولت القناة إلى برج إعلامي، إما أن تكون على شاشته فيسمع صوتك، وإما ألا تكون فلا يبقى لك إلا القنوات المنافسة الأكثر “يسارية”.

وصعدت “فوكس” لتتحول إلى مرتبة الشبكة الأولى في تغطية الحروب، بما فيها أفغانستان والعراق والحرب على تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش” و”الربيع العربي” والأمن الوطني الأميركي إضافة إلى الملفات الداخلية، وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية والتشريعية، من منظار محافظ، ولكن من موقع شرق أوسطي هل كانت لقناة “فوكس” أسبقية في تغطية المنطقة العربية والمشرقية كما كانت تغطيها القنوات الأميركية الأخرى مثل CNN وNBC وغيرهما؟ شبكة مردوخ الأميركية لا منازع لها أميركياً، لكنها لم تضع مقدرات لوجيستية في المنطقة كما فعلت CNN مثلاً، مع صحافيين ومكاتب في كل مكان، بل كان لـ”فوكس” وجود في إسرائيل فقط من حيث غطت الشرق الأوسط الكبير، لكن الشبكة المحافظة باتت الأوسع داخل أميركا على رغم اهتمامها المحدود بالتطورات خارج الملفات التقليدية، وتتشكل قاعدة مشاهديها من الإنجيليين والجمهوريين وسكان أميركا خارج الساحلين الشرقي والغربي، فإذا لم تكسبها تخسر أكثر من نصف البلد.

نظرة “فوكس” إلى السعودية تطورت مع الوقت

لم يكن للقناة مواقف معينة من السعودية حتى ضربات 11 سبتمبر 2001، أما بعد ذلك، وبتأثير من بروباغندا إيرانية و”إخوانية”، حمل عدد من الخبراء الأميركيين السعودية مسؤولية مباشرة هجوم “القاعدة” تحت مقولة إن “14 من منفذي العملية يحملون الجواز السعودي”، ولو أن القناة لم تؤيد هكذا شعار، لكن عدداً من محلليها استمر به، وتأثر بعض قطاعات المحافظين في أميركا، لكن محللين آخرين في القناة، وكنت من بينهم، أوضحوا أن السعودية تعرضت للإرهاب نفسه وأن هدف “القاعدة” وراء 11 سبتمبر كان إضعاف أميركا للانقضاض على السعودية والحرمين لخطف العالم الإسلامي، السني، كما فعل الخمينيون في إيران. وبدأت صورة السعودية تتحسن بسرعة في أعين أكثرية المحافظين الأميركيين منذ قمة الرياض في مايو (أيار) 2017 عندما رأوا بأم أعينهم على الشاشات في بيوتهم “عظمة” استقبال السعوديين للرئيس السابق دونالد ترمب وزوجته وإدارته، ونقلت “فوكس” القمة إلى مشاهديها، فأدرك الأميركيون قوة السعودية ومركزها القيادي في العالم العربي والإسلامي.

وجاء عمق الإصلاحات التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان داخل السعودية ليعزز الصورة المتطورة للعلاقات، وكانت المناسبة الأولى لامتحان تطور تغطية “فوكس” السعودية عندما ركزت على مساءلة الإدارة حول إزالة اسم الحوثيين من لائحة الإرهاب الأميركي في فبراير (شباط) 2021، فباتت شبكة “فوكس”، بموازاة قناة أخرى محافظة وصاعدة، تمثل جزءاً مهماً من المحافظين، قناة “نيوز ماكس”، الوسيلة الإعلامية الأكثر انفتاحاً في ملف العلاقة الأميركية – السعودية، والأهم ربما أن قناتي “فوكس” و”نيوز ماكس” باتتا مؤثرتين على ملايين المشاهدين الذين صوتوا لأعضاء الأكثرية الجديدة في الكونغرس، من هنا، فقرار ولي العهد أن يجري مقابلة مع إحداهما، أي “فوكس نيوز”، كان قراراً استراتيجياً بامتياز.

السلام الإقليمي

لعل أهم موضوع بالنسبة إلى المحافظين في أميركا، الذي ناقشه ولي العهد السعودي، هو السلام ببن السعودية وإسرائيل، وتلقى الرأي العام العميق في الولايات المتحدة تفسيراً واضحاً ومشجعاً وليس أيديولوجياً، وهو أن الرياض تريد السلام، والأهم من ذلك أنها تتشارك في تبادل أفكار مع الإسرائيليين من دون عقدة، لكنها متمسكة بأجندتها للحصول على مكاسب للفلسطينيين، وهكذا موقف طمأن الأكثرية المحافظة الأميركية على احتمال تقدم في هذا المضمار.

الملف النووي

وقارب القائد الشاب السعودي مسألة المنافسة مع إيران نووياً أمام الرأي العام الأميركي بمنطق يفهمه الأميركيون لأنهم عاشوه خلال الحرب الباردة، فأوضح ولي العهد أن الرياض لن تكون البادئة بإنتاج سلاح نووي وإن سعت لتكنولوجيا ذرية، وخلص إلى أن السعودية ستحصل على القنبلة إذا حصلت عليها إيران، بكل بساطة وصراحة. هكذا منطق يفهمه الشعب الأميركي الذي اعتادت أجياله سماع إداراتها تعلن عن تطوير سلاح استراتيجي جديد للتوازن مع سلاح طوره الاتحاد السوفياتي أو روسيا أو الصين، وهو إجراء طبيعي في منطق التوازن الاستراتيجي، بخاصة أن السعودية ليس لها “أعداء تبغي إزالتهم من الوجود”. أضاف ولي العهد أن خيار استعمال هكذا سلاح غير منطقي “لأنه سيضع هكذا دولة في وجه العالم أجمع”، ما طمأن الناس العاديين في الولايات المتحدة.

أبعد من التنمية

أما حصة الأسد في المقابلة، فكانت حول مشاريع تطوير السعودية على كل الجبهات من استثمار إلى تنمية وتحديث وتنويع الاقتصاد وغيره، إلا أن ما جذب اهتمام الشباب الأميركي لما قاله الأمير، أبعد من كل الملفات الجيواقتصادية، كانت شروحات القائد الشاب حول الثورة السياحية، حيث باتت السعودية تظهر وكأنها فردوس طبيعي ليتوافد إليها الزوار الشباب والعائلات، بشكل يضاهي أهم المناطق السياحية في العالم، وتصور ابن سلمان الابن، عبر “رؤية 2030” قد بدأ اجتياح “السوشيال ميديا” الأميركية والعالمية منذ سنوات، وقد اطلعت شخصياً على هذا المشروع الهائل منذ صيف 2016، فـ”إنستغرام” و”تيك توك” وسائر المنصات مليئة بأحاديث الشباب حول رحلات يسعون إليها لأي مكان في السعودية، وكأنها باتت جنة جاهزة للاستكشاف، من العلا إلى نيوم، فجزر البحر الأحمر، وسائر الصحارى وحتى إلى الربع الخالي المنيع! وجاءت صورة لقاء ولي العهد السعودي بالشخصية العالمية إيلون ماسك، فتحمس أنصار اكتشافات المستقبل لتلك “القمة”.

في الخلاصة، وعبر هذه المقابلة مع “فوكس”، وهي بداية الغيث، دخل الأمير محمد بن سلمان المنزل الأميركي من شاشات قنواته، وبات كغيره من شركاء أميركا، وجهاً مألوفاً للشعب الأميركي، لا سيما أنه يتكلم لغتهم بطلاقة، بل يراه الجيل الجديد كشاب يفهمهم، إضافة إلى كونه مسؤولاً عن دولة باتت في القيادة الدولية، وربما من أهم ما أفصح عنه للشباب أنه يقضي جزءاً من وقت ترفيهه يمارس الألعاب الإلكترونية، وعلق أحد الشباب الأميركي “ليتني ألتقي محمد بن سلمان في الفضاء الافتراضي Online!”.

 

Back to top button