ما الذي تغير بين حربي غزة؟
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

الجريدة –

تراجع أو كاد يتوارى عن الأنظار وجه «الرئيس أردوغان الثوري» في «حرب غزة»، فقد غابت خطاباته النارية ولم يعد لها وجود، ولم نكد نسمع صوته بالأمس يندد ويحذر، بعكس ما عهدناه منه في السابق.

 

ما الذي تغيّر إذاً؟

 

رجل دولة بكل معنى الكلمة، فاز في انتخابات الرئاسة 2023 بالجولة الثانية وبصعوبة بالغة، وهي المدة الثالثة الذي يتوج فيها «سلطاناً» على تركيا بنظام رئاسي يملك فيه صلاحيات مطلقة وواسعة، وأقرب وصف له أنه «براغماتي»، أي أنه من النوع الذي يتعامل مع المشكلات بطريقة عملية تخدم مصالح بلده، لا علاقة لها بالنظريات والشعارات الرنانة، بمعنى عندما يجد مصلحة للنظام تراه يستدير نحوها وبمرونة بالغة معتمداً على «فلسفة الذرائع»، أي التفتيش عن لغة العلاقات والمصالح وتوظيفها بشكل يناسب ويخدم السياسات التي يتبعها.

 

نتذكر اليوم موقف تركيا الشجاع عام 2014 وماذا فعلت لفك الحصار عن غزة المفروض عليها منذ عام 2006، وإرسالها سفينة «مرمرة» لنقل مساعدات إنسانية للمحاصرين هناك، وتعرض السفينة إلى اعتداء إسرائيلي أدى إلى مقتل عشرة مواطنين أتراك، المهم أن العلاقة بقيت مقطوعة بين البلدين 6 سنوات لتعود إلى مجراها الطبيعي بعد ذلك.

 

في الحرب الحالية كان صوت الدبلوماسية التركية هادئاً، وإن بدت في خطابها الخارجي «حمامة سلام» إما «حرب أكبر» أو «سلام تاريخي»، والبراغماتية التي اتبعها «خليفة المسلمين» نجحت في أكثر من محطة وأخفقت في غيرها، واستطاع أن ينقل بلاده وسط حقول من الألغام إلى حيث الاستقرار، ففي الملف السوري فتح تركيا للإخوان المسلمين وتوابعهم وفرش لهم السجاد والرياحين، وكانت تركيا ملجأ لمعظم القيادات التابعة للإخوان بعد أحداث الربيع العربي، وكما يتردد، ركب «موجة الإخوان» إلى الرمق الأخير وفي اللحظة المناسبة قطع شعرة معاوية ليعيد علاقات بلاده مع مصر والسعودية والإمارات ويتصالح معهم بعقود وصفقات مليارية.

 

وفي الملف الٍإسرائيلي الشائك لم تبتعد تركيا عن إسرائيل بل بقيت المصالح المشتركة والمتشابكة هي الغالبة، في الاقتصاد والعسكر والأمن، وإن تعارضت معها في تقاطعات معينة كما حصل أثناء حصار غزة عام 2014، عندما ارتدت الكوفية الفلسطينية وراحت تلعلع في سماء العرب والمسلمين حتى أصبحت قبلتهم وبات أردوغان «زعيماً إسلامياً» بامتياز، وبما أن القاعدة الإنكليزية تقول «لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة»، لذلك خفت الصوت التركي هذه المرة، نظراً لحاجة تركيا إلى الدور والموقع الإسرائيلي في الممرات الاقتصادية القادمة إلى أوروبا وخطوط نقل الغاز ومشاريع الشرق الأوسط الجديد، كل تلك الأمور تحتم على اللاعب التركي الاستفادة من ميزاتها وحتى لا يطوله التهميش أو تكون على حساب مصالحه العليا.

زر الذهاب إلى الأعلى