الإسلام «كنيسة غير مرئية»
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

الجريدة –

أغلب الدراسات التي تناولت تاريخ الإسلام وطبيعة العلاقة بين السياسة والدين، قامت على فكرة جوهرية هي أن الإسلام لا يسمح ببناء مجال سياسي مستقل عن السلطة الدينية، وبالتالي يشكل عائقاً أمام قيام دولة مدنية.

حول تلك الإشكالية وجدت في كتاب الدكتور مكرم عباس مدير المركز الفرنسي للأبحاث والآثار في الكويت وشبه الجزيرة العربية، وأستاذ الدراسات العربية في دار المعلمين العليا بجامعة ليون بفرنسا، ما كنت أبحث عنه، وتعرفنا على قامة فكرية وثقافية أغنت البيئة الخليجية والعربية بكتاباتها وأبحاثها، فذهب الباحث الفرنسي من أصل تونسي والذي يجيد اللغة العربية إلى التعمق في دراسة الفكر السياسي الإسلامي والذي أنتج ثلاث طرق لفهم السياسة:

الأولى: أن كتابات مؤلفي «الآداب السلطانية» ركزوا على القيم والحاجة إلى الحكمة.

الثانية: أن الفقهاء انشغلوا بإشكالية الفتنة، وبالغوا بأولوية الأمن وانتظام المجتمع إلى درجة تسويغ الاستبداد ومنحة الشرعية باسم الدين.

الثالثة: طريق الفلاسفة الذين استلهموا المسألة السياسية من منظور القانون الطبيعي وكمالات الإنسان.

أهم ما في الكتاب المترجم من الفرنسية إلى العربية الخلاصات التي انتهى إليها، وهي أن كتّاب الآداب السلطانية كانوا يقفون إلى جانب العدل ويتخذونه محوراً في صياغة آداب رجل السياسة، في حين الفقهاء حبذوا استبداد السلطة لما فيها من فائدة حفظ الأمن، في حين وقف الفقهاء إلى جانب الخير وفكرة الكمال.

أراد المؤلف أن يدحض نظرية عالم الاجتماع الألماني «ماكس فيبر» والقائل إن الإسلام «كنيسة غير مرئية» وإنه لا مجال لبناء دولة مدنية مستقلة عن السلطة الدينية.

يقول الدكتور مكرم عباس إن نمط الحياة الدينية الذي طوره الإسلام لم يهمل تثمير الحياة الدنيا، وكتابه لم يرتكز على التجربة النبوية، بل تجاوز تلك المرحلة على دراسة التجربة التاريخية وما أثمرته من فكر سياسي فيما بعد عصر الخلافة الراشدة.

أطروحات عدة تناولت الفكر السياسي لعصر الإسلام الكلاسيكي، معظمها تؤكد على الأصل الإلهي للسلطة في الإسلام وتجعل منه السمة الكبرى المميزة لفكره السياسي.

الخلط بين السياسة والدين في الإسلام أظهرته أنه معيق لكل محاولة بناء سياسي حر يستند إلى سلطة بشرية، على خلاف الغرب، حيث استطاعت المسيحية أن تجعل من الممكن ولادة فضاء سياسي مستقل.

سبق لعدد من المفكرين العرب أن تناولوا هذا الموضوع مثل الدكتور محمد عمارة «الإسلام والسياسة» وحسن الترابي «السياسة والحكم» ومحمد عابد الجابري «العقل السياسي العربي».

مفهوم الدولة في الإسلام، وفي المجتمعات الإسلامية مسألة خلافية حادة ولم تكن على الدوام مستقرة على قواعد ثابتة منذ دولة الخلافة الأولى حتى مرحلة دولة خلافة العهد العثماني بل كانت مختلفة.

مقاربات مختلفة، حول الروابط بين السياسة والدين في الإسلام أو النظر في شروط ظهور العلمانية في المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة، فهذه الدراسات تؤكد أنه لا يوجد مفهوم سياسي مخصوص بالإسلام، وأن الغرب المسيحي أنتج نماذج انصهار بين السياسة والدين بقدر ما أنتج نماذج فصل بينهما..

أستعيد ما كتبه المفكر والأستاذ الجامعي الصديق د.عبدالحميد الأنصاري بشأن العلمانية في عالمنا العربي، وقوله إننا أسرفنا في استثمار الدين في سوق السياسة، ليطرح سؤالا آخر، هل حقاً أن العلمانية معادية للإسلام بالمطلق؟ يرى أننا نحتاج من العناصر الإيجابية في العلمانية وتلك التي حققت للدول التي تبنتها ما تنعم به من ازدهار اقتصادي وتفوق علمي ومعرفي وتقني وعسكري، وجودة حياة ومعيشة كريمة، وهي التي جعلت ملايين المسلمين يحلمون بالهجرة إليها.

العلمانية كما يراها مفهوم أسيء فهمه في دنيا العرب والمسلمين لسببين، التوظيف السياسي وردة فعل لتطرف التطبيق الأتاتوركي.

Back to top button