أنظمة مستوحاة من تجربة “الحرس الثّوري”
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

من العراق، إلى سوريا، إلى لبنان… إلى اليمن، تبني إيران، الموجودة بقوة في البلدان الأربعة، أنظمة جديدة على نسق معيّن. هذا النسق من الأنظمة مستوحى من تجربة “الحرس الثوري” الإيراني الذي بات يسيطر على إيران على نحو شبه كامل. كان لافتاً قبل أيام قليلة حديث زعيم الحوثيين في اليمن (جماعة أنصار الله) عبد الملك الحوثي عن ضرورة قيام نظام جديد في المناطق التي يسيطر عليها. تحدّث عن نظام أقرب ما يكون إلى النظام في إيران، حيث يمتلك “المرشد” كلّ السلطات بصفة كونه “الوليّ الفقيه”.

 

يبقى الدليل الأهمّ إلى أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية في يد “الحرس” تَحَكُّم “الحرس” بقطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني، فضلاً عن فرضه خياراته في شأن كلّ ما له علاقة بالمواقع الأساسيّة في البلد بدءاً بموقع رئيس الجمهوريّة.

 

ليس سراً أن “الحرس” فرض إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية، وعمد إلى استبعاد كلّ شخصية كان يمكن أن تنافسه، بمن في ذلك علي لاريجاني، وهو رجل، لا وجود لشكّ في ولائه للنظام. إلى ذلك، يمتلك لاريجاني حيثية نظراً إلى أنّه ينتمي إلى عائلة متديّنة معروفة، من جهة، وإلى أنه سبق له، من جهة أخرى، تولي مناصب مهمّة، من بينها رئاسة مجلس الشورى.

 

في الطريق إلى السيطرة شبه الكاملة على إيران، تحرّك “الحرس الثوري” ببطء وثبات، وذلك منذ أرسل آية الله الخميني مؤسس “الجمهوريّة الإسلاميّة” الجيش الإيراني إلى جبهات القتال لدى اندلاع الحرب العراقيّة – الإيرانيّة في أيلول (سبتمبر) 1980.

 

شارك “الحرس” في القتال على الجبهات، لكنّه بات في الوقت ذاته بمثابة الحارس الفعلي للنظام الجديد (نظام الوليّ الفقيه) الذي أقامه الخميني وفرضه عبر استفتاء شعبي تحت تسمية “الجمهوريّة الإسلاميّة” ودستورها.

 

نجح “الحرس الثوري” مع مرور السنوات في التحوّل إلى عصب النظام وركيزته في الداخل. لكنّ نجاحه الأهمّ كان في الخارج عبر الميليشيات التي أقامها في المنطقة.

 

يظلّ “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري”، عناصره لبنانيّة، النجاح الأبرز لـ”الحرس الثوري” خارج الحدود الإيرانيّة. تكمن أهمّية هذا النجاح في اعتماد النظام الإيراني منذ اليوم الأول لقيامه على تصدير أزماته الداخليّة إلى خارج الحدود. من هذا المنطلق، كانت الحرب العراقيّة – الإيرانيّة بمثابة هديّة قدّمها صدّام حسين للنظام الإيراني نظراً إلى أنّها وفرت فرصة لزجّ الجيش الإيراني، غير الموثوق به، في تلك الحرب… وإبعاده من طهران.

 

بفضل “الحشد الشعبي”، وضعت إيران العراق في جيبها بعدما سلمتها إدارة جورج بوش الابن البلد على صحن من فضّة في عام 2003. من يحكم العراق حالياً ميليشيات عراقيّة حاربت العراق، من منطلق مذهبي، انطلاقاً من الأراضي الإيرانيّة طوال حرب السنوات الثماني.

 

كلما مرّ يوم يتأكّد أن “الحشد الشعبي”، الذي يجمع بين هذه الميليشيات، يمثّل مستقبل العراق، وأنّ ممارسات حكومة محمّد شياع السوداني انعكاس لهذا الواقع لا أكثر. تبدو الحكومة العراقية الحالية انعكاساً لهذا الواقع، خصوصاً بعد القضاء على الهامش المرتبط بإعادة الحياة إلى الشعور الوطني العراقي، وهو هامش سعى رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي إلى إيجاده وفشل في ذلك. دفع الكاظمي، ولا يزال يدفع، ثمن هذا الفشل وثمن التجرؤ على البحث في إمكان إحياء مثل هذا الشعور الوطني العراقي المرفوض إيرانياً. في النهاية، لم تستول إيران على العراق، بواسطة “الحرس الثوري” وميليشياته العراقيّة، من أجل السماح بأن يكون العراق بلداً مستقلاً يمتلك قراراً خاصاً به.

 

ليس مسموحاً لدى الدول العربيّة التي تحكمها الميليشيات الموالية لإيران بامتلاك أي هامش للمناورة. يبقى النظام السوري القائم خير مثال على ذلك. مسموح فقط، للنظام في سوريا، بالتحرّك في دائرة يرسمها “الحرس الثوري” الإيراني. مسموح له فقط بالقضاء على كلّ مؤسسة رسميّة ذات تاريخ عريق قائمة في سوريا بصفة كونها دولة من الدول الأربع التي تحكمها إيران. من يستغرب مثل هذا الكلام، يستطيع الذهاب إلى ما يشهده اليمن حيث يعد عبد الملك الحوثي بنظام جديد بعد تسع سنوات من وضع يده على صنعاء في 21 أيلول 2014. كانت هذه السنوات التسع كافية كي يقول زعيم الحوثيين إنّ الكيان الإيراني الموجود في اليمن وجد ليبقى، على أن تبقى معه حال البؤس التي يعانيها اليمنيون على كلّ الصعد.

 

ليس الفراغ السياسي في لبنان سوى جزء من المشروع التوسّعي الإيراني الذي يقوده “الحرس الثوري” الإيراني. لم يعد السؤال هل من مستقبل للعراق وسوريا ولبنان واليمن. السؤال إلى متى يمكن أن يستمر نظام ليس ما لديه ما يقدّمه للإيرانيين في الداخل الإيراني باستثناء أنّه صار قادراً على تشكيل ميليشيات مذهبيّة تستطيع القضاء على هذه الدولة العربيّة أو تلك؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى