اجعل حياتك أجمل.. بعيداً عن الخرف!
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
بدأتُ مؤخراً، وأنا أقترب من الثمانين حثيثاً، بتعلّم لغتي الأجنبية الرابعة، ولو أن درجة إتقاني لكل منها متفاوت بشكل كبير.
خلال تعلّمي للأسبانية قبل بضعة أسابيع، وجدتها سهلة لسببين: احتواؤها على كلمات كثيرة أعرفها، ومنها ما هو دارج في بيئتنا، مثل السباط والبنطلون والزيتون والسكر والقميص والميز، ومنها ما هو مشترك مع العربية أو الفارسية أو الفرنسية أو الإنكليزية، وغيرها الكثير. كما أنها لغة سهلة في الكتابة، فطريقة لفظ كلماتها هي غالباً نفس طريقة كتابتها، وهذه ميزة لم أجدها في اللغات الأخرى التي أعرفها، وطالما شكوت لنفسي من ضعفي في «الإملاء»!
يبلغ عدد المتحدثين بالأسبانية قرابة 500 مليون، وهي لغة أكثر من 20 دولة. كما توجد جالية ضخمة في الولايات المتحدة تتحدّث بها، إضافة لسكان بورتوريكو.
***
عرف العالم في العقود القليلة الماضية فقط فوائد التحدّث بأكثر من لغة، فقد كان الاعتقاد بأن تعليم الطفل لغة ثانية يعيق نمو ملكات الإدراك لديه، وتبيّن عدم صحة ذلك، وأن التحدّث بأكثر من لغة له فوائد عملية واضحة في عالم يزداد عولمة، كما هي نعمة مقنّعة، فالانتقال من التحدّث بلغة إلى غيرها، يجبر الدماغ على حل الصراع الداخلي، مما يمنحه تمرينا يقوي عضلاته الإدراكية. كما وجد العلماء أن للأمر مزايا أخرى، بخلاف ما ذكر، حيث يعطي المتحدث بلغتين قدرة على التواصل مع مجموعة واسعة من الناس. كما أن ثنائي اللغة أكثر مهارة، بشكل عام، من أحادي اللغة في حل أنواع معينة من الألغاز العقلية. كما أن كونك شخصاً ثنائي اللغة يجعلك أكثر ذكاء، على الأقل في عيون الآخرين. كما أن إتقان لغات أخرى له تأثير عميق في العقل، حيث يعمل على تحسين المهارات المعرفية غير المتعلقة باللغة، وحتى الحماية من الخرف في سن الشيخوخة. ومعرفة لغة ثانية تحسّن من ملكة القراءة والقدرة على الوصف. فاللغة الروسية مثلاً غنية بتعدد أسماء درجات اللون الواحد فيها مقارنة بغيرها، وبالتالي بإمكان المتحدث بها وصف لون سيارة مثلاً بدقة تزيد على غير المتحدث بها.
كما يتصف ثنائيو اللغة بدرجة أكبر من الانتباه، الذي يستخدم للتخطيط، وحل المشاكل، وأداء مختلف المهام الأخرى، التي تتطلب جهداً عقلياً، وتذكّر الاتجاهات، بطريقة أفضل، أثناء القيادة مثلاً.
كما أن ثنائية اللغة تؤثر في الدماغ من مرحلة الطفولة إلى الشيخوخة، وهناك سبب للاعتقاد بأنها قد تنطبق أيضاً على أولئك الذين يتعلمون لغة ثانية في وقت لاحق من حياتهم.
ففي دراسة حديثة أجريت على عدد من كبار السن، الذين يتحدثون الأسبانية والإنكليزية، وجد العلماء أن الأفراد الذين لديهم درجة أعلى من ثنائية اللغة كانوا أكثر مقاومة من غيرهم لظهور الخرف وألزهايمر! فكلما ارتفعت درجة ثنائية اللغة تأخّر ظهور المرض.
كما أن تعلّم لغة ثانية أو جديدة يحفّز الدماغ والانتباه، ويوسّع من فرص إيجاد وظيفة أو عمل جيد، ويعزّز الإبداع، ويحسّن الذاكرة، ويجعل السفر للدول التي تعرف لغتها أكثر أماناً ومتعة.