ماذا فعل «الطوفان» بالمستوطنين والاستيطان؟
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
من أكثر الأطراف تضرراً في معركة «طوفان الأقصى» هم المستوطنون، فقد تعرض هؤلاء للتهجير والإجلاء القسري من مستوطناتهم التي أقيمت في منطقة «غلاف غزة» وحتى في الجليل الأعلى المتاخم للحدود مع لبنان، فما الخسائر التي نتجت عن حرب غزة حتى كتابة هذا المقال؟
أولاً: فقدان الأمن وثقة المستوطنين بدولتهم وحكومتهم التي تخلت عن حمايتهم، وفي ساعات محدودة كانوا في مهب الريح.
ثانياً: تحولت المناطق العازلة للمستوطنين إلى أماكن مهجورة بعدما كانوا يشكلون دروعاً بشرية تجاه قطاع غزة وغيره.
ثالثا: إعادة النظر في سياسة الاستيطان وربما التوقف عن بناء مستوطنات جديدة كانت متاخمة لمناطق آمنة بالمفهوم الإسرائيلي، تغيرت الآن بعد العملية البطولية لشباب غزة.
رابعاً: توسيع الهوة بين اليهود الشرقيين «السفارديم» والفقراء الإسرائيليين ساكني المستوطنات وبين اليهود الأشكناز من ذوي الدم الأوروبي الأزرق.
خامساً: خسارة اليمين المتطرف قسما كبيرا من جمهوره القابع في تلك المستوطنات بعد الصدمة التي واجهتهم وأدت إلى إجلائهم لمناطق أكثر أماناً.
وعودة إلى السؤال الأساسي: ماذا فعل «الطوفان» بالمستوطنين؟ نرى أن خط الدفاع العسكري الأول سقط من المواجهة، أي المستوطنات التي أقيمت لهذا الغرض والمعروفة باسم «غلاف غزة»، وهي منطقة عازلة أنشأتها إسرائيل على طول الحدود البرية مع القطاع بعد انسحابها منه عام 2005، وعددها 50 مستوطنة، تغطي نحو 40 كلم من محيط القطاع، فيها نحو 55 ألف مستوطن، تدار من قبل «مجالس إقليمية» تتبع الحكومة الإسرائيلية.
ماذا حصل بعد ذلك؟
أقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي على إجلاء قسم كبير من سكان «غلاف غزة» البالغ عددهم 37 ألف يهودي والمحاذين للقطاع بعدما تعرضوا إلى عمليات خطف وهروب، وهذا يعني أن موضوع المستوطنات سيطرح للنقاش داخل أروقة حكومة نتنياهو، وقد يصل الأمر إلى اتخاذ قرار بإخلاء تلك المستوطنات، كما حصل عام 2005 عندما قررت حكومة إسرائيل إخلاء 25 مستوطنة يقطنها 8500 مستوطن منهية بذلك الوجود الاستيطاني الإسرائيلي بالفعل، وتزامناً مع إنهاء الحكم العسكري بغزة وقبلها أخلت مستوطنات سيناء وانسحبت منها.
إخلاء 50 مستوطنة من «غلاف غزة» يسكنها 55 ألف مستوطن مسألة فيها نظر، وإذا تحقق شيء منها فسنكون أمام واقع جديد قد ينسحب على واقع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، فإسرائيل تستخدم المستوطنات لإجهاض فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فماذا إذا تغيرت هذه المعادلة ولم تعد صالحة للقياس عليها، بعد «الطوفان»؟
هناك نحو 503 مستوطنات بالضفة الغربية والقدس فيها أكثر من مليون مستوطن، هؤلاء الغرباء عن الأرض عبارة عن دروع بشرية لجأت إليهم إسرائيل لتقطيع أوصال الضفة والقدس، ولخلق عازل سكاني مع محيطهم الجغرافي بعد أن تحولت هذه «البؤر» إلى جدار من التجمعات الحضرية والسكانية بهدف تغيير الديمغرافيا والجغرافيا في الأرض الفلسطينية المحتلة، والخطورة أن المستوطنين لديهم معدلات ولادة تساوي 3 أضعاف المواطنين الإسرائيليين في المدن، فالإسرائيليات ينجبن 3.1 أطفال بينما الفلسطينيات ينجبن 3.2 أطفال.
والمشروع الاستيطاني في الضفة والقدس مرعب بواقعه ونتائجه ومستقبله على الحل الفلسطيني المأمول، فمثلاً «الطرق الالتفافية» بلغت 800 كيلو متر مربع، مسوّرة بحواجز عسكرية وأمنية مزّقت «الوحدة الجغرافية» للقرى والمدن الفلسطينية، بحيث باتت معزولة ومحاطة بجيوش من المستوطنين المسلحين والمحميين بنقاط مراقبة دائمة، وإزاء هذا الواقع هل ما ينطبق على غلاف غزة لا يصلح في الضفة والقدس؟ لننتظر حتى نرى.