حروب العالم اليوم… صدام مصالح يستغل الحضارات
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

عاد كتاب “صدام الحضارات” الذي صدر لصاموئيل هنتنغتون، في العام 1996، الى الواجهة مجددًا. كثير من “الفلاسفة” جمعوا ما يحصل في الشرق الأوسط حاليًا مع ما يحصل في نقاط ساخنة أخرى ليتوصلوا الى أنّ العالم دخل فعلًا في “صدام الحضارات”. فهل نحن هنا فعلًا؟

من الصعب الدخول في جدال مع ” الفلاسفة” خصوصًا في هذا العصر، إلّا أنّ الإجابة بنعم عن هذا السؤال تنطلق من قراءة تبسيطية للأحداث وتلاحقها، وهي تأخذ بظاهر الحال من دون أن تُعير أهميّة الى معطيات كثيرة أخرى باتت واضحة في العلم السياسي، إذ إنّ جولة أكثر عمقًا على أسباب ما يحصل في الشرق الأوسط والعالم يُظهر أنّنا في حرب المصالح التي تستغل بين ما تستغل لتحقيق أهدافها الحضارات والهويات والأهواء!

إنّ التنافس الصيني- الأميركي المحتدم حاليًا والذي يحاول البلدان احتواء انحرافاته كما حصل، قبل يومين خلال القمة الأميركية- الصينية في سان فرانسيسكو، لا يجد منطلقاته في اختلاف ثقافي بين الشيوعي والرأسمالي، أو بين “الملحد” و”المؤمن”، أو بين “الأصفر” و”الأبيض” أو بين “الشمولي” والديموقراطي، بل بين قوة تحاول أن تتصدر العالم وقوة ثانية تحاول أن تحافظ على مركزها القيادي، نظرًا للكم الهائل من المكتسبات التي يحظى بها “المتسيّد”!

وفي هذا التنافس على الريادة لا يتردد الصيني والأميركي من استعمال كل العدّة الدعائية التي تناسبهما، بما فيها العدّة الحضاريّة التي يُجيد الطرفان استعمالها، فالصيني الذي اعتنق قواعد التجارة العالمية وأخذ من الرأسماليّة أسوأ ما تحاول علاجه، أي استغلال اليد العاملة، يتحدث عن “القيم الشرقية” وحاجة العالم إليها فيما الأميركي الذي يدعم أعنف الحروب ويقف الى جانب الديكتاتوريّات العسكريّة والدينيّة في أكثر من مكان في العالم فلا ينفك يتحدث عن فضائل نشر الديموقراطيّة.

والدول الإسلاميّة التي تعتبر الصين ملاذها الآمن من أعباء “الغطرسة الأميركية” تقفز وراء كل أنواع صراع الحضارات أو تلاقيها، بحيث تجد نفسها تناصر دولة يشكو مسلموها من اضطهاد إلغائي، ولا يجدون من يهتم بملفاتهم سوى الولايات المتحدة الأميركية ومعها حلفاء مثل الإتحاد الأوروبي.

والحرب التي شنّتها روسيا ضد أوكرانيا ليست بين شرقي وغربي، ولا بين ديموقراطي ونازي، ولا بين مسيحي أكثر ارثوذكسية وأرثوذكسي أكثر كاثوليكيّة، إنّما بين دولة قوية وغنية تريد أن تتسيّد على أوروبا التي تعاني من مشاكل بنيويّة كثيرة، بهدف أن تعيد لنفسها مجدًا قضى عليه الغرب المتفوّق ثقافيًّا وصناعيًّا وماليًّا واقتصاديًّا.

ومن أجل هذه الأهداف لم يتوان المهاجم التوسعي والمدافع التحفظي عن استعمال مفاهيم كثيرة لتسخيرها في الحرب.

وفي هذا السياق لم ينجح فولوديمير زيلينسكي في جذب إسرائيل الى تزويده بما يحتاج اليه جيشه من أسلحة، على الرغم من استعماله يهوديّته في مخاطبة الكيان اليهودي، تمامًا كحال الميول الجمهوريّة الإسلاميّة في ايران لمصلحة أرمينيا المسيحيّة ضد أدربيجان الشيعية.

وفي الشرق الأوسط، تغاضى جميع هؤلاء الفلاسفة عن أنّ الربيع العربي وتداعياته، لم تكن بين مختلفين حضاريًّا لا في تونس ولا في مصر ولا في اليمن ولا في سوريا ولا في السودان، بل كان بين من ضاقت بهم الحياة تحت نير حكّام حوّلوا كراسي الجمهوريّات الى عروش أبديّة وبين مجموعة من الديكتاتوريّين الذين يبذلون الغالي والنفيس للإستمرار في مناصبهم.

وعلى مستوى التداعيات الثقافية للحرب التي نشبت، في السابع من تشرين الأوّل( اكتوبر) الماضي بين إسرائيل وقطاع غزة، مع ما جرّ ذلك من تدخلات غربية وازنت مع تدخلات إيرانية عبر محورها في المنطقة، فلا يمكن للمراقب أن يُلاحظ أي شيء جديد تحت الشمس، فغالبية المسلمين يتعاطفون دائمًا مع الدماء الفلسطينية المهدورة فيما تتحرّك شرائح واسعة في العالم ضد آلة الدمار الإسرائيليّة الهائلة، ويكرر المراقبون العبارات نفسها عن الإخلال بمبدأ وحدة المعايير وعن معاداة السامية وعن التحامل المسيحي العالمي ضد المسلمين، وخلاف ذلك من التعابير.

ولا يغيب عن بال المراقبين أنّ الفلسطينيين وغالبية من يثابرون على تأييدهم سبق أن فعلوا أكثر ممّا يفعلونه اليوم دفاعًا عن نظام الرئيس صدام حسين أو ضد الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وبالأخص بريطانيا.

وهذا يعني أنّ المتصارعين في الشرق الأوسط، ومن أجل تحقيق أهدافهم، يستغلون هم أيضًا، الإختلافات الحضارية، وهنا هي دينيّة بحت، من أجل تحقيق أهدافهم!

في هذه الجولة السريعة على بعض النقاط الحامية في العالم، يظهر أنّ فلاسفة هذا العصر الذين يريدون استخراج نظريات من كل تطور يقع تحت عيونهم، يستسهلون اللجوء الى عبارة سبق أن جهّزها لهم صاموئيل هنتغتون، يوم بحث عن أسباب لحرب جديدة لا بدّ منها في عالم يستحيل أن يركن الى قوة أحادية بعد انهيار “الإتحاد السوفياتي”، فوجدها في الحضارات التي، في واقع الحال، لم يهدأ استعمالها في الحروب يومًا واحدًا، منذ ذاقت البشرية طعم  الحرب من أجل الماء والكلأ، أي الثروة والمصلحة!

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى