وتستمر المجزرة: ما هي السيناريوهات والتوقعات؟
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
استمرار ضغط مصر بثقلها الإقليمي وعلاقتها مع الفلسطينيين والإسرائيليين يسهم في تخفيف معاناة المحاصرين في غزة وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة
النشرة الدولية –
لليوم الـ13 على التوالي تنهمر الصواريخ ويستمر القصف وترتكب المجازر في غزة من دون هوادة، فقصف المستشفى الأهلي المعمداني جريمة حرب متكاملة الأركان، لكنها واحدة من جرائم حرب وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، ويبقى السؤال الأهم هو كيف يمكن إيقاف المجزرة التي تحظى بتأييد غربي واسع وغير مسبوق بقيادة الولايات المتحدة الأميركية؟ وإجراءات إعلامية وعسكرية ورقابية غربية تناقض مبادئ الحرية الليبرالية الغربية وحقوق الإنسان، فمنصات تابعة لـ “ميتا” على سبيل المثال أزالت كل ما كتب عن المساندة والتأييد للحق الفلسطيني، وكل مناشدة لوقف المجزرة أو إدانة لجرائم الحرب الإسرائيلية، وتحول المعتدي المحتل بوسائل الإعلام الرئيسة الغربية إلى ضحية “له الحق في الدفاع عن نفسه”.
لكن المأساة أعادت القضية الفلسطينية العادلة من جديد إلى واجهة الأحداث العالمية، فنسي العالم حرب روسيا – أوكرانيا، وتلاشت مأساة وحرب السودان الطاحنة من تصدر نشرات الأخبار، وتراجعت الانقلابات والحروب الأفريقية، كما لعب الإعلام الرقمي الجديد دوراً مؤثراً في توجيه الرأي العام العالمي نصرة للحق الفلسطيني.
الجبهة الشمالية على الحدود اللبنانية والسورية لم تفتح حتى الآن نصرة لأهالي غزة، وحتى كتابة هذه المقالة فإن المؤشرات توحي بتحرشات ومناوشات منضبطة بين “حزب الله” وإسرائيل، وبعض المراقبين يتوقعون بدعوة دول غربية مثل بريطانيا وكندا رعاياها إلى مغادرة لبنان أكثر من “المناوشات المنضبطة”، و”سلاح المقاومة” و”محور الممانعة” يتعرض منذ أسابيع لقصف إسرائيلي دوري على مطاري حلب ودمشق يخرجهما من الخدمة، ولا يعتقد المراقبون أن سلاح المقاومة الذي انهار لبنان من أجل عدم نزعه سيدخل المعركة بصورة شمولية، فقد دخل العدوان أسبوعه الثالث وسلاح المقاومة يتفرج وأطفال غزة يرددون “ما عقب هاليوم يوم يا سلاح المقاومة”.
الجبهة الشرقية التي طولها نحو 240 كيلومتراً ليست في وارد الاشتعال، فالأردن وقع “اتفاق عربة” عام 1994 بعد أن وقع الفلسطينيون “اتفاق أوسلو” عام 1993، وبعد أن أعلن الفريقان الأردني والفلسطيني أن “السلام خيار استراتيجي”، معلنين بذلك إسقاط بندقية المقاومة للأبد، ولا يرى الأردن أن لديه قدرة عسكرية لمواجهة الجيش الإسرائيلي، وليس هناك قرار حرب عربي قومي شامل يساند الأردن في حال فتح جبهته للحرب مع إسرائيل.
تبقى مصر الدولة الأهم والأكبر وصاحبة التاريخ والأمجاد في الحروب العربية والإسلامية، مصر التي كانت المآل لكل العرب وآخر الجبهات لصد الصليبيين والتتار والغزوات كافة التي أتت من الشمال والشرق على الأرض العربية، لكن مصر بين خيارات أحلاها أمر من العلقم، ومهما تبنت من هذه الخيارات فهي لن تسلَم من الشامتين والبكائين واللاطمين.
الأول استمرار الوضع على ما هو عليه وعدم القدرة على القيام بعمل فعال يخفف مأساة الفلسطينيين والمذبحة التي تجري على أسوار رفح، وهو سيناريو مرفوض مصرياً على جميع المستويات ولن يستمر طويلاً، ناهيك عن أنه لا يليق بمصر العروبة والأمجاد والتاريخ في مساندة الحق ولجم الباطل.
الثاني أن تسمح مصر للفلسطينيين بالنجاة بأنفسهم بفتح معبر رفح لهم إنقاذاً لحياتهم والشتات من جديد في صحراء سيناء، وهذا ما يريده نتنياهو والصهاينة المتطرفون بتفريغ غزة من سكانها وطردهم إلى صحراء سيناء، كما سيثير الاتهامات ضد مصر بأنها متواطئة مع مخطط التوطين والنكبة الجديدة للفلسطينيين، لأنه يعني لجوءاً فلسطينياً جديداً ومأساة مخيمات فلسطينية جديدة، وهو ما لن تقبل به مصر بأي حال من الأحوال.
الثالث هو دخول مصر في حرب مع إسرائيل وهذا ما ليس في وارد الحسابات لا المصرية ولا العربية، فتحريك الجيوش وناقلات الطائرات والأساطيل الغربية هدفه عدم توسيع الحرب ودخول أطراف جديدة فيها، ناهيك عن الأحوال الاقتصادية المصرية التي لا تسمح بدخول مصر في اقتصاد حرب خلال هذه المرحلة.
الرابع وهو الممكن حتى هذه اللحظة عملياً، وهو استمرار ضغط مصر بثقلها الإقليمي وعلاقتها بالفلسطينيين والإسرائيليين لتخفيف معاناة المحاصرين في غزة وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لهم، واستمرار الضغط الدبلوماسي المصري لوقف العدوان وتوقف المجزرة، وهو ما تقوم به القاهرة من دون توقف، فغدا سيعقد مؤتمر دولي هناك دعت إليه دول عربية عدة من بينها الكويت والسعودية، وغير عربية من بينها تركيا واليونان وإيطاليا وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وقد رأينا الغضب المصري في مقابلات المسؤولين المصريين مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وإلغاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن في عمّان كدلائل على صلابة الموقف المصري برفضه العدوان المستمر على غزة.
وكما هو معروف فإن جميع حروب غزة الماضية قد انتهت بطاولة وقف العدوان من القاهرة وليس من أي مكان آخر، “فكل الطرق تؤدي إلى القاهرة”.
استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة يكشف يوماً بعد آخر النفاق الغربي الرسمي حول مبادئ حقوق الإنسان ويعري المواقف الغربية الرسمية بالوقوف إلى جانب المحتل بذريعة “حق الدفاع عن النفس”، وهو منطق مقلوب ويلاقي استهزاء وسخرية وسخطاً من كل عاقل وإنسان لديه أدنى ذرة للمسؤولية الأخلاقية، أما “بالع الموس” الحقيقي بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها فهو بنيامين نتنياهو الذي يعرف بأنه بغض النظر عن كيفية انتهاء العدوان، ولعله أكثر من يتمنى استمراره بلا نهاية، فإن باب المحاسبة والمساءلة سيفتح على مصراعيه: كيف تمت عملية “طوفان الأقصى”؟ أين “البيتاخون” (الأمن) الذي وعدت به ناخبيك منذ ترشحك لرئاسة الوزراء عام 1996؟ وكيف اخترقت الأسوار الحديدية والإلكترونية والترابية والقبة الحديدية؟ وكيف ستعيد الرهائن وأسرى الحرب لدى “حماس”؟ وما الثمن الذي ستدفعه في مقابل إطلاق سراح الرهائن والأسرى؟
علينا أن نتذكر أن الحرب لا تزال حامية الوطيس وأن العدوان مستمر والمأساة والمجازر مستمرة، ومن ثم فإن هذه القراءات أو أية استقراءات أخرى لما ستؤول إليه الأحوال ستسقط في حال اتساع الحرب، أو سلاح لم يخرج من أقبية غزة وأنفاقها بعد قد يقلب الموازين ويدخل المواجهة في فصل جديد لم يحسب أحد حسابه، فمن يدري؟ وبعد عملية “طوفان الأقصى” غير المسبوقة بنوعيتها وجرأتها فإن كل الاحتمالات واردة، وغداً لناظره قريب.