حماس ونتنياهو ولعبة الخطأ القاتل
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
تُلقي بعض الجهات الدولية والعربية، باللائمة على حماس، في كل ما حصل في هذه الحرب، من ضحايا وقتل وتهجير وتدمير للممتلكات. وصار البعض يسأل : هل أخطأت حماس بإقدامها على تلك العملية، في السابع من اوكتوبر الماضي؟؟
أمّا الداخل الإسرائيلي، فبات يشعر بعد أكثر من ستة أسابيع على الحرب، أن نتنياهو وحكومته عاجزان عن تحقيق ما وعدوا به، إن لجهة تحرير الأسرى بالقوة، أو لجهة القضاء على حماس، وإنهاء هذه الحرب، وإعادتهم إلى بيوتهم سالمين غانمين مطمئنين، فلن يحصل ذلك سوى عبر الرضوخ لمطالب حماس، والاتفاق معها على وقف لاطلاق النار.
فالحرب ما زالت مستعرة (رغم الهدنة المؤقتة المعلنة) ، ولم يتحقق سوى شيء واحد، وهو قتل المدنيين الفلسطينيين، وتقديم المزيد من قتلى جنود وضباط الجيش الإسرائيلي، مقابل ارتفاع نسبة التأييد العالمي لحقوق الفلسطينيين، وزيادة الضغط على إسرائيل، وادانتها من قِبل معظم شعوب العالم الحرة، لانتهاكها القانون الدولي الانساني، وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين.
في عام 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان، بهدف القضاء على منظمة التحرير، وتصفية القضية الفلسطينية، وحاصرت بيروت، وأخرجت ياسر عرفات، وتم ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا.
وظن يومها شارون أنه تمكّن من القضاء على المقاومة الفلسطينية، التي كانت تتمركز خارج إسرائيل، وبشكل رئيسي في لبنان.
تسبب الاحتلال الإسرائيلي للبنان بنكستين لإسرائيل؛
الأولى تمثلت بانطلاق عمليات المقاومة اللبنانية، ضد جيش الاحتلال، والتي راحت تشتد شيئاً فشيئاً حتى أجبرته على الانسحاب في عام 2000. واليوم باتت المقاومة قوة ردع حقيقية، أجبرته على التنازل في ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، بعد أن تمسّك بشروطه ورفض التنازل لأكثر من عشر سنوات.
وليس هذا وحسب، بل ها هي اليوم تساند المقاومة الفلسطينية في غزة، وتفرض على الإسرائيلي قواعد اشتباك جديدة مع لبنان، لم يكن ليتقيّد بها من قبل، وهو الذي استباح أرض لبنان ودماء شعبه لسنوات.
أما النكسة الثانية، فتمثلت بانتقال المقاومة إلى داخل فلسطين، فانطلقت ثورة الحجارة عام 1987، وحاول جنوده قمعها بالحديد والنار.
وحاول ياسر عرفات مع اسحاق رابين عقد اتفاق سلام، وتم ذلك عام 1993 لكن المتطرفين الصهاينة، قتلوا رابين ونكثوا بكل وعود السلام، وزادوا من استباحة أراضي الفلسطينين، خاصة في الضفة الغربية والقدس، مما دفع بالفلسطينيين إلى امتشاق السلاح، ومقارعة الإسرائيليين باللغة الوحيدة التي يفهمها هذا المحتل الغاصب، وهي لغة القوة والنار.
أُجبر الاحتلال على الانسحاب من غزة تحت ضغط المقاومة في عام 2005، وحاول تحويلها إلى سجن مفتوح للفلسطينيين، واعتقد أنه نجح في فصل الدم الفلسطيني، بين الضفة والقطاع، لكن سرعان ما تبين له خطل ذلك، فجاءت عملية “طوفان الأقصى” رداً على انتهاكاته المستمرّة للمقدسات، وانتقاماً للمستضعفين المظلومين، الذين يستبيح كراماتهم وحقوقهم كل يوم في فلسطين، ويزجّ بهم في سجون القهر والذل والإهانة.
رد الإسرائيلي على عملية الأقصى بشكل وحشي، وبأقصى ما يملك من قوة تدمير، بأحدث الأسلحة والذخائر، التي زودته بها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، وداس على القوانين الدولية والأمم المتحدة ومؤسساتها، لكنه لم يتوقّع أن نهر الدماء الجارف في غزة، سيجرف معه الاحتلال، وآخر طموحات قادة الصهاينة، وآمالهم بالقضاء على الشعب الفلسطيني ومقاومته.
لم يُخطئ السوفيات عندما دافعوا عن بلدهم، وقدّموا أكثر من عشرين مليون شهيد، وانتصروا على النازية، وقضوا على هتلر ونظامه الفاشي.
ولم يُخطئ الفرنسيون عندما قاوموا الاحتلال النازي، وقاتل “المكيس” وجيش فرنسا الحرة، وقدموا آلاف الشهداء، وأسقطوا حكومة بيتان الاستبدادية، وحكموا عليه بالموت، ودحروا الاحتلال الالماني، وأعطوا الحرية والاستقلال للشعب الفرنسي.
ولم يُخطئ الفيتناميون، بقيادة هو تشي منه، عندما قدموا مئات الآلاف من الشهداء، وحاربوا أعتى جيش في العالم، (545 الف جندي أمريكي) وحرروا بلدهم من الاحتلال.
وكذلك لم يُخطئ الجزائريون، (بلد المليون شهيد)، عندما ناضلوا لتحرير الجزائر، وفازوا بالاستقلال.
ولم يُخطئ الليبيون ولا الكوبيين ولا غيرهم من الشعوب التي قاومت الاحتلال، من أجل التحرر والاستقلال.
لم تُخطئ حماس الحسابات، ومهما كانت التضحيات كبيرة، ففلسطين تستحق التضحية، والحرية أغلى ما في الحياة.
المخطئ الوحيد في هذه الحرب، هو من يُصرّ على الاحتلال، ومصادرة الاراضي، وانتهاك الحقوق، ومن يعتقد أن بإمكانه بالقتل والدمار، إنهاء الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته.
هذا هو الخطأ القاتل، الذي سيقضي على صاحبه نتنياهو الذي بعد شهر ونصف من محاولات اقتلاع حماس والفلسطينيين، وافق مرغماً على الهدنة، التي وبغض النظر عن أهمية تفاصيلها، فهي تُشكّل نقطة مفصلية في هذه الحرب، لإنها جاءت بشروط حماس، و أقر فيها الإسرائيلي بفشله وعدم القدرة على تحقيق أهدافه بالقوة، وهذا هو الأهم.
وهذا ما كان ليتحقق لولا صمود غزة ومقاومتها، وإلحاقها خسائر فادحة بقوات الاحتلال.
المخطئ اليوم هو نتنياهو ورفاقه، من صهاينة إسرائيل وامريكا والغرب، الذين لم يقتنعوا بعد، أن الفلسطيني لن يترك أرضه، ولن يرضى أن يبقى لاجئاً مدى الزمان، ولن يترك الغاصب يهنأ ويتنعم بأرض فلسطين، بل سيقاوم ويقاوم حتى طرد الغزاة المحتلين.
فلا بد للمقاومة من تحقيق النصر على المحتل، هذا هو مسار التاريخ منذ آلاف السنين، ولن يدوم احتلال الصهاينة لفلسطين، مهما كبرت التضحيات، فأهل غزة أدرى بشعابها، وأهل فلسطين متجذرون فيها، لا يمكن اقتلاعهم منها، وسيرحل كل من جاءها غاصباً مغتصباً، وستعود فلسطين حرة لأهلها، وبهم.