عن القمة الصينية الأميركية والقضايا الكبرى العالقة
بقلم: د. جواد العناني

النشرة الدولية –

العربي الجديد –

تفاوتت التقديرات لحجم النجاح، أو عدمه، للقمة الأميركية الصينية التي عقدت قرب مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة يوم الخامس عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.

الجانب الصيني بدا أكثر تفاؤلاً رغم تصريح الرئيس جو بايدن بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ ديكتاتور. وهو اتهام قديم يوجهه مسؤولون أميركيون للصين، والصينيون بالمقابل يكتفون بالرّد عليه من بسمة مكبوتة إلى تصريح على لسان أحد الناطقين الرسميين.

والجانب الأميركي كان أكثر رغبة في الاجتماع، وقام بالإعداد له لفترة طويلة. وقد حرص الجانب الأميركي أن يبرز دور الرئيس على حساب باقي المسؤولين أمثال وزير الخارجية انتوني بلينكن الفاشل خاصة في ملف الحرب الإسرائيلية على غزة.

ويأتي التركيز على الرئيس بايدن قبل سنة من الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة (العام 2024) ، خاصة وأن الدلائل تشير إلى قوة الفرص لعودة المرشح دونالد ترامب للبيت الأبيض.

ويواجه الرئيس الأميركي موقفاً دقيقاً، فهو إن وصل إلى اتفاق مع الصين فسوف يتهم بالتراخي والضعف، وإن لم ينجح سيقال عنه إنه مفاوض ضعيف على خلاف سلفه ترامب. وبحسب تصريحات بعض المسؤولين الصينيين، فإن المؤتمر كان منتجاً، واتفق فيه على عشرين بنداً قابلة للتنفيذ الفوري (deliverables) في المجالات السياسية والدبلوماسية والثقافية، والتبادل بين مواطني البلدين (people-to-people) والحكمانية الدولية، وفي مجالي الفعاليات الأمنية والعسكرية.

وقد اتفق الرئيسان على ضرورة السير نحو إتمام ما لم ينجز من الموافقات التي توصلا إليها في قمة بالي خاصة تلك التي تتعلق بالعلاقات الثنائية. وقد عقد مؤتمر بالي على هامش اجتماعات مجموعة العشرين قبل عام تقريباً. وقد أكد ذلك اللقاء على ضرورة تسوية الخلافات، ولكنه نجح في ابرازها أكثر مما نجح في تلافيها.

ولعل أهم نقطة خلاف بين البلدين هي زيادة قوائم السلع المنتجة في الصين والمعرضة للمقاطعة ومنع الاستيراد (blacklisted goods). وتتهم الصين الولايات المتحدة بأنها تسعى إلى تهبيط حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أدنى حد ممكن، في الوقت الذي ترد فيه الولايات المتحدة بأنها تسعى لتقليل مخاطر انكشافها التجاري حيال الصين، وليس وقف التبادل التجاري كعقاب ضد الصين. ويبدو أن الطرفين قد اتفقا على أن تُرفع بعض السلع الصينية من القوائم السوداء، وأن يقل عدد الحالات المستقبلية والتي يسجل فيها قوائم جديدة ضمن هذه اللائحة.

وقد سعى الرئيس الصيني “شي” إلى وضع قاعدة لتلافي المزيد من التصعيد، والاتفاق على أن استمرار توتير العلاقات بين البلدين لن يؤدي إلا إلى تكبيد كليهما خسائر كبيرة لا تطاق. وقال إن الصين لن تستمر في الحداثة والنمو وفق المنهجيات القديمة سواء المحلية أم الغربية في الاستيلاء على موارد الدول الأضعف. ومثلما نسعى لعدم إضعاف الولايات المتحدة، قال الرئيس الصيني، فإننا نتوقع من الولايات المتحدة أن تكف عن إجراءات الحصار والكبت الموجهة ضد الصين.

وإذا طبق الطرفان هذا الطلب، فإن كثيراً من القضايا التي ما تزال عالقة بينهما، وتهم باقي دول العالم وشعوبه، تحتاج إلى تفسير وتوضيح.

ومن هذه القضايا على سبيل المثال لا الحصر التوافق بين مخرجات مجموعة “بريكس” والتي صارت تضم إحدى عشرة دولة بعد دعوة ست دول جديدة للانضمام إليها وهي مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإيران واثيوبيا في اجتماع جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا. ولكن سبعة من دول ” البريكس” هي أعضاء في مجموعة العشرين. وتهدف مجموعة

وأما الخلاف الثاني فهو ما أطلقه الرئيس بايدن في اجتماع مجموعة العشرين الذي عقد في مدينة نيودلهي عاصمة الهند يومي 9 و10 سبتمبر/ أيلول الماضي مثل مبادرة الكوريدور الهندي، والتي تصل ما بين بهارات (الهند) ودول الخليج (السعودية والامارات) ثم إلى الأردن، وأوروبا. وبعد إطلاق المشروع لم تعلق الصين عليه بالإيجاب أو بالنقد، بل احتفظت بصمتها حتى ترى إذا كان المشروع منافساً لمبادرة الحزام والطريق أو مكملاً له.

وحتى كتابة هذه السطور لم تعلق الصين. ولكن بيدها ورقة تفاوضية حيال المقترح الذي قدمه الرئيس جو بايدن في خطابة أمام الأمم المتحدة في اجتماعها السنوي الثامن والسبعين في شهر سبتمبر الماضي. وقد اقترح الرئيس إصلاح نظام الأمم المتحدة مركزاً على ضرورة زيادة عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي من خمسة إلى تسعة أعضاء.

وقد أعلنت الصين أنها لن تقبل بعضوية الهند الدائمة ولا ألمانيا. ولذلك، فإن الصين قد تحتفظ بهذه الورقة حتى تقبل الهند الدخول في مبادرة الحزام والطريق. عندئذ، وإن حصل هذا الأمر، فسيكون بالإمكان إعادة رسم طريق الحرير ليمر بالهند وباكستان إلى دول الخليج وبخاصة السعودية. وما يزال هذا الأمر بحاجة للحسم.

أما نقاط الخلاف الأخرى فلا شك أنها الاضطرابات الناجمة عن إصرار الصين على “إعادة” تايوان إلى بلدها الأم الصين، وهو أمر لا تزال الولايات المتحدة تعارضه بشدة. ولكن هناك إشكالية أخرى وهي كوريا الشمالية، والتي تهدد بامتلاكها للأسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات أمن جيرانها في المحيط الهادئ، وكوريا الجنوبية الأكثر سكاناً وأقل مساحة متفوقة اقتصادياً على كوريا الشمالية، وتطالب بوحدة الشطرين.

لقد بلغت قيمة الاستثمارات التايوانية في الصين الشعبية حوالي 200 مليار دولار حتى نهاية عام 2021 موزعة على أكثر من 44,823 مشروعاً ومبادرة وشركة، بينما بلغ حجم التبادل التجاري في نفس العام عبر مضيق تايوان حوالي 273 مليار دولار. هذه الاستثمارات والتجارة تشكل مبالغ ضخمة، وقد استفادت الصين بعد الثورة الثقافية كثيراً من التقدم التكنولوجي في تايوان. ولهذا، فإن خطة تدريجية يمكن الاتفاق عليها كما حصل بين المملكة المتحدة والصين في حالة هونغ كونغ.

وأما بالنسبة لكوريا فالأمر أكثر تعقيداً. ولذلك، فإن بإمكان الصين أن تضغط على كوريا الشمالية من أجل الدخول في شراكة اقتصادية مع كوريا الجنوبية، والاتفاق على عدم مساس أي منهما بأمن الدولة الأخرى، وحيث إنهما شعب واحد، فإن هذا الترتيب يمكن أن يفضي إلى هدم الجدران النفسية والعسكرية الفاصلة بين شطري كوريا.

وإذا اتفقت الكوريتان على الوحدة مستقبلاً كما حصل بين ألمانيا الشرقية والغربية، فهذا سيجعل من كوريا دولة نووية، ومهددة لليابان التي ما يزال أثر الحروب والاحتلال لكوريا يوجع الكوريين ويؤلمهم حتى اليوم. وهذا سيخلق تحدياً جديداً للولايات المتحدة في بحر الصين.

موقف

غزَّة والمال السياسي

أما النقطة الثانية فهي الموقف الأميركي من التغلغل الصيني التجاري والاستثماري في كثير من دول آسيا وأفريقيا وحتى أميركا اللاتينية. وتتذكر كثير من هذه الدول ما فعلته الحروب الأميركية عليها من دمار، وما جرته حِقَب الاستعمار الأوروبي المتحالف مع الولايات المتحدة من استغلال واستعباد ونهب للموارد.

والصين ليس لها تاريخ استعماري ضد هذه الشعوب، وهناك بالمقابل حملات إعلامية ونفسية ضد الصين في هذه الدول. فهل سيتفق الطرفان على منهجية للتعامل مع هذه الدول بدلاً من تحويلها إلى ساحات صراع بينهما بالوكالة؟

وأخيراً وليس آخراً، ماذا عن الحرب الإسرائيلية الملعونة على قطاع غزة؟ هل ستقف الصين مكتوفة الأيدي لو اتسع نطاق الحرب ليشمل جهات أخرى؟ وهل ستوقع اتفاقات بين الصين وبعض الدول الكبرى في المنطقة مثل إيران وتركيا وإسرائيل؟ أم هل ستقف الصين لترقب الولايات المتحدة تتورط في حرب في المنطقة تثير غضب الشعوب عليها، وتجد الصين أمامها فرصة للتدخل الناعم ضد الولايات المتحدة؟

إن المنطقة العربية مهمة جداً للصين مثلما هي للولايات المتحدة. وأي تخل للولايات المتحدة عنها بحجة أنها تشكل عبئاً كبيراً عليها، وأنها لم تعد بحاجة لنفط المنطقة، وأن إسرائيل قادرة على تحمل أعباء الدفاع عن نفسها ستعني بالضرورة زيادة نفوذ الصين وتغلغلها فيها، ولكن ليس هناك مؤشرات على أن الولايات المتحدة ستترك المنطقة بقدر ما هي مهتمة بإعادة موضعة قواتها ونفوذها فيها.

ولكن بقاء الولايات المتحدة بحجمه السياسي والعسكري الحالي أو تقليصه أو إعادة توزيعه لن يقلل من أهمية الصين للوطن العربي، وبخاصة منطقة الخليج. فكيف ستوفق هذه الدول أوضاعها بين هذين القطبين؟

مؤتمر قمة سان فرانسسيكو ربما حل بعض المشكلات التجارية والتفصيلية، ولكن القضايا الكبرى ما تزال عالقة. فهل سيكون وضعنا في العالم العربي أفضل باتفاق هذين القطبين أم باختلافهما؟ سؤال برسم التفكير والإجابة.

زر الذهاب إلى الأعلى