«هولوكوست غزة».. وشكل النصر؟!
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
بعد أيام من دخول العدوان على غزة شهره الثالث بات السؤال في أوساط النخب السياسية داخل دولة الاحتلال وفي العالم العربي.. من الطرف المنتصر في هذه الحرب ومعايير هذا النصر المفترض وشكله؟، وشخصياً أعتقد أن النصر في هذه الحرب الدائرة بين جيش نظامي مدعوم بكل أنواع السلاح وبالتغطية السياسية والدعائية الأميركية والغربية «البروبغندا»، وبين المقاومة الفلسطينية التي تتسلح بعامل الأرض التى تعرفها وإرادة القتال حتى الموت وفي وسط حاضنة شعبية متجذرة فان النصر لا يأخذ الشكل التقليدي للحروب، فقتل المدنيين العزل وتدمير البنى التحتية وقتل الناس بالعطش ومنع العلاج والدواء والغذاء هو تماماً حرب إبادة أو «هولوكوست فلسطيني» وفي حروب الإبادة ينتصر الإجرام فقط، وإذا كان الحسين بن علي قد قال ما نسب إليه في يوم من الأيام في معركة «الطف» بكربلاء (الدم انتصر على السيف)، فهو قول ينطبق تماماً على «الخلل في أخلاقيات وموازين هذه الحرب التي تأخذها واشنطن والاحتلال نحو نقطة «العار القيمي»، و”الفحش الأخلاقي»، قول عمره قرون طويلة وهو اليوم الوصف الموضوعي الذي ينطبق على جرائم واشنطن والاحتلال في غزة، وهذا الوصف أو التشبيه قد يكون عاجزاً عن تصوير الحقيقة التي بات العالم كله يراها لحظة بلحظة ببشاعتها وفظاعتها وبتواطؤ أميركي فاضح مع «السيف الصهيوني» على حساب الدم واللحم الفلسطينيين.
في هذه الحرب لا توجد هزيمة ساحقة ولا نصر حاسم، وهي مرحلة من مراحل الصراع الذي بدأ عملياً قبل مئة عام وما زال، وفي حالة مثل هذه الحالة الصراعية الانتصار أو الهزيمة لا يمكن تحقيقها بالضربة القاضية على غرار «ثقافة الكابوي أو رياضة الملاكمة»، فالصراع مع هذا الاحتلال الذي وظف ويوظف الأساطير والخرافات وكل وسائل الكذب والتدليس المسنودة بالدعم الأميركي – البريطاني، هو صراع وجودي وليس صراعاً سياسياً تقليدياً أو اقتصادياً أو دينياً، ولهذا فان مداه الزمني ليس قصيرا ان لم يكن طويل نسبيا، ومعركة طوفان الأقصى هي حلقة من الحلقات المهمة للغاية في سلسلة هذا الصراع ولها ما بعدها من نتائج مهمة وذلك لسببين: الأول: هذه المعركة شئنا أم أبينا أفقدت «الجيش الذي لا يقهر» هيبته أمام جمهوره بالدرجة الأولى وأمام الدولة الراعية للاحتلال ألا وهي الولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الثانية، والتي صرفت على دولة الاحتلال منذ عام 1946 إلى ما قبل بداية هذا العام قرابة (158.6 مليار دولار) في أغلبها مساعدات عسكرية، واشنطن المصدومة مما جرى لهذا الجيش في السابع من اكتوبر، وما يجري له في غزة الآن وتحديداً عجزه عن حسم المعركة بالقضاء على القدرات العسكرية لحماس وللمقاومة بعد أكثر من شهرين من القصف المتواصل هذه «الأم المصدومة» حتماً ستعيد النظر بطبيعة الدور الوظيفي لدولة الاحتلال.
الثاني: هو الانقلاب الذي أحدثته هذه الحرب على غزة في الرأي العام العالمي وتحديداً الأميركي والغربي بسبب الدور المهم للغاية الذي لعبته بعض وسائل الإعلام بنقلها المباشر والحي لمجريات القتل والدمار الذي تقوم به دولة الاحتلال منذ شهرين، حيث نجحت آلة الحرب الإسرائيلية التي حركتها وتحركها حالة الغضب والرغبة في الانتقام من الكشف عن الوجه الحقيقي لـ”إسرائيل» وفضحت زيف الشعارات التي ترفعها واشنطن باعتبارها راعية الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا الأمر سيترك أثره السياسي والقيمي على طبيعة نظرة العالم للولايات المتحدة والدول الغربية والتي بدأ شبابها يناقشون وبدرجة عالية من الوعي كيفية بناء نظام قيمي جديد يخلص مجتمعاتهم من «هذا العار» الذي سيلاحقهم مثلما لاحق عار «الجزائر» فرنسا وعار «الهولوكست» المانيا وهو أمر وبكل تأكيد سيترك بصماته على عقل وضمير العالم كله خلال العقد القادم بأبعد تقدير ولسوف يؤثر على شكل العالم وقيمه الجديدة والتي في الأغلب ستنحاز لصالح النضال الفلسطيني في مواجهة نظام الابرتهايد الإسرائيلي والقهر الغربي.
قد يرى البعض في هذه القراءة التحليلية مبالغة او نوعا من الوهم، ولكن ردي على هذا البعض أن قانون الصراع وتحديداً ضد المحتل لا بد إلا أن ينتهي بحتمية التحرر وهزيمة الاحتلال عسكرياً واخلاقياً.