“الطوفان” وغزة والساحات… معركة في حرب تحرير
بقلم: رفيق خوري

حديث الحرس الثوري عن التحرير خلال سبع دقائق ونصف استهلك قرناً وأجيالاً

النشرة الدولية –

حرب غزة تتوسع بالتدرج وسط محاولات عربية ودولية للحيلولة دون توسعها، ولا شيء يوحي أن إسرائيل مستعدة للإصغاء إلى الدعوات لوقف النار أو أقله للتوقف عن استهداف المدنيين.

ولا أحد يستطيع الجزم بتأكيد ما يعنيه تبادل القصف بين “حزب الله” وإسرائيل، وهل هو مجرد جهد لإشغال العدو بما يخفف شيئاً عن الجبهة في غزة أو أنه بداية جبهة مفتوحة في حرب ضمن “وحدة الساحات” من أجل هدف أكبر.

لكن الصورة صارت واضحة بلا ظلال، فأميركا نزلت إلى الملعب في الجانب الإسرائيلي، وإيران والفصائل المرتبطة بها نزلت إلى الملعب في الجانب الفلسطيني الذي تتولاه حركة “حماس” ومعها حركة “الجهاد الإسلامي”.

وواشنطن ترسم الخطوط الحمر، وطهران تحدد الخطوط الحمر، واللعبة تتجاوز الخطوط الحمر، وبقية الدول في موقع المستعد للوساطة والمطالبة بوقف النار، أو مرسل المساعدات أو المتفرج، ذلك أن عملية “حماس” المزلزلة ليست مجرد عملية عسكرية ناجحة بمقدار ما هي معركة مهمة في حرب. فلا أحد يقتحم براً وبحراً وجواً بأكثر من ألف مقاتل المستوطنات والمراكز العسكرية في غلاف غزة من دون هدف استراتيجي يتجاوز إذلال العدو وتكبيده خسائر هائلة والاستعداد لمواجهة قدرته على الإيذاء والتدمير. فالحسابات الاستراتيجية تقضي بأن تكون “عملية حماس” معركة في حرب تحرير طويلة، لا ورقة في لعبة بين أميركا وإيران، وليس في حروب التحرير سوى معارك ضمن هدف استراتيجي كبير في الصراع المباشر بين طرفين، وهي تخاض عادة على مستويين، واحد عسكري وأمني وسياسي، وآخر إعلامي.

وفي مثل هذه الحروب “يفوز من تربح قصته”، كما يقول البروفيسور جوزف ناي الذي صك تعبير “القوة الخشنة والقوة الناعمة”.

أميركا خسرت حرب فيتنام في واشنطن قبل سايغون عندما تنامى مد المعارضين للحرب، وفرنسا خسرت حرب الجزائر في باريس قبل الجزائر، وأنقذها الجنرال ديغول عبر التفاوض مع جبهة التحرير الوطني الجزائري و”صلح الشجعان”.

هجوم “تيت” الكبير في حرب فيتنام كان معركة “الفيتكونغ” وهانوي المدعومتين من الاتحاد السوفياتي والصين، وكان ضمن التقدير أن واشنطن ستجن وترسل مئات الآلاف إلى سايغون وتقصف هانوي ولاوس، لكنهم كانوا يخططون لمعارك ما بعدها والتي انتهت بهرب أميركا من سايغون وسقوط النظام في فيتنام الجنوبية وإعادة توحيد فيتنام.

والسؤال هو، ماذا عن حسابات “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”حزب الله” والفصائل المستعدة للانضمام إلى الحرب على جبهات عدة بدعم إيراني كبير؟، ما هي كلفة العمل على تحرير فلسطين في مواجهة إسرائيل وأميركا وحرص أوروبي وروسي وصيني على بقاء الدولة العبرية؟، ماذا عن المناخ الرسمي العربي البارد ما بين اتفاقات السلام و”اتفاقات أبراهام” والتطبيع تحت الطاولة؟، كيف ستخرج غزة من الحرب؟، وإلى أي حد يمكن أن تتطور عمليات المقاومة المحدودة في الضفة الغربية وأن تبدأ داخل الخط الأخضر؟، وهل هناك فرصة لتدخل إيراني مباشر بدل الحرب بالوكالة؟

الصراع العربي- الإسرائيلي الذي قاد إلى حروب تحرير وحروب “إزالة آثار العدوان” عاد للأساس، وهو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وليس أمراً قليل الدلالات أن يدار كأنه صراع إيراني-إسرائيلي ضمن اللعب بين واشنطن وطهران.

وإذا كانت إسرائيل المنقسمة بعمق توحدت في “حكومة طوارئ” و”حكومة حرب”، فإن الحد الأدنى هو مسارعة الفصائل الفلسطينية إلى وحدة الموقف وتجاوز الانفصال بين الضفة بقيادة “فتح” وغزة بقيادة “حماس” والانتقال من حكومتين مختلفتين إلى حكومة واحدة للسلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً. والتطورات سريعة والمواقف متدحرجة، ولا سلام ولا استقرار في الإقليم من دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه ويمارسها في دولة مستقلة. أما التحرير الذي يقول الحرس الثوري الإيراني إنه ممكن خلال “سبع دقائق ونصف”، فإنه استهلك قرناً وأجيالاً، ولا يزال قضية أجيال وتضحيات هائلة.

Back to top button