رحلة “النيادي” ومسيرة الإمارات الحضارية
بقلم: د. سالم الكتبي
النشرة الدولية –
عودة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى كوكب الأرض على متن الكبسولة “دراغن” التابعة لشركة “سبايس أكس” ضمن طاقم “كرو 6” بعد إنجاز أطول مهمة لرائد فضاء عربي في محطة الفضاء الدولية، هي إحدى المحطات التاريخية في مسيرة دولة الإمارات وشعبها نحو قمة التنافسية العالمية؛ فهي ليست لحظة عادية بل هي إنجاز نوعي كبير يتوج تخطيط وجهد وطني استمر منذ سنوات طويلة مضت، حيث وضعت هذه الرحلة الإمارت في المركز الـ10 عالميًا في مهام السير في الفضاء خارج المحطة الدولية، والدولة الـ11 المشاركة في مهمة طويلة الأمد في الفضاء.
طاقم “كرو6” كان يتكون من أربعة رواد فضاء هم النيادي والأميركيان ستيفن بون ووارن هوبرغ والروسي أندري فيدياييف، وهذا يعكس بوضوح وجود الإمارات ضمن نادي رواد الفضاء، فالنيادي هو ثاني إماراتي يشارك في مهمة فضائية بعد هزاع المنصوري الذي أمضى ثمانية أيام في محطة الفضاء الدولية في سبتمبر 2019، ما يجسد الاستمرارية ووجود استراتيجية إماراتية وطنية لارتياد الفضاء وتحقيق أقصى مدى من الانجازات النوعية في هذا المجال، وبالتالي فالمنصوري والنيادي هم طليعة فريق تتابعي إماراتي سيمضي على هذا الدرب محققاً المزيد من الانجازات والنجاحات بإذن الله.
هو إنجاز تاريخي يسهم في خدمة العلم والبشرية كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في تغريدة عبر موقع “إكس”، ولنا أن نتذكر أن النيادي قد أجرى خلال رحلته 200 مهمة بحثية، وقضى أكثر من 4400 ساعة في الفضاء، وكل ساعة منها هي موضع بحوث ودراسات من جانب العلماء والمتخصصين لدراسة التغيرات التي تطرأ على البشر في الفضاء وغير ذلك.
نعم، بات النيادي أيقونة جديدة تضاف لسجل تاريخي حافل بأمجاد العلماء العرب الذين أسهموا في صناعة الحضارة البشرية على مدار عقود طويلة مضت، وتحول إلى مصادر إلهام لملايين الشباب العرب، وتلك مسألة فارقة للغاية في هذه المرحلة الصعبة من واقع العالم العربي وحاضره الملىء بالتعقيدات والعراقيل التي يسد الكثير منها طريق الشباب في رحلتهم نحو المستقبل.
الأمر الرائع في مسيرة الإمارات لاستكشاف الفضاء أنها تمضي بخطوات متسارعة ولكنها مدروسة، فبعد رحلة المنصوري عام 2019، نجحت الإمارات في إطلاق مسبار “الأمل” إلى مدار كوكب “المريخ” في فبراير 2021، لتكون أيضاً أول دولة عربية تصل إلى الكوكب الأحمر، وتلا ذلك بعامين أيضاً رحلة النيادي التاريخية؛ والنجاح هنا ليس وليد الصدفة، بل ثمرة تخطيط ورؤية واعية بدأت مع بناء الدولة على يد القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي رسخ في فلسفة القيادة في دولة الإمارات قاعدة “الانسان أغلى ثروة نمتلكها” فكان بناء الانسان قبل بناء الاعمار، وكان بناء المدارس جنباً إلى جنب مع بناء ناطحات السحاب والمصانع وتمهيد الشوارع وترويض الطبيعة ومكافحة التصحر.
النجاح أيضاً ثمرة تخطيط ودعم سخي من لدن قيادة آمنت بقدرات شباب الوطن وسعت بكل الجهد إلى تأهيله وبناء قدراته من أجل ان يكون على مستوى تحقيق الأحلام والطموحات التي لا حد لها سوى السماء، فكان الجواب على قدر الأمل، وكان النجاح على قدر الثقة.
من المهم ان أشير هنا إلى رسالة “النيادي” من محطة الفضاء الدولية قبل الهبوط للأرض مباشرة، والتي قال فيها “لابد أن ننبذ الجهل والخرافة ونطرق أبواب العلم وننهض بأنفسنا وتفكيرنا.. لا شيء مستحيل مع العزيمة والإصرار”، فهذه هي الوصفة الحقيقية للخروج من الكبوة الحضارية التي تحيط بمعظم الدول العربية وتكبل مسيرتها وتشل قدرتها على مواكبة حركة التطور العالمي في مختلف المجالات لاسيما العلمية والبحثية منها.
رحلات استكشاف الفضاء لم تكن يوماً رفاهاً بحثياً أو علمياً بل حلقة من حلقات التنافس العالمي على التطور والتقدم، وتعزيز نفوذ الدول ومكانتها عالمياً، بل إن مهام استكشاف الفضاء لم تعد حصراً على الدول في ظل انخراط أكثر من 10 آلاف شركة في هذه الصناعة الضخمة، التي جذبت إليها آلاف المستثمرين الذين يتسابقون لتحقيق السبق في هذا المجال الذي تحول إلى “اقتصاد الفضاء”، الذي اقتربت قيمته الرقمية العام الماضي من 500 مليار دولار، وسط توقعات بأن يصل إلى نحو 1.5 تريليون دولار في عام 2030.