عاصفة الصمود: تحديات المواجهة في ظل الحرب ثلاثية الأبعاد على غزة
بقلم: رلى السماعين
النشرة الدولية –
الدستور الأردنية –
الحروب هي واقع مليء بالألم والتحديات والمخاطر، وأول ضحايا الحروب هي الحقيقة التي يتم تشويهها أو تحريفها أو قلعها من جذورها وذلك لخدمة أهداف معينة أو أطراف في الحرب، بحيث يصبح من الصعب على الأفراد والمجتمعات تمييز الاخبار التي تعكس الواقع والحقيقة من تلك المحرفة، مما يساهم في تعقيد الوضع الإنساني لا بل يعمل على تفاقمه.
منذ اندلاع الحرب الاسرائيلية على غزة في السابع من تشرين الاول، اتخذت الحرب مساراً ثلاثي الابعاد، أولها وأقساها حرب الاسلحة الحديثة الفتاكة على أرض قطاع غزة وأهلها، حيث لغاية بلغ عدد الشهداء تقريباً سبعة عشر ألف شهيد منهم سبعة الاف طفلاً شهيداً، إضافة إلى أعداد كبيرة من العائلات تحت أنقاض المباني نتيجة للقصف المستمر، عدا عن أعداد الاصابات التي تعدت ستة وأربعين ألف إصابة وذلك حسب وزارة الصحة في غزة.
الاحداث الدامية غير الانسانية تتسارع بشكل مروع، حيث تجاوز عدد سجناء الحرب سبعمائة أسير من القطاع، والاضرار الناجمة عن التفجيرات تعدت حدود الكارثة لتطال ستة وستين مسجداً، و ثلاثةً من أقدم الكنائس في العالم، بالإضافة إلى أكثر من عشرين مستشفى ومركزاً صحياً ومبانٍ حكومية ورموز أخرى للسلطة، وغالبية الاماكن السكنية والمخيمات، والمدارس… بالتالي تدمير شامل للبنية التحتية، بالإضافة إلى استهداف وقصف تجمعات الافراد في أماكن اللجوء والحماية، ومنع إدخال المساعدات الطبية والإنسانية، مما يتسبب في تفاقم الصعوبات التي يواجهها أهل القطاع، الامر الذي يعكس تعدٍ صارخ للقانون الدولي الانساني.
في الحروب، أول من يتأثر بشكل كبير هم الاطفال والنساء، وقد خلفت هذه الحرب المستمرة لغاية الان من دمار بشري ما يصعب على المدى القصير أو الطويل إصلاحه. هذا الواقع الانساني الثقيل يصعب تصوره أو إمكانية التعافي منه دون التركيز على حماية حقوق الطفل وتوفير الحماية والدعم اللازم للنساء في القطاع.
أما البعد الثاني، فهو الحرب على الحقيقة، وذلك بقتل الصحافيين والاعلاميين في القطاع، الذي تجاوز عددهم الستون شهيداً. كما وأخذ «التضليل الاعلامي» حيزاً كبيراً عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي في إغراق الانترنت، وبالذات المواقع الرقمية المتعددة، بالفيديوهات والصور والتسجيلات المفبركة والمحرّفة، معتمدة على أسس علمية ممنهجة ومدروسة بعناية لتحقيق أهداف متعددة وجذب التعاطف والدعم لطرف على حساب الطرف الاخر. وقد شهد العالم هذه النوعية من الحرب على الحقيقة في العدوان على غزة بحجم هائل، مما وضع عبئا وشكل مسؤوليةً كبيرة على وسائل الاعلام العربية، سواء الورقية أو الرقمية، في مواجهة هذه الحرب والتصدي لها. الامثلة عديدة وتتكرر شبه يومياً، منها ما زعمت به إحدى الصحف الاسرائيلية في بداية الحرب، حيث ادعت أن المقاومة الفلسطينية «حماس» قد قامت باحتجاز وقطع رؤوس 40 طفلاً اسرائيلياً، الامر الذي أثار تعاطفاً غربياً واسعاً لم يدم فترة طويلة، حيث تم التشكيك بالفيديوهات، لتنكشف الحقيقة بأن ما تم نشره كان مفبركاً باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ومن ثم تأثير «غرف الدردشة» أو ما يُعرف ب chat room على المواقع الرقمية الذي يتم استغلاله من قبل حكومة العدوان بعناية كبيرة لأن تأثيرها السلبي والمدروس على العامل النفسي للمتلقي، عميق ويدوم لفترة طويلة. من هذه الغرف المختلفة منها منصة X، الفيسبوك ماسنجر، الإنستغرام، التيليغرام، فايبر، سيجنال، وأشهرها وأكثرها انتشاراً هو الواتساب.
غرف الدردشة هذه ساهمت في عمليات التضليل الإعلامي بشكل كبير وبطرق متعددة، والغرض، منها اعتماد المستخدم عليها للحصول على معلوماته، وبالذات في حرب الاخيرة على غزة، فتم استغلالها لتشتيت أفكار المتابعين حول العالم وتشويشهم والسيطرة على مشاعرهم بهدف تحويل أنظارهم بعيداً عن هذه الحقيقة: بأنه ما يُمارس على الاهل في غزة هو تعدى كونه «عقابا جماعيا» وقارب إلى ما يُمكن وصفه «بالإبادة الجماعية». ومن هذه الطرق هي تداول الاخبار غير المؤكدة وغير الدقيقة، مما يؤدي إلى انتشار الأخبار الزائفة بسرعة كبيرة، ونلاحظ أحياناً ممارسة الضغوطات النفسية والاجتماعية من خلال تشكيل مجتمعات ذات آراء متشددة أو ضغط إجتماعي يشجع على قبول معلومات دون التحقق من صحتها، الذي يؤدي إلى تعزيز التضليل الإعلامي بين المشاركين، والخطر بأن هناك من يدخل على هذه الغرف من خلال هويات زائفة، ويشارك بمعلومات فيها أرقام وإحصائيات قد تبدو للوهلة الاولى صحيحة. الصعوبة هنا تكمن في تتبع هذه الشخصيات، وما يشاركونه ومن مصادر للمعلومات، الامر يزيد من صعوبة التحقق من مصداقية الأخبار.
كما تساهم غرف الدردشة في نشر تشكيك حول وسائل الإعلام التقليدية، وبمقدرة المسؤولين في مواجهة الظروف مما يؤدي إلى عدم الثقة في المصادر الرسمية أو بوسائل الاعلام المحلية.
التعامل مع غرف الدردشة بحذر وذكاء بات ضرورياً، بالإضافة إلى والوعي بأهمية التحقق من المعلومات واستخدم مصادر موثوقة.
وأما الاعلام الذي انقسم الى إعلام حرب وإعلام سلام، فبينما الاخير ينقل الخبر بمصداقة وتوازن ويشمل كافة الاطراف تماماً كما هي رسالة الاعلام السامية، يقوم إعلام الحرب بتضليل المتلقي لكسب تعاطف عالمي لأحد طرفي الصراع. ومثالها تحريف أقوال إحدى الرهائن الإسرائيلية التي تم تحريرها والتي في خلال مقابلة مسجلة، أشادت بالمعاملة الطيبة من حيث المأكل والمشرب والعناية الصحية وغيرها، يعاكس تماماً ما نشرته أحدى الصحف الكبيرة الاجنبية التي عنونت المقالة: «عانيت الامرين، قالت الاسيرة،83 سنة، التي تم تحريرها من حماس».
وفيما يتعلق بالبعد الثالث، التي يساوي تأثيرها إن لم يتعدَّ أكثر الاسلحة الحربية تطوراً، هي حرب الكلمة. الكلمة القوية المدروسة يكون تأثيرها على المتلقي سريعاً وكبيراً، وفي الحرب على غزة، تأثير الكلمة فعال في تدمير النفس والمعنويات. مثالها ما يكتبه بعض المسؤولين السياسيين والصحافيين المعروفين في دولة الاحتلال على منصاتهم وبالذات منصة X، للترهيب والتخويف ونزع روح الامل، كرغبتهم بإنزال قنابل نووية على القطاع بدلاً من المساعدات الطبية والانسانية.
في مثل هذه الظروف، يصبح التركيز على النهوض بحقوق الإنسان وتحقيق العدالة لبناء مستقبل يعتمد على الحقيقة والشفافية أمراً ملحاً. لذا على جهود المجتمع الدولي أن تكون موجهة نحو تعزيز ثقافة السلام وترويج للقيم الإنسانية للمساهمة في تحقيق استقرار حقيقي. ولكي يتحقق السلام يجب العمل على الوقف التام لإطلاق النار، وإطلاق سراح السجناء، وتوفير ممرات آمنة للسماح للمساعدات الانسانية والطبية الدخول الى القطاع، ومن ثم تحقيق رغبة الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة ومعترف بها على حدود الرابع من حزيران 1967، ووقتها نبدأ بالحديث عن تحقيق السلام.