الكلف الحقيقية للسيارات الكهربائية أعلى بكثير من المعلن
بقلم: أنس بن فيصل الحجي
الطلب العالمي على الطاقة في ازدياد مستمر وبمعدلات عالية لهذا نحن بحاجة إلى كل مصادرها
النشرة الدولية –
أجد نفسي مضطراً إلى تكرار ما كتبته سابقاً في كل مرة أكتب فيها عن الطاقة المتجددة أو السيارات الكهربائية، لهذا تتكرر هذه المقدمة.
الطلب العالمي على الطاقة في ازدياد مستمر وبمعدلات عالية، لهذا نحن في حاجة إلى كل مصادر الطاقة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الجوفية والنووية، ونحن في حاجة إلى كل أنواع التقنية لزيادة الكفاءة في استخراج الطاقة واستخدامها، كما أننا في حاجة إلى كل تقنيات المواصلات، بما في ذلك السيارات الكهربائية. وبغض النظر عن موضوع التغير المناخي، تعاني المدن الكبرى مستويات تلوث عالية تؤدي إلى أمراض عدة، وتؤثر في الصحة العامة وترفع الكلف بشكل كبير، من ثم فهناك حاجة ماسة إلى إعادة تخطيط مراكز المدن من جهة، واستخدام تقنيات مواصلات من دون أي انبعاثات من جهة أخرى.
الذي أعارضه بشدة هو عدد من سياسات التغير المناخي غير المنطقية والمكلفة، التي تعيد توزيع الموارد بطريقة مضرة للأجيال الحالية والمستقبلية، ومنها أن يقوم السياسي بتبني سياسات تغرق البلد في ديون لأجيال قادمة، وتجعل الكلف الحقيقية أعلى بكثير مما هو سائد في السوق، فينتج منه نزف مالي دائم.
ذكرت منذ سنوات أن كلف الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح لا تمثل الكلفة الحقيقية وأن كلفتها أعلى من المعلن، ومن ثم فإن كل المقارنات المنشورة في التقارير ووسائل الإعلام هدفها الترويج لهاتين الصناعتين، كما ذكرت أن كلف السيارات الكهربائية وأسعارها لا تعكس الكلفة الحقيقية لها، سواء المالية أو البيئية.
وذكرت في مقالات سابقة أن صناعة السيارات الكهربائية تعاني مشكلات عدة، أسهمت في تباطؤ مبيعاتها بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، وقبل ذلك انهارت أسهم هذه الشركات، بعضها بشكل مريع. وكان آخر هذه المشكلات هو ارتفاع كلف التأمين على هذه السيارات بحيث عوضت عن كل الإعانات التي تقدمها الحكومات. كلف التأمين على السيارات الكهربائية في دول عدة، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، هي الأعلى في العالم مقارنة ببقية السيارات. وذكرت في مقال سابق كيف توقفت بعض شركات التأمين البريطانية عن تأمين السيارات الكهربائية موقتاً حتى تتمكن من تسعير بوليصات التأمين بالشكل الصحيح، أما غيرها فقد ضاعفت رسوم التأمين.
أصدرت مؤسسة تكساس للسياسات العامة تقريراً مفصلاً عن الكلف الحقيقية للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. هذه المؤسسة تعنى بالدفاع عن دافعي الضرائب وتحارب السياسات التي تؤدي إلى هدر المال العام. وكانت النتائج مفاجئة حتى بالنسبة إليّ ولبعض زملائي لأن الكلف كانت أعلى بكثير مما كنا نتوقع، ولكن مع بعض التعديلات، وجدنا نوعاً من التناسق بين هذه النتائج وما كنا نعتقد بناء على تجارب سابقة لمحاولة معرفة الكلفة الحقيقية.
وفي ما يلي أهم النتائج وتعليقي على كل نتيجة:
1 – بالنظر إلى الإعانات الحكومية المقدمة للسيارات الكهربائية، فإن متوسط كلف السيارة الكهربائية في عام 2021 كان أعلى من سعرها بنحو 50 ألف دولار.
التعليق: الإشكالية في هذا الحساب أن هناك إعانات تتعلق بالنسبة التحتية للصناعة ويجب أن توزع على مدى 20 أو 25 عاماً، من ثم فإن الفرق أقل من 50 ألف دولار، ولكن الفكرة العامة واضحة بأن السعر في السوق لا يعكس الكلفة الحقيقية، وأن الفرق كبير على كل الحالات.
2- سياسات دعم السيارات الكهربائية والإعفاءات الضريبية وائتمانات الكربون قدمت إعانات لمصنعي السيارات الكهربائية تتجاوز 27 ألف دولار عن كل سيارة.
التعليق: معظم أرباح شركة “تسلا” هي من هذه الإعانات والائتمانات، وليس من مبيعات السيارات. ونتج من هذا مشكلة لم تذكر في التقرير وهي أن قيام الشركات الأخرى المنتجة لسيارات البنزين والديزل بشراء ائتمانات الكربون من “تسلا” يعني الاستمرار بالوضع البيئي الحالي كما هو مع ارتفاع الكلف! هذا يعني أن الأثر في التغير المناخي بسيط، إن وجد.
3- الإعانات المباشرة من الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات لمشتري السيارات الكهربائية بلغت نحو تسعة آلاف دولار لكل سيارة على مدى 10 سنوات.
التعليق: عند مقارنة كلف السيارات الكهربائية بغيرها وآثارها البيئية، يتم تجاهل هذه الإعانات وتكاليفها البيئية، مما يقلل من الكلف الظاهرية للسيارات الكهربائية وآثارها البيئية. مثلاً، لو جاءت هذه الإعانات من ضرائب على النفط والغاز، فيجب تحميل الآثار البيئية لذلك على السيارات الكهربائية، ولكن هذا لا يحصل.
4- هذا أثر نادراً ما يذكر ولكنه أثر مهم جداً في الحسابات: زيادة عدد السيارات الكهربائية يعني زيادة الطلب على الكهرباء. في أوقات الذروة، بخاصة في الصيف، ترتفع كلف الكهرباء بشكل كبير، ويوزع ذلك على كل المستهلكين، وليس أصحاب السيارات الكهربائية فقط. ويقدر التقرير أثر ذلك بنحو 12 ألف دولار لكل سيارة على مدى 10 سنوات. بعبارة أخرى، هناك نحو 1200 دولار سنوياً يقدمها المجتمع لصاحب السيارة الكهربائية كإعانة، وهذه الإعانة لا تحسب في كلف الوقود.
التعليق: معظم الدراسات تشير إلى أن كلف شحن السيارة الكهربائية أقل من كلف البنزين في سيارة مماثلة، ولكن هذا يشمل ما يدفعه صاحب السيارة فعلاً، ولا يشمل الكلف الأخرى، ومنها 1200 دولار المذكورة سابقاً، ولكن هناك كلفاً أخرى غير محسوبة منها كلف استخدام الطرق والجسور مجاناً، بينما يدفعها مالكو سيارات البنزين والديزل كضرائب تستخدم في صيانة الطرق والجسور والبنية التحتية.
كما أن هناك مشكلة أخرى، زيادة فجوة الدخل في المجتمع حيث إن الفقراء يقدمون إعانات للأغنياء أصحاب السيارات الكهربائية.
بعض التفاصيل
قدر التقرير أن متوسط الفرق بين الكلف الحقيقية للسيارة الكهربائية وسعرها في السوق في عام 2021 يقترب من 50 ألف دولار مقيمة كما يلي (الأرقام المذكورة في التقرير دقيقة ولكن أذكرها هنا تقريبية بهدف التسهيل):
– نحو تسعة آلاف دولار إعانات مباشرة من الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات لمشتري السيارات الكهربائية
– نحو 1300 دولار كلف شحن لا يدفعها صاحب السيارة الكهربائية
– نحو 10 آلاف و500 دولار كلف إضافية على شركات الكهرباء (إنتاج وتوزيع) لا يدفعها مالك السيارة الكهربائية
– نحو أربعة آلاف و900 دولار بسبب قوانين وإعانات من ولاية كاليفورنيا وغيرها
– نحو ثلاثة آلاف و300 دولار إعانات من وكالة حماية البيئة الفيدرالية على شكل ائتمان كربوني
– نحو 19 ألفاً و900 دولار إعانات على شكل ائتمان كربوني لأن موصفات السيارات الكهربائية أقل بكثير من متطلبات الحكومة في ما يتعلق باستهلاك الطاقة والانبعاثات لكل ميل (الميل 1.6 كيلومتر تقريباً).
الإبداع في التقرير أنهم قاموا بتحويل هذه الكلف إلى ما يساوي من بنزين واكتشفوا ما يلي: الكلفة بما يعادلها من بنزين 17.33 دولار للغالون. أكرر، الكلفة 17 دولاراً و33 سنتاً. بينما متوسط سعر البنزين في المحطات في الولايات المتحدة بلغ نحو 3.60 دولار للغالون في الأسبوع الماضي! أي إن الكلف الحقيقية لوقود السيارات الكهربائية أعلى من كلفة البنزين لكل غالون بـ13.73 دولار للبرميل. والشائع طبعاً أن كلف وقود السيارات الكهربائية أقل بكثير من البنزين!
خلاصة الأمر أن الكلف الحقيقية أعلى بكثير من السعر في السوق، وهنا تغطية إعلامية من الحكومات ووسائل الإعلام عن الموضوع. وحتى لو كانت هناك مبالغة في بعض الأرقام في التقرير، فإن النقاط الأساسية صحيحة، والنتيجة الحتمية هي أن الكلف المعلنة أقل بكثير من الكلف الحقيقية. فهل يستمر نزف الإعانات للسيارات الكهربائية، أم سيأتي وقت ستوقف فيها الحكومات هذا النزف؟ إذا تم وقف النزف فإن نمو السيارات الكهربائية سيتوقف أيضاً، وسيكون الطلب على النفط أعلى بكثير مما هو متوقع الآن.