هل لـ”حزب الله” دور في اغتيال “ولاء عيتيت” أم الدولة قتلته؟
بقلم: جورج حايك
النشرة الدولية –
لم تهدأ وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان منذ مقتل حسن محسن المعروف بـ”ولاء عيتيت” من اتهام “حزب الله” بالوقوف خلف تصفيته، وهو المعارض القوي له من بيئته، معتبرينَ أن جهاز أمن الدولة مخترق، وهذه ليست المرة الأولى التي تخدم فيها الأجهزة الأمنية “الحزب” من خلال إبعاد معارضيه أو خصومه، وبالتالي أدى مقتل “ولاء عيتيت” إلى نقمة شعبية مع طرح علامات استفهام حول ما حصل.
فكيف قُتِلَ محسن؟
فجر السبت الفائت، وردت إلى المديريّة العامّة لأمن الدّولة معلومات عن وجود محسن في بلدة عيتيت في الجنوب اللبناني، وهو كان مطلوباً بعدّة مذكّرات توقيف بسبب إطلاق نار ورمي قنابل يدويّة على دوريّة تابعة لأحد الأجهزة الأمنيّة التي حاولت توقيفه منذ مدّة، وأصاب اثنين من عناصرها بجروح.
بعد الرصد، تأكّدت للمديريّة معلوماتٌ حول تحضيره لأعمال عدائيّة داخل بلدته، وقد قام بتجهيز نفسه بأعتدة عسكريّة ومتفجّرات لهذه الغاية. وبعد محاصرته من قِبل دوريّة تابعة لأمن الدّولة، حصلت تطوّرات عسكريّة بين عناصر الدوريّة ومحسن بعدما قام بإلقاء 3 قنابل وأطلق الرصاص على القوات المهاجمة له، وذلك قبل أن تقوم القوة الضاربة بتفجير بوابة المنزل، والتي كان يقف خلفها محسن حاملاً سلاحه، فأصيب على إثرها، وما لبث أن فارق الحياة أثناء نقله إلى أحد المستشفيات.
حتماً هذه رواية جهاز أمن الدولة، لكن اللافت أن محسن كان أحد العناصر المهمّة في “حزب الله” وقد انضم إليه عام 2006، إلا أن مقربينَ من “الحزب” تحدثوا عن اكتشافهم لاحقاً بأن محسن متورّطٌ بملفات فساد، وتحديداً سرقة أسلحة، فتم اعتقاله من قبل جهاز أمن “الحزب” في عام 2014، وطُرِدَ منه.
أما رواية محسن أو ولاء عيتيت نفسه؛ فتشير إلى أنه أصيب في إحدى المعارك وكان من المفترض أن يتلقى تعويضاً مالياً من “الحزب”، إلا أن الأخير رفض دفع المتوجبات المادية، ما دفع بولاء للانقلاب عليه.
تجاوز الخط الأحمر
بعد ذلك، كثُرت محاولات إسكات ولاء عيتيت نظراً لعلاقاته مع قيادات رفيعة المستوى في الحزب، وإمكانية تأثيره على البيئة الحاضنة، والأهم ما يملك من معلومات.
وبالتالي كانت محاولات إسكاته بطبيعة الحال عن طريق القوة التي يتغنّى بها “الحزب”، تفجير منزله حيناً وتكبيل عائلته حيناً آخر، ليصل الأمر بـ”حزب الله” إلى إطلاق النار على ولاء وإصابته في رجله، وسجنه لأشهر عدّة وتعذيبه، وخصوصاً بعد شتمه أمينه العام حسن نصرالله، وعلي خامنئي المرشد الأعلى لإيران، وتسجيله فيديو وهو يحرق علم “الحزب” وصور نصر الله، عارضاً مقاطع منها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً منصة “إكس” (تويتر سابقا) و”تيك توك”.
من البديهي أن بيئة “الحزب” هلّلت لجهود القوى الأمنية التي داهمت “ولاء عيتيت”، لأنه كان يحتفظ بأسلحة في منزله وأنه كان يحضّر لعمليات عدائية، وصفّقت لعملية أمنية تدخل في خانة الأمن الاستباقي التي تريح المواطن الذي بات بإمكانه أن ينام مرتاحاً لأن الأمن مستتب!
لكن ثمة رأي عام واسع لم تنطلِ عليه هذه الرواية، لأن محسن ليس المعارض الأول لـ”الحزب” الذي يتم استخدام الأجهزة الأمنية لإبعاده أو تصفيته، فلا يزال الكثيرون يتذكرون أحمد الأسير في عبرا، حيث نصب “الحزب” فخاً له ليتواجه مع الجيش قبل أن يتم اعتقاله وسجنه.
وهناك لائحة طويلة لمعارضينَ من الطائفة الشيعية قُتلوا بدم بارد بدءاً من هاشم السلمان أمام السفارة الإيرانية وصولاً إلى الصحافي والباحث لقمان سليم.
السجل بدأ يتّسع
شخصيات من المعارضة اللبنانية لفتت إلى أنه ما هو أخطر من الاغتيالات التي يقوم بها “الحزب” ضد معارضيه، هو استخدامها لمؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية لتصفيات جسدية أو انتقام أو فبركة ملفّات كما كان يحصل في زمن تواجد القوات السورية في لبنان.
وتساءلت “مَن يستطيع إجراء تحقيق شفاف لمعرفة إذا ما كان هناك استخدامٌ للمؤسسات الرسمية للانتقام من المعارضين، ولا سيما أنها ليست المرة الأولى التي يتورّط جهاز أمن الدولة بقضايا انتهاكات لحقوق الإنسان؟”.
أما السؤال البديهي الذي طرحته هذه الشخصيات: هل سوف يُفتح تحقيق حول الحادث وملابساته وكيف أدى إلى مقتل معارض لـ”الحزب” خلال عملية مداهمة عادية قام بها جهاز أمن الدولة؟ معتبرة “أنه من المستبعد طبعاً أن يحدث ذلك لأن الأمر يتعلق بالميليشيا ومرتزقتها داخل المزرعة التي تسمى دولة”.
من البديهي أن “حزب الله” لا يمكنه إبعاد كل المعارضين الشيعة أو اغتيالهم، لذلك يلجأ عادة إلى ترهيبهم، وهناك عشرات القصص من هذا النوع، والجامع المشترك لحملته ضد هؤلاء هو تخوينهم ووصفهم بالعملاء، وكانت عملية اغتيال لقمان سليم رسالة لهم بأن الرأي الآخر غيرُ مرحّبٍ به ورفعُ الصوت ممنوع.
إلا أنهم واجهوه بشعار “صفر خوف”، وهناك أسماء بارزة في هذا المجال منها الصحافية لونا صفوان والصحافيين حسين شمص ومحمد عواد وعلي الأمين، إضافة إلى إعلاميينَ وأساتذة الجامعات وناشطينَ سياسيينَ، ومنهم: الدكتور مكرم رباح، والدكتورة منى فياض، والإعلاميون: مارسيل غانم، وديما صادق، وديانا مقلد، ونديم قطيش، وجيري ماهر، ورامي الأمين… وحتماً تعرّض المفتي الجعفري السابق لمدينة صور علي الأمين للإبعاد والقمع لأنه معارض لنهج “الحزب”.
هؤلاء جميعهم يرون أنه إذا كان لـ”حزب الله” دورٌ في تصفية ولاء عيتيت أو ليس معنياً به، فسجل قمع معارضيه أصبح كبيراً، فهو يعاني أزمة اتساع دائرة معارضيه ممن يعتبرهم بيئته الحاضنة ووقودا لحروبه، وحيث بدأ الخناق يضيق على الناس في لبنان نتيجة الأزمات المعيشية والمالية والاقتصادية التي لـ”الحزب” الباع الطويل في تماديها.
لكن الأخطر الآن هو إمكانية تورّط بعض الأجهزة الأمنية والقضائية التي يهيمن عليها “الحزب” لإسكات أصوات معارضيه كما حصل مع عيتيت من جهة، أو ترهيب الآخرين من جهة أخرى. وهو هنا يؤكد لهؤلاء المعارضين أن أمامهم خيارين لا ثالث لهما: الصمت الطوعي أو الصمت بالقتل.
أسلوب نظام الملالي في طهران قام أساساً واستمر حتى اليوم على الإبادة والقتل والإعدامات، والمفارقة أن أذرعته العسكرية في العراق واليمن وسوريا ولبنان تتبنى الأسلوب نفسه باعتباره أجندة احتياط تلجأ إليها كلما اشتدت أزماتها، ولا تقتصر هيمنة “الحزب” على بعض الأجهزة الأمنية إنما تمتد إلى القضاء حيث لا يُرتجى حساب ولا عدالة.