بماذا تميز أمير الكويت الراحل؟
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

عرف بالتواضع وطيبة النفس التلقائية والزهد والعطف والحنان على كل إنسان

النشرة الدولية –

رحل عن دنيانا السبت الماضي أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، عن عمر ناهز الـ 86 عاماً، وكان الأمير الراحل تبوأ منصب الإمارة عام 2020 بعد وفاة أخيه الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ولم يحكم طويلاً فحكمه امتد ثلاثة أعوام تقريباً عانى خلالها أمراضاً اضطرته إلى تفويض بعض صلاحياته الأميرية لأخيه وولي عهده الأمير الحالي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.

لكن للراحل ميزة لم يتمتع بها أي رئيس أو مسؤول في العالم، ولا يختلف اثنان من أهل الكويت على أن الأمير الراحل محبوب ونقي السيرة والسريرة ونظيف اليد واللسان، وكان مؤدباً ومهذباً ومتواضعاً وعطوفاً محباً لشعبه وحانياً عليه، وعُرف عهده بإصدار مراسيم عفو أميرية عن بعض الكويتيين المهجرين أو سجناء الرأي أو حتى بعض السجناء الذين تعدوا على الذات الأميرية المصونة دستورياً، فسمي بحق “أمير العفو”.

ولم تسجل عليه أية شائبة أو شبهة مالية ولو إشاعة منذ أن بدأ عمله الرسمي قبل 60 عاماً في الحكومة عام 1962 محافظاً للمحافظة النفطية، محافظة الأحمدي، وتنقل بين مناصب وزارية عدة بينها وزارة الداخلية ووزارة الدفاع والشؤون وغيرها، وكان معروفاً بإخلاصه وتفانيه وعدله في اتخاذ القرارات كمسؤول تعامل مع قطاعات مختلفة من الناس في الكويت.

كما عرف بالتواضع وطيبة النفس التلقائية والزهد والعطف والحنان على كل إنسان، وفي أحد لقاءاته التلفزيونية قال إن أكثر ما يهز مشاعره هي دموع الطفل.

لكن لعل ما ميز الشيخ نواف رحمه الله حقاً وما تفرد به دون باقي الرؤساء والمسؤولين، سواء في الكويت أو المحيط أو العالم أجمع، هو أنه الرئيس أو المسؤول الوحيد الذي لم تلحقه إشاعة ولم تحك حوله قصص غرامية ولا “دونجوانية” ولا انحرافات مالية أو سلوكية أو حتى نكتة عنه أو حوله، وليس هناك رئيس أو مسؤول أو أمير أو شيخ أو وزير إلا ولاحقته القصص والشائعات، بعضها صحيح وبعضها مختلق وملفق، وهذه هي ضريبة الشهرة والمسؤولية التي قد يدفعها حتى الأبرياء والأنقياء منهم، فللمسؤولين كافة تسريبات مسجلة صوتياً أو مصورة مرئياً أو محكية علناً أو سراً تروى عنهم، أو تلفيقات أو نكتة تحكى عنهم، واسألوا المصريين، فالأخوة في مصر حيث ولدت خفة الدم لا يكاد يسلم من نكتهم رئيس ولا مسؤول، والصحف الصفراء والشعبية و”الباباراتزيون” في الغرب يلاحقون الساسة والمشاهير في كل مكان ومن دون توقف، بحثاً عن قصة غرامية أو فضيحة سياسية أو اختلاسات مالية أو صورة خلاعية، تتكسب من ورائها وتعيش على ترويجها ونشرها.

وكان شيئاً غريباً ونادراً أن حاكم الكويت الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح لم ينله شيء من هذا القبيل أبداً، ولا أظن أن أي كويتي يمكنه أن يذكر شيئاً عن الشيخ نواف، سواء صَحّ أو أشيع أو لُفق، في ما يتعلق بانحرافات من أي نوع مما ذكرته أعلاه، فأيعقل أن من مارس المسؤولية الرسمية على مدى 60 عاماً سلم من الإشاعات والتلفيق والاتهامات؟

لعل هذه الميزة النادرة هي التي انفرد بها حاكم الكويت الراحل، وإنه بمثل هذه الميزة إنما يؤكد لهذا العالم بأن السياسة ليست مصالح وحسب، وليست بلا قلب وبلا أخلاق، وكل من خاض في وحول السياسة شاهد أو ربما مارس بعضاً من قذاراتها وانحرافاتها، ولكن الشيخ نواف رحمه الله كان من النوادر الذين تمسكوا بمبدأ أن “السياسة أخلاق” ولها قيمها ومبادئها التي تلاشت في عالم المصالح وتقلبات المواقف وانتهازيتها، وقدم بسيرته العطرة تلك درساً لكل المخلصين وبعض اليائسين بأن في هذا العالم من لا يزال يمارس السياسة بأخلاق ومبادئ وقيم لا تغيرها المغريات ولا مفاسد السلطة.

رحم الله الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وجزاه خير الجزاء على درس الأخلاق السياسي الخالد الذي طبعه بشمائله وسمعته الطيبة.

زر الذهاب إلى الأعلى