«البيسري».. والطبقية في المجتمعات
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
من إرث الماضي، في أغلبية دول العالمين الثاني والثالث، تقسيم المجتمع إلى طبقات عليا ووسطى وأدنى، أو شيء من هذا القبيل. حتى الدول الديموقراطية، كبريطانيا والهند، لديها هذه الفروقات، وإن بدرجات مختلفة، وليس هناك ما يدفع باتجاه اندثار هذا العرف كالتعليم والعدالة الاجتماعية وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية. لذا رأينا كيف تقلد أعلى المناصب وأكثرها خطورة، في بريطانيا وغيرها، من جاؤوا من أبسط طبقات المجتمع. وعندما فتكت الكورونا بإنسان القرن الـ21 لم تفرّق بين نبيل ومشرّد، ولا غني أو فقير. فمع ازدياد حاجة الإنسان، النبيل أو الثري، أو من يعتقد أن دمه أكثر زرقة من غيره، لخبرة ومساعدة، بدأت الفوارق بالتلاشي بتسارع أكبر، خصوصاً عندما يكتشف صاحب اللقب أو العزوة أنه وعزوته لا يساويان شيئاً أمام خبرة طبيب يقوم بتقديم العلاج له، ولو كان الطبيب بنظره من أدنى الطبقات، فلا يتردد في تقبيل يده أو رأسه، لأنه أنقذ حياته أو خلصه من آلامه، أو المحامي الذي خلصه من حبل المشنقة!
من كل ذلك نرى أنه ليس هناك شيء اسمه عرق أنقى أو أعلى يميّز هذا عن ذاك، خصوصاً مع انكشاف جرائم من عدّوا أنفسهم يوماً أفضل من غيرهم. وطالما أن الإنسان، أياً كان، بحاجة ماسة جداً للآخر، ولا يستطيع العيش من دونه، فهذا الآخر لا يقل عن الأول رفعة وأهمية، إن لم يزد عليه. فلو خُيّر «عاقل» في أن يختار من يصطحبه في مهمة خطيرة لما اختار أخاً أو صديقاً أو قريباً، أو صاحب لقب رفيع، بل سيختار حتماً صاحب الفهم والخبرة، الذي سيستفيد منه في ورطته.
ففي عالمنا اليوم لا مكان لمن يحمل لقباً ولا يعرف شيئاً، خصوصاً بعد أن دمّر الكثير بيننا قيمة الألقاب، شراءً وتزويراً وانتحالاً، كتلك التي افتتحت مكتباً للمحاماة لأكثر من عشرين عاماً، وأثرت من ورائه، بالرغم من أنها غير مؤهلة، وخبرتها لم تزد على العمل في العلاقات العامة في شركة حكومية.
قليل من التواضع ممن كنا نحب ونحترم لن يفسد النفس، وسيملأ القلب حتماً بالكثير من الفرح.
ملاحظة: كلمة «بيسري»، السخيفة، أصلها فارسي، وتعني «من لا رأس له»، أو من لا ينتمي لقبيلة أو أسرة كبيرة تحميه! وفي المجتمعات المتحضرة، التي يطبق فيها القانون بمسطرة واحدة، لا حاجة للفرد لغير حماية الدولة وقوانينها ومؤسساتها.