قطر أمم متحدة في الظل
بقلم: صالح الراشد

حدد الخبراء سبع عجائب في العالم، وأخذت كل دولة تتباهى بوجود مظهر سياحي تروج له حتى يتسابق سكان العالم لزيارته ، وأكثر المروجون من سرد القصص التاريخية والخرافية عن هذه العجائب لصناعة هالة من القداسة وأخرى من الرعب لجعلها قبلة للباحثين عن الجمال كسور الصين العظيم، والغموض على طريقة الأهرامات المصرية والابداع كالبتراء الأردنية، وقلما جمعت إحدى العجائب ثلاثية العجب القائمة على الغموض والجمال والإبداع.

وفشلت الحضارات القديمة بنيل جائزة التفوق الشمولي رغم تفوقها في مجالات متعددة، لتظهر دولة قطر في العصر الحديث كأعجوبة أولى في التاريخ الانساني، ليس بسبب ملاعبها الأجمل في العالم ولا بسبب تنظيمها الخرافي لكأس العالم لكرة القدم، وقد يعتقد البعض ان السبب يعود لأبراجها العديدة التي تُعانق السماء او شواطئها الساحرة أو المال الوفير لديها، وجميعهم خاب ظنهم فسبب التصنيف الجديد هو قدرتها على التعامل مع الأضداد بطريقة نموذجية لتنال ثقتهم واحترامهم وتملك علاقات منظمة معهم جميعا.

فقطر حليف قوي للولايات المتحدة الأمريكية التي تملك قواعد عسكرية متعددة في قطر الصديق المقرب من الدول الأوروبية، وهي أيضاً حليف لروسيا وأوكرانيا بذات الوقت رغم ان جميع هذه الدول تخوض حروباً في أوكرانيا، وقطر صديق لإيران العدو الجديد لواشنطن بل ان قطر تدخلت لاطلاق سراح أسرى أمريكيين مقابل المال من طهران، وحتى في التركيبة الخلافية الدينية بين السنة والشيعة تملك قطر علاقات نموذجية مع جميع الدول التي تتبنى هذه العقائد، كما استعادات علاقتها المتينة مع السعودية التي قاطعتها سابقهاً وحافظت على علاقات متواصلة مع مصر، وبذات الوقت تزايدت قوة علاقاتها مع تركيا النقيض السياسي للسعودية ومصر سابقاً في وقت كانت الموجهات الإعلامية بين هذه الدول على أشدها.

ولم تتوقف السياسة القطرية عند هذا الحد، فهي أهم حليف للحركات الاسلامية في شتى الدول وبالذات غزة، وفي ذات الوقت تملك القدرة على التعامل مع الكيان الصهيوني من خلال إدخال المال لدعم الأهالي في القطاع، وهذا أمر في غاية الصعوبة، بل قادت مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية ونجحت بامتياز في وقت ظن الكثيرون ان هذا أمر مستحيل، كما قامت السياسة القطرية في التصدي لقضايا في افغانستان والولايات المتحدة وفي افريقيا، لتصل هذه الدولة الصغيرة لشتى مناطق العالم ولتصبح بحجم الدول الكبرى بفضل قدرتها على دراسة القضايا واستخدام التفاصيل الصغيرة، واستغلال حجم قناة الجزيرة الأكبر في منطقة افريقيا والشرق الأوسط، لتتضخم حتى تصبح الأعجوبة الأولى بسلاحها الذي هو ليس الغاز والثروات بل القدرات والدراسة الواقعية لأحوال العالم لتصبح مركزه.

آخر الكلام:

أثبتت قطر أن تأثير الدول ليس مرتبط بقوة الجيوش ولا الثروات بل بالكفاءات الفكرية المبنية على تحديد طرق العلاقات والتركيز على الايجابيات منها ونبذ السلبيات، لتتمدد قطر أضعاف حجمها لتتسع للبشرية جمعاء وتتحول لأمم متحدة في الظل قادرة على تنفيذ كل ما يفشل المجتمع الدولي عن تحقيقه

Back to top button