خرافة “كي الوعي” بالقوة ومفارقات واشنطن وطهران
بقلم: رفيق خوري
"حماس" فكرة لا تموت في الوجدان الفلسطيني والقوى الكبرى لن تسمح بإزالة إسرائيل
النشرة الدولية –
ليس من السهل أن تؤدي حرب غزة إلى خيارات راديكالية تتصورها أطراف عدة عنوانها تغيير الشرق الأوسط. ولا من السهل أيضاً، وإن كان من الممكن، أن تتوسع لتصبح حرباً إقليمية شاملة لها جانب دولي، تفتح طريق الخيارات الراديكالية، بقوة الأشياء.
فما كشفت عنه تجربة القوة حالياً لإسرائيل ومعها أميركا وأوروبا هو صعوبة “القضاء على حماس”، وما كشفت عنه تجارب الحروب العربية مع إسرائيل منذ 1948 وتجارب الكفاح المسلح الفلسطيني من الأردن ثم لبنان ثم الداخل وعبر العمليات الخارجية في أوروبا وخطف الطائرات، هو صعوبة إزالة إسرائيل، بصرف النظر عما يفكر فيه “محور المقاومة” بقيادة إيران. لا لأن “حماس” منظمة قوية بل لأنها “فكرة” لا تموت في الوجدان الفلسطيني ما دام حق الشعب الفلسطيني في أرضه مغتصباً، ولا لأن إسرائيل قوة متطورة في المنطقة تدعي أن جيشها “لا يقهر” بل لأن القوى الكبرى التي وقفت وراء تأسيسها ترفض أي سعي إلى إزالتها من على الخريطة، ولا فرق في هذا الموضوع بين مواقف أميركا وروسيا والصين وأوروبا.
والطريق شاق وصعب أمام إسرائيل في محاولتها لترميم ما انكسر داخلها بعملية “طوفان الأقصى”، فما تحطم، كما تقول أستاذة الحقوق في جامعة رايخمان شارون مارغليوت-رابين هو “عقد النجدة الاجتماعي” و”استراتيجية الجيران”، وهو، كما صار واضحاً بالنسبة إلى الغرب الأميركي والأوروبي أن إسرائيل التي من مهماتها حماية مصالح الغرب في المنطقة صارت في حاجة إلى حماية أميركية وإرسال حاملات الطائرات والمدمرات النووية لردع خصومها، كما إلى جسر جوي لنقل الأسلحة سريعاً إليها في مواجهة ميليشيات في قطاع غزة.
وما انتهى هو الموقف الذي عبرت عنه عميرة هاس في صحيفة “هارتز” بالقول، “ما دام أن الإسرائيليين غير قلقين، فإن الاحتلال غير موجود بمعنى أنه لم يعد مشكلة بعد الآن بل جرى حلها”. فالإسرائيليون صاروا قلقين جداً حيال مقاومة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” واحتمال انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، غير أن التيارات المتطرفة لا تزال قوية وتمسك باللعبة وترفض حقوق الفلسطينيين.
ولا مجال للنجاح في ما يسميه الإسرائيليون “كي الوعي” الفلسطيني عبر تدمير غزة، فهم يستذكرون تجربة تدمير درسدن الألمانية بصورة كاملة بغارات جوية أميركية وبريطانية في الحرب العالمية الثانية ومقتل 36 ألف شخص، وتجربة هيروشيما التي ضربها الأميركيون بقنبلة ذرية ومقتل 66 ألف شخص من دون خسائر ناغازاكي، ويتحدثون عن “تكيف” الألمان واليابانيين وإعادة البناء والتحالف مع أميركا، لكن الفارق كبير بين ظروف الألمان واليابانيين وطرائق تفكيرهم وبين ظروف الفلسطينيين تحت الاحتلال وطرائق تفكيرهم.
وفي المقابل، فإن تصور “محور المقاومة” أن القوة قادرة على “كي الوعي” في إسرائيل يصطدم بالتصلب في صفوف الإسرائيليين والتضامن في الملمات على رغم الخلافات العميقة، والالتفاف حول الجيش ودعمه في حرب غزة، ولو من دون نسيان صدمة التقصير في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ومن المفارقات أن إيران التي نأت بنفسها عن “طوفان الأقصى” والدخول المباشر في دعم “حماس” تاركة الأمر لوكلائها في “محور المقاومة”، تتحدث عن أهداف كبيرة جداً، فالمرشد الأعلى علي خامنئي يقول إن “عملية طوفان الأقصى استهدفت كيان الاحتلال الصهيوني في الظاهر، إلا أن هدفها في الواقع هو اجتثاث أميركا وهي قادرة على إرباك جدول السياسات الأميركية في المنطقة ومستمرة بإذن الله”. ورسائله الجوابية إلى جو بايدن عبر السفارة السويسرية رداً على رسائل الرئيس الأميركي إليه تقول إن طهران لا تريد حرباً شاملة ولا الدخول المباشر في حرب غزة. والمفارقة الأكبر أن بايدن الداعم لحرب إسرائيل يقول في مقالة نشرتها “واشنطن بوست” إنه “لا ينبغي أن يكون هدفنا وقف الحرب لهذا اليوم وإنما يجب أن يكون إنهاء الحرب إلى الأبد”.
و”ما أكثر العبر وأقل الاعتبار” كما قال الإمام علي بن أبي طالب.