“آلة” الموت في غزة تحرم ذوي الضحايا من الحزن والمواساة
عائلات حذفت من السجل المدني وأخرى تنتظر دفن موتاها والنساء يعشن الألم مضاعفاً
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – نيرمين علي
تتوارى قصص كثيرة وراء الأحداث العامة المتلاحقة لحرب غزة، فغالباً ما تأتي الأخبار معلنة عن دمار في منطقة ما مرفقة بأعداد القتلى والجرحى، من دون تسليط ضوء على القصص الفردية، وهذا أمر يحتمه حجم الأحداث وتسارعها وفي كثير من الأحيان قلة المعلومات الواردة وتضاربها، فضلاً عن الانقطاع الجزئي لطرق التواصل والاتصال، لذا يظل المتابع يتنقل طوال الوقت بين العناوين العريضة بعيداً من الحكايات الفردية، لكن الأكيد أن لكل شخص حكاية تستحق أن تروى.
وفي حين يبدو الوصول إلى القصص الفردية صعباً أو شبه مستحيل حالياً، إلا أننا إذا ما أردنا الخوض أعمق قليلاً في ما وراء هذه العناوين، نجد قصصاً تشمل مجموعة أشخاص ظروفهم متشابهة إلى حد ما، الأسر والنساء الحوامل والأطفال الرضع.
لا دفن ولا عزاء
وإذا كان العالم يترقب هدنة لإيقاف القتل وإدخال المساعدات، فالغزيون ينتظرون بفارغ الصبر أي مبادرة من هذا النوع لانتشال عوائلهم من تحت الأنقاض ودفنهم كما يليق بهم، فاليوم يحرم الغزيون حتى من مراسم الدفن والعزاء ويمنعون من الحزن الذي يقود تدريجاً إلى استيعاب الصدمة، وتفوتهم فترة الحداد والمواساة.
فقبل أيام كان هؤلاء الضحايا يتواصلون مع أحبائهم وأقربائهم خارج فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث في الأمور الحياتية واليومية، حياة طبيعية سرد تفاصيلها أقرباؤهم وكيف تحولت إلى مأساة حقيقية.
واليوم يدفنون بصورة جماعية لعدم القدرة على التعرف إلى الجثث، وأصبح الأحياء يسلمون للموت قبل حدوثه، ويختارون طريقة دفنهم محاولين استبعاد طريقة الدفن الجماعية بكتابة أسمائهم على أماكن عدة ظاهرة في أجسادهم حتى يتم التعرف إليهم بسهولة لحظة انتشال جثثهم.
عوائل كاملة مسحت من السجل المدني
ويمكننا القول إن آلة الموت لم تتوقف وما زالت تحصد القتلى بعد 43 يوماً على بدء الحرب التي أدت بحسب وزارة الصحة في القطاع، إلى مقتل ما يزيد على 12 ألف فلسطيني في غزة جراء القصف الإسرائيلي، ثلثهم من الأطفال وأكثر من 3 آلاف امرأة. لكن اللافت استهداف عائلات بأكملها، مما يبرر عبارات يتناقلها الفلسطينيون على وسائل التواصل الاجتماعي، ففي تدوينة لضياء على منصة “إكس” تكتب، “قال لي أخي محمد جملة والله لا أقوى على قولها أبداً، ’من الجيد أنك خارج البلد يا ضياء لتبقى العائلة ولا يُمحى أثرها‘”، ليرد عليه معتصم، “بات من الضروري أن يكون لكل عائلة فلسطينية ولد مغترب في الخارج”.
يتحدث الشابان عن مأساة تواجه العائلات الفلسطينية منذ أعوام طويلة، تكشف عنها اليوم وزارة الصحة في قطاع غزة بالإعلان عن أن عشرات العائلات “محيت بالكامل من السجل المدني” جراء القصف الإسرائيلي الأخير على القطاع، بينما يغرد حسن مطر بعد انقطاع أكثر من أسبوع، “لقد مُسحت 55 عائلة من السجل المدني حتى الآن!”، وهناك ما يقارب 123 عائلة غزّية قتلت غالبية أفرادها.
يذكر أن هذا النهج ذاته في استهداف العائلات كررته إسرائيل في حروبها الماضية ضد الفلسطينيين بين عامي 2006 و2014، حتى أنه في بعض الأحيان لا يسلم أي فرد من العائلة.
وعلى رغم قسوة هذه المعلومات، إلا أن الأمر لا يقتصر في الحقيقة على المولودين فقط، بل يطاول أيضاً الأجنة في أرحام الأمهات.
نساء غزة ألم مضاعف
ففي الحرب، حين يتولى الرجال مهمة حماية أفراد الأسرة ومتابعة تفاصيل القتال والمشاركة فيه أحياناً، تأتي حكايات النساء مختلفة بعض الشيء، وفي غزة حكاية النساء غاية في القسوة، بخاصة إذا ما علمنا أن هناك حوالى 55 ألف امرأة حامل في غزة، يتوقع بحسب إحصاءات صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن يحين موعد ولادة نحو 5500 منهن خلال الأسابيع المقبلة، ولا حاجة للحديث عن التحديات التي يواجهنها في الوقت الحالي مع انعدام الرعاية الصحية والظروف العامة التي تزداد سوءاً مع الوقت. فمن الصعب تخيل ما يمكن أن يلحق بالسيدات من مضاعفات وعذابات واحتمال ولادة مبكرة أو حتى إجهاض في ظروف نفسية وجسدية قاسية، فنساء غزة يلدن في ظروف تزيد وتفاقم أعراض الولادة القاسية، كما يزيد الخوف والهلع وانعدام الأمان من التوتر النفسي وردود الفعل اللاإرادية.