التغيّر المناخي وشح المياه يهددان الشرق الأوسط
النشرة الدولية –
الديار – شانتال عاصي –
يعتبر شح المياه واحد من أبرز التحديات الإنمائية الأكثر إلحاحاً في عصرنا. في الوقت الحاضر، يعيش 2.4 مليار شخص في دول تعاني من نقص حاد في هذا المورد الأساسي. ومن بين هؤلاء الأفراد المتضررين، هناك نسبة كبيرة تضم صغار المزارعين الذين يواجهون بالفعل التحدي الهائل المتمثل في تأمين احتياجاتهم اليومية، بما في ذلك الوصول إلى مياه الشرب الآمنة، والغذاء، والمرافق الأساسية مثل النظافة والصرف الصحي. وتلعب الظواهر الجوية المتطرفة المتزايدة والمتكررة، وحالات الجفاف والفيضانات، تؤثر في أنظمتنا البيئية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة على الأمن الغذائي العالمي.
تغير المناخ وآثاره الكارثية في المياه
تحمل الاضطرابات البيئية عواقب وخيمة على الأمن الغذائي العالمي، فهي تعطل التوازن الدقيق للنظم الزراعية، مما يؤدي إلى انخفاض الغلة، ونقص الغذاء، وارتفاع الأسعار، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الجوع وسوء التغذية على نطاق عالمي.
تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اتجاها نحو الاحترار أسرع بمرتين من المتوسط العالمي بسبب آثار تغير المناخ. وإذا استمرت المنطقة في مسارها الحالي، فمن الممكن أن تصبح أكثر دفئا بمقدار أربع درجات مئوية بحلول عام 2050، وفقا لتقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي.
ويسلط التقرير الضوء على مدى تعرض المنطقة للصدمات المرتبطة بالمناخ، بما في ذلك قضايا مثل ندرة المياه، وفترات الجفاف الطويلة، وارتفاع مستويات التلوث، والمخاوف المستمرة من النفايات. ويؤكد كذلك أن العواقب غير المباشرة لتغير المناخ يمكن أن تعرض للخطر سبل عيش الإنسان والاستدامة البيئية في المنطقة. عندما يتعلق الأمر بدورها العالمي في مجال الطاقة، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتخلف مقارنة بمناطق العالم الأخرى، على الرغم من تأثيرها الكبير في ديناميكيات الطاقة العالمية. وهذا أمر جدير بالملاحظة بالنظر إلى أن المنطقة تمتلك ما يقرب من نصف احتياطيات النفط في العالم وتساهم بحوالى 30 في المائة من إنتاج النفط العالمي.
وفي عام 2022، شهدت المنطقة نزوح 14 مليون شخص بسبب هذه الأحداث الكارثية، ومن المتوقع أن ينخفض توافر المياه إلى أقل من 547 م 3 نصيب الفرد سنوياً بحلول عام 2050، وفقاً للتقرير. وبحسب مارون كيروز، مدير الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن المنطقة يمكن أن تتعرض لعواقب متعددة من شح المياه بحلول عام 2050، إذ سيتسبب بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة 14 في المئة.
ماذا عن الحلول؟
في حديث خاص لـ “الديار”، كشف الخبير البيئي البروفيسور “ضومط كامل” الحلول التي يجب اعتمادها لمواجهة موجات الجفاف التي قد نشهدها قريباً. فينبغي على الدول أن تتخذ خطوات استباقية لتخصيص الموارد من أجل تطوير نظم المعلومات والمؤسسات والبنية التحتية المصممة لتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات التي يفرضها الجفاف. وهذا يستلزم اتباع نهج متعدد الأوجه يشمل:
– أنظمة الرصد والإنذار المبكر: تنفيذ أنظمة مراقبة وإنذار مبكر قوية يمكنها اكتشاف العلامات المبكرة للجفاف. وتعد هذه الأنظمة ضرورية للتنبؤ وإصدار التنبيهات في الوقت المناسب، وتمكين الحكومات والمجتمعات وأصحاب المصلحة المعنيين من الاستعداد والاستجابة بفعالية.
– حلول البنية التحتية: الاستثمار في حلول البنية التحتية المختلفة للتخفيف من تأثير الجفاف. ويشمل ذلك تقنيات مثل تحلية المياه، وإعادة استخدام المياه، وبرامج إعادة التدوير، وتجميع مياه الأمطار. تعمل هذه الأساليب على تنويع وتعزيز إمدادات المياه في المنطقة، مما يقلل الاعتماد على المصادر الضعيفة خلال فترات الجفاف.
– المؤسسات والتخطيط: إنشاء مؤسسات وأطر تشريعية مخصصة لتعزيز الاستعداد والاستجابة للجفاف. ويمكن للتشريعات أن تحدد أدوار ومسؤوليات مختلف أصحاب المصلحة، مما يضمن خطوط واضحة للمساءلة أثناء حالات الطوارئ المتعلقة بالجفاف. وتسهم آليات التخطيط الملائمة في تحقيق استجابة أكثر تنسيقا وفعالية.
– تمويل المخاطر: تطوير آليات تمويل المخاطر المستهدفة التي تلبي احتياجات الفئات والقطاعات الأكثر ضعفا. ويمكن لهذه الأدوات المالية أن تقدم المساعدة والدعم لأولئك المتضررين بشكل غير متناسب من الجفاف، مثل المزارعين والمجتمعات المهمشة.
– التخطيط المنسق: تعزيز التخطيط المنسق على مستويات متعددة، والذي يشمل كلا من الاستجابات الطارئة قصيرة المدى واستراتيجيات الاستثمار طويلة المدى. ويضمن هذا النهج الشامل ألا تكون الاستجابة للجفاف تفاعلية فحسب، بل تتضمن أيضًا تدابير استباقية لبناء القدرة على الصمود مع مرور الوقت.
باختصار، إن النهج الشامل لمواجهة تحديات الجفاف ينطوي على مجموعة من التدابير الاستباقية، والرصد الفعال، وتنويع البنية التحتية، والأطر التشريعية السليمة، والتمويل المستهدف، والتخطيط المنسق بشكل جيد. تعمل هذه الاستراتيجيات بشكل جماعي على تمكين الدول من إدارة تأثيرات الجفاف بشكل أفضل، وضمان رفاهية سكانها واستدامة مواردها.