مهرجان النهام الخليجي يعود بالذاكرة لزمن “اللؤلؤ والمرجان”

تقام التظاهرة الفنية بالسعودية للمرة الأولى وتأتي لتخليد ذكريات البحارة ورحلاتهم عبر البحار

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – نورة النعيمي

النهمة فن خليجي ولون غنائي من ألوان الفلكلور الشعبي ارتبط برحلات البحر منذ القدم، وأصبح فناً بحرياً بقواعده الموسيقية والشعرية، وازدهر في سواحل الخليج في فترة الغوص لاستخراج اللؤلؤ، فنسجت الفنون حوله ولحنت الألحان من أجله.

وبهدف إعادة إحياء هذا الفن وحمايته من الاندثار أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية الجمعة الماضي ولمدة سبعة أيام مهرجان النهام بمنتزه الملك عبدالله الواجهة البحرية بالدمام في نسخته الأولى، لتستعيد فيه أهازيج زمن الغوص، وتستحضر حقبة اجتماعية واقتصادية عاشتها دول الخليج العربي، ويسترجع فيها نهامو الخليج وثيقة تاريخية يمثلها فن النهمة الشاهد الفني على مرحلة ما قبل اكتشاف النفط.

صون التراث البحري

ويسعى المهرجان إلى المحافظة على الفنون الأدائية البحرية وتقوية إمكانات التعاون في الفنون الأدائية، وتعزيز ترابط المجتمعات الخليجية من خلال فعاليات بهيجة امتزجت بأصالة التراث وذكرى الأجداد في عروض حية تنبض بالأصالة، وتركز على التفاصيل الدقيقة لحياة البحارة على ظهر المحامل “السفن” بكل ما تزخر به من جد وكفاح وعزيمة.

وقال الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية سلطان البازعي “يأتي مهرجان النهام ضمن جهود هيئة المسرح والفنون الأدائية لإثراء الحراك الثقافي في المنطقة الشرقية، وتعزيز حضور الفنون الأصيلة في المشهد الثقافي وتحفيز ذاكرة جيل الشباب لاستعادة ذكريات الأجداد، والتركيز على الروابط الفنية والثقافية المشتركة بين السعودية ودول الخليج العربي، كما يستعرض المهرجان التراث البحري في أبهى صوره عبر فعاليات تعكس عادات وتقاليد الآباء والأجداد”.

وأضاف “أن المهرجان يهدف من خلال أقسامه المتنوعة وفعالياته لتقديم مختلف التفاصيل التي من شأنها أن تثري معلومات الزائر بخصوص الحياة قديماً في دول الخليج بشكل عام، إضافة إلى إحيائه لفن النهمة وهو الفن البحري المشترك بين دول الخليج”.

النهمة والنهام

يجمع النهامون على أن النهمة تعني بلوغ الهمة أو الصوت المرتفع، وتحولت مع مرور السنوات من لون بحري لتشجيع البحارة على القيام بأعمالهم إلى فن بحري خالص له قواعد ثابتة وموروث فلكلوري يصاحب البحارة منذ بدء رحلة الغوص.

وتلعب ألحان النهمة والأداء المرافق لها دوراً بالغاً في بث الحماسة والتفاؤل في وجدان البحارة، حتى خصص لهذا الفن فرد معين من الطاقم يعرف بـ”النهام”، ويكون ذا صوت جهوري وعذب، ويمكن أن ينحصر دوره في فن النهمة من دون أن يشارك في أعمال الطاقم المختلفة.

ويوضح النهام عبد الله بورشيد من البحرين “أن هذا الفن يشكل تاريخاً عريقاً لدول الخليج، كما أن فن النهمة متشابه في الخليج لا اختلافات فيه إلا في ترديد بعض الأهازيج، وفي سرعة الإيقاعات الموسيقية والتلوين الصوتي للنهام، غير أن معظم ألوانهم الموسيقية تتناسب مع غنائهم السواحلي، وتشكل علاقات هذا الفن يستعيد تقاليد ركوب البحر التي يعرفها الغواصون”.

وأشار بورشيد “أن النهام يعد الركيزة والمحور الذي يقوم عليه الغناء، وهو الاسم الذي يطلق على مغني السفينة، ويتجاوب البحارة مع ما يصدر عنه من أغان تعبر عما في صدورهم من ألم الفراق والبعد عن الأهل والديار، كما يشجع طاقم السفينة على تحمل المشاق والصبر بصوت صداح وشجي يمكنه من تأدية فن النهمة المرتبط برفع أشرعة السفن وإنزالها”، وتعتبر شخصية النهام كعنصر أساس في رحلات البحارة، ولا يمكن الاستغناء عنه ضمن فريق البحارة يستمتع الغواصون بصوته الشجي وأدائه المميز، للتزود بروح جديدة في كل رحلة.

أنواع النهمة

وتنقسم أنواع “النهمة” إلى أربعة أنواع رئيسة أولها “الخطفة” وهو أول ما يبدأ به، إذ يترافق مع إبحار السفينة ورفع الأشرعة لإثارة حماسة البحارة بإيقاع يتناغم مع وتيرة سحب الحبال لإتمام العمل بسرعة وكفاءة. وثانيها هو “آليا مال” وهو غناء سردي قصصي يتغنى به النهام بمشاعر البحارة وأحزانهم، مما يحرك فيهم الحنين إلى الوطن والشوق للأهل.

أما الثالث فهو “الحدادي” وعادة ما يكون في أبيات عدة، كل بيتين منها بقافية منفردة، ويختلف بحسب المنطقة وعادة ما تتغنى به النساء في وداع البحارة قبيل انطلاقهم. أما رابعها “الفجري” وعادة ما يكون على اليابسة بعد عودة الطاقم من رحلتهم، ويتخلله عدد من فنون الأداء المتنوعة إضافة إلى عزف مجموعة من الآلات الموسيقية غالباً ما تكون آلات إيقاع (طبول)، أهمها الدمام ذو الصوت العميق وطبل اللاعوب وطبل الخماري.

الحياة البحرية

ومع نهاية حرفتي الغوص للؤلؤ والتجارة التقليدية على ضفاف الخليج العربي، واجه فن النهمة خطر الاندثار والنسيان، إذ بدأت ألحانه بالاضمحلال من ذاكرة الأجيال، وأثار هذا الأمر حاجة ماسة إلى اتخاذ خطوات فعالة تحفظ لهذا العنصر المحوري في الثقافة الخليجية مكانته، وتذكر الأجيال الجديدة بملامح الحياة في أرضهم قديماً. ومن هنا يشير القائمون على المهرجان إلى أن “هيئة المسرح والفنون الأدائية جاءت بفكرة مهرجان النهام”، وذلك لتخليد ذكريات البحارة ورحلاتهم عبر البحار والمحيطات التي جسدتها أشعار وألحان النهامة.

وجذبت فعاليات المهرجان المتنوعة الممتدة على مساحات واسعة من الساحل شرق السعودية عديداً من الزوار، إذ هدفت إلى التعريف بتفاصيل تراث الحياة البحرية كافة في الماضي الأصيل بكل ما يجسده هذا التراث من مخزون ثري من خلال أنشطته لتعريفهم بتراث الأجداد، والانفتاح على الموروث الثقافي للدول المشاركة.

زر الذهاب إلى الأعلى