الكرد حلفاء الحاضر دون مستقبل
بقلم: زيد سفوك
النشرة الدولية –
تتمتع الولايات المتحدة بميزة الغموض السياسي دوما في أيّ ملف أو حدث يخص الشأن العام الداخلي لأيّ دولة في العالم، ويتوسع غموضها أكثر في الدول التي تتواجد فيها مصالحها وأجنداتها الخاصة، وبقراءة بسيطة لسياساتها المتعددة والمتنوعة والمختلفة عبر التاريخ والحاضر من دولة إلى دولة أخرى سينكشف الغطاء نوعا ما وتظهر الأهداف والغاية لكن دون رؤية نهاية الطريق والنتائج.
والجدير بالذكر هنا التنويه للمملكة العربية السعودية الحليف الأقوى اقتصاديا وسياسيا لأميركا في الشرق الأوسط، فيما مضى ما قبل عام 2020 وبعدها تعرضت أثناء حرب اليمن لهجمات حوثية ورشقات صاروخية وطيران إرهابي مسيّر، لم تتدخل ترسانة الولايات المتحدة بكل عزم لردع تلك الهجمات، كان التدخل خجولا إلى أبعد حد، ربما ذلك لم يكن تخليا من الحليف الأقوى، لكن ساد الحدث غموض كبير.
من الرياض نتوجه إلى كركوك التي احتلها الحشد الشعبي عام 2017 وأمام مرأى الأقمار الصناعية الأميركية وترسانتها العسكرية، لم تتدخل سيدة العالم لمنع ذاك الاحتلال، والعودة إلى ما قبل ذاك التاريخ وتحديدا بعد عام 2003 بعد سقوط بغداد والتقاء المبعوث الأميركي بول بريمر بالرئيس مسعود بارزاني والطلب منه حَل قوات البيشمركة، كان طلباً خاطئاً وأثار الدهشة لمتابعي السياسة الخارجية الأميركية، ولاسيما بعد أن ثبت للجميع أن البيشمركة وقيادتها كانت الحامي الأول لوحدة العراق ومنع التطرف والحفاظ على السلم الأهلي.
ومن كركوك وبغداد نتوجه إلى سري كانيه في كردستان سوريا واحتلال الفصائل الإرهابية للمنطقة بعد انسحاب القوات الأميركية من خلال التنسيق آنذاك بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وربما لا يستدعي الأمر العودة لذكر أفغانستان ودول أخرى حتى لا يتعقد المشهد أكثر.. فإلى أيّ مدى سيدة العالم ذاهبة مع حلفائها؟
ما زالت الولايات المتحدة متواجدة في كردستان سوريا بقوة وتحت شعار محاربة الإرهاب، ومن خلال تواجدها في مناطق الإدارة الذاتية طوال أعوام دعمت بشكل غير مباشر أو رسمي بعض مؤسسات الإدارة الذاتية، والتي نتج عنها مؤخرا عقد اجتماعي آخر وتسمية أخرى تحت مصطلح إقليم شمال وشرق سوريا، وبالنظر إلى المشروع الأميركي وما يتم الترويج عنه ستتضح معادلتان:
الأولى: مشروعها ليس لدعم الكرد وإقامة إقليم كردي أو شبه فيدرالي، وذلك لأن الشعب الكردي ونتيجة الصراع المستمر والحرب الاقتصادية وانفراد الحزب الواحد بالسلطة وعدم وجود وحدة سياسية بات نصفه خارج أرض الوطن، ومن جهة أخرى دخول محافظة الرقة ودير الزور إلى الإقليم المعلن عنه مؤخرا يدل على أن أيّ انتخابات مقبلة لن تكون النتيجة فيها لصالح الكرد.
الثانية: المشروع ليس عربياً، وذلك لأن مفاتيح الإدارة الذاتية ليست في يد العرب، ومن جهة أخرى لا يمكن دمج مناطق الكرد والعرب ضمن صيغة ثابتة في ظل وجود قرارات سابقة للنظام السوري من ضمنها الاستيلاء على أراض كردية ودخول مستوطنين لها (الغمر) وسحب جنسيات سورية من الكرد ووضعهم ضمن لوائح الأجانب.
إبقاء هذه الملفات عالقة لا يسمح بدمج أيّ منطقة مع أخرى، الدمج بالتعايش السلمي وإنماء ثقافة المحبة والحفاظ على السلم الأهلي وارد ومطلوب، لكن دمج الجغرافيا هو ضرب من الخيال، وإن كان الشعار تحت عنوان “سوريا للجميع” فهذا المصطلح قابل للتنفيذ كتابياً لكن ليس على أرض الواقع.
دون حصول جميع القوميات على حقوقها المشروعة لن يكون هناك نجاح لأيّ مشروع وهذا ما أثبته التاريخ، لم نجد حتى ما بين السطور أن شعبا تخلى عن حقوقه. ومن هاتين المعادلتين المتناقضتين في ذات الوقت تصبح الرؤية واضحة لكن النتيجة تبقى غائبة، لاسيما بوجود قواعد روسية وإيرانية وللنظام داخل وخارج مناطق سيطرة تواجد القوات الأميركية، مما يؤشر على عدم وجود مشروع ثابت، وغالبا تأتي الأحداث في خانة الحسابات المؤقتة ضمن الخطة الأمنية الأميركية لتأمين قواعدها وأماكن تواجدها وحسابات سياسية أخرى، وقد تتغيّر كل هذه الحسابات بين عشية وضحاها فلا شيء ثابت في السياسة.
معظم هذه الأحداث تدفع بالإسراع لتفعيل الحوار الأخوي للكرد والحوار السوري – السوري، ولملمة الجراح ومداواة مأساة الماضي والتلاحم والتوافق السياسي لا بد منه، ولا مخرج من الأزمة وإنقاذ مستقبل القضية الكردية من دون وحدة الموقف. التشتت سيزيد من معاناة الأجيال القادمة، وستكون الهزيمة ساحقة.
ربما لن يستطيع الكرد تحقيق الانتصار السياسي وفق ما يجري من تدخلات وأجندات دولية، لكنهم دون أدنى شك بوحدتهم سيكونون سدا منيعا أمام استمرار الهزيمة وسيبنون أساسا متينا وفق مصلحة الشعب والقضية.