النصر ووحل غزة
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
يعمل جيش الاحتلال والاجهزة الامنية الاسرائيلية بكل طاقاتهم على صناعة دعاية سياسية «تُجمل» صورتهم أمام الجمهور الذي تعتريه معنويات منهارة بعد السابع من اكتوبر، وفي ذات الوقت يعمل «الشاباك» بصورة خاصة على شن حرب نفسية تضعف معنويات الفلسطينيين وتحديدا في غزة ومن أبرز ما تم استخدامه في الحالتين كانت صور المدنيين العراة والذين جرى تصويرهم على انهم «مقاتلون مستسلمون» من «القسام» وذلك لرفع معنويات الجمهور «الاسرائيلي»، اما في الحالة الثانية فقد قامت قوات الاحتلال برمى منشورات وبكميات كبيرة يوم الخميس الماضي في القطاع فيها صور ابرز قادة حماس وعلى راسهم يحي السنوار رئيس حركة حماس في غزة ومحمد الضيف طالبت في هذا المنشور الادلاء بمعلومات عنهم، وقلدت بذلك المنشور ما فعله الجيش الاميركي لدى غزوه العراق عام 2003 عندما قام بوضع صور ابرز القيادات العراقية السياسية والعسكرية والامنية على «اوراق اللعب» مع قيمة المكافاة لكل من يساهم في الوصول اليهم وكان الورقة الاولى لصدام حسين، كما ابرز جيش الاحتلال في ذلك المنشور تحذيرا لعموم الغزيين وللمقاومة تضمن خطابا مضحكا وركيكا يعكس غياب المهنية وهذا نصه: لقد فقدت حماس قوتها لم يتمكنوا من » قلي بيضة»، نهاية حماس قريبة، ومن اجل مستقبلكم قدموا معلومات التى تمكننا من القبض على الاشخاص الذين جلبوا الدمار والخراب الى قطاع غزة سيحصل على مكافاة بقيمة…)
من يقرأ هذا المنشور سيلفت انتباهه مصطلح (حماس لم تتمكن من قلي بيضة)، ومدى سذاجة من انتج هذا الكلام ومدى سطحيته لقناعته ان منشورا كهذا هو قادر على هدم معنويات اهل غزة الصامدين على مدى 73 يوما تحت اقسى ظروف يمكن ان تُعاش، وهو امر يدلل ايضا على جهل كامل بسيكولوجية وعقلية الشعب الفلسطيني الذي بدا الاشتباك والاحتكالك مع الاحتلال منذ عام 1967 وتعمق فهمه واصبح اكثر نضجا لوضع الاحتلال ومأزقه البنيوي بعد انتفاضة الحجارة عام 1987 واستمر هذا الفهم في «التعمق اكثر واكثرا» حتى وصل الى ما وصل اليه اليوم في غزة والضفة.
ومن اهم ما توصل له العقل الفلسطيني في هذا الصراع ان الحرب المؤثرة في الاحتلال هي تلك الحرب التى يمكن ان تشن وتقع على ارضه المفترضة ولربما كان من بين القلة الذين ادركوا هذه الفرضية هو يحيى السنوار قائد حماس في غزة الذي بات اليوم هو المطلوب رقم واحد وذلك لادراك الاحتلال مدى خطورة هذا الرجل على المستوى الاستراتيجي ومدى قدرته على اقامة منظومة حكم تملك امكانيات المواجهة مع جيش الاحتلال وتردعه.
وعلى مدى اسابيع مضت لاحظنا كيف ان اسم يحيى السنوار كان يتكرر على لسان معظم المسؤولين في دولة الاحتلال وفي الاعلام وتحديدا في البرامج الحوارية التى تناقش موضوع الاسرى والحرب على غزة وكان يتم تحميله المسؤولية المباشرة عن كل ما جرى ويجرى منذ السابع من اكتوبر للدرجة التى بات فيها اعتقال يحي السنوار يشكل صورة النصر الحاسمة التي سيقدمها الاحتلال لجمهوره للقول ان حماس انتهت وانه انتصر، وما يعزز ذلك الاعتقاد عن السنوار لدى اجهزة امن الاحتلال هي معرفتها وعن كثب بشخصية الرجل وطريقة تفكيره وصلابته كما ان البناء العقائدي للرجل يضع قضية اطلاق سراح الاسرى وموضوع الاجهاز على العملاء (مؤسس جهاز مجد لتعقب وقتل العملاء) الاولوية القصوى لديه لكونه كان اسيرا على مدى 24 سنة وحكم بالسجن 4 مؤبدات اي ما يعادل 426 سنة وحاول الهرب من المعتقل مرتين وبتخطيط فردي، ولولا انه تم اختياره مفاوضا في صفقة اطلاق سراح الاسير جلعاد شاليط عام 2011 لما خرج من السجن الى الان.
يدرك المسؤولون الاسرائيليون في اجهزة الامن وبخاصة «الشاباك» و «امان» مدى «عقم» الفرضية التى يسوقها نتنياهو من ان القضاء على السنوار او اعتقاله هو و محمد الضيف ومروان عيسى سيؤدي الى انهيار حركة حماس في غزة والضفة الغربية، فقد سبق لهم ان نجحوا باغتيال ابرز القادة التاريخيين للحركة مثل الشيخ احمد ياسين مؤسس الحركة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي واسماعيل ابو شنب والمهدس يحيى عياش والدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الاسلامي التى تعد الفصيل الثاني المقاتل في الضفة وغزة.
آن الاوان لهذا الاحتلال ان يدرك ان التحرر والتحرير امر حتمي مرتبط بوجود الاحتلال وان الحرية ارادة وفكرة وليست اشخاصا مع اهميتهم في بعض الاحيان.