كيف نجح فلسطينيو 1948 في صراع البقاء بأرضهم؟
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
تجربة عرب 48 تبقى «حالة خاصة» في إطار صراع البقاء الفلسطيني- الإسرائيلي، وسيكون استحضارها في هذه الأيام وفي ظل الحديث عن تهجير أهل غزة وتوزيعهم على مصر والأردن ذا فائدة لما لها من ارتباطات بصور مشوهة عن هجرة الفلسطينيين غذتها آلة إعلامية شريرة ولأهداف استعمارية وأخرى غائبة عن الذاكرة العربية.
الدكتور عادل منّاع أستاذ التاريخ في جامعات فلسطينية وإسرائيلية منها جامعة بيرزيت في الضفة والجامعة العبرية في القدس، أصدر كتاباً جامعاً لحكاية ما جرى سنة 1948 في بلدته في الجليل الأعلى «مجد الكروم» وقرى الجليل وحيفا.
يبدأ بالحكاية منذ الطفولة يوم اختزنت ذاكرته كيف احتل اليهود القرية وهدموا بيوتاً وقتلوا شباباً في ساحة العين، وعلى الرغم من الصدمة التي أصابت أهاليها بالمذبحة التي ارتكبوها، فإن غالبية سكانها ظلوا في بيوتهم وبلدتهم.
عادل مناع شارك في طفولته في نشاطات «عيد الاستقلال» العاشر لدولة إسرائيل، وسمع رواية الاحتلال، وكيف نجحت في صد «عدوان» سبع دول عربية هاجمتها للقضاء عليها!! بعد ذلك جاءته رواية والده التي تتناقض مع ما تعلمه في المدرسة، فهذا ليس يوم «استقلال» بل يوم «استحلال» ما جرى عام 1948، فقد أنصت هذا الفتى جيداً لوالده الذي قصّ عليه ما جرى في قريتهم، وهنا، بدأت الحكاية، حزينة، مأساوية، مؤلمة، فيها احتلال وقتل السكان وطردهم.
تم إبعاد عادل منّاع ووالديه وأقربائه من قريتهم باتجاه جنوب لبنان إلى مخيم عين الحلوة وعودتهم ثانية إلى قريتهم عام 1951، وهكذا ترعرع منذ أواخر الخمسينيات على روايتين لأحداث تلك السنة التي شهدت إقامة إسرائيل ونكبة الشعب الفلسطيني.
رحلة العودة من مخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا اللبنانية صيف 1951 تمت ليلاً وعن طريق البحر من ميناء صور في قارب لصيد السمك، أوصلهم إلى «مشفى تسيون» شمال عكا.
الحكايات التي سمعها انتهت به للقول، إن اليهود لا يحبون العرب ولذا طردوهم من البلد وحاولوا منعهم من العودة إليه، وهؤلاء لم يكونوا دائماً من الأشرار، وعمله في العطلة الصيفية في بيع التين للعائلات اليهودية علّمته أن يميز بين أنماط مختلفة التقى بهم.
تشكلت لدى «المؤرخ» عادل منّاع قناعة أنه بالرغم من صعوبات الحياة في قريته فإن الحظ حالفه حين انتقل من مذلة حياة اللجوء إلى العيش في بيته وأرضه، ويعترف أن الكتابة عن الأهالي الذين ذاقوا سياسات القتل والإبعاد، ونجاح بعضهم في العودة إلى بيوتهم، شائكة ومؤلمة وحساسة.
حكايات الفلسطينيين الباقين في إسرائيل «حاضرة غائبة» على غرار وضع اللاجئين المهجرين فيها، ومن دون حضور حكايات الفلسطينيين بصورة عامة، وحكايات الباقين منهم في أراضي 1948 بصورة خاصة، يظل الحوار بين طرفي الصراع كحوار الطرشان.
الكتاب تاريخ جيل الفلسطينيين الباقين في الوطن المغترب بعد النكبة، لقد عادوا من مخيمات اللاجئين كي يربوا أولادهم في موطنهم، بعد أن ذاقوا مر الإهانات وذل اللجوء والتشتت، هؤلاء يسميهم «جيل حرب صراع البقاء» قاموا من بين الركام، وبنوا حياة جديدة لأولادهم وأحفادهم.
يرسم صورة واقعية لهذا الجيل الذي بقي بعد النكبة من أجل استمرار العيش في بيوتهم ووطنهم، بعدما شاهدوا المأساة التي حلت بهم، «فهو ليس جيلاً من الخانعين مطأطئي الرؤوس أولئك الذين ظلوا في إسرائيل بعد 1948 ولا جيلاً من الأبطال العظام، بل في معظمهم جيل نجح في صراع البقاء».
حكايات الباقين في قراهم ووطنهم بعد حرب 1948 هي الوجه الآخر لمسألة اللاجئين التي نالت اهتمام الباحثين.
الكتاب يقدم قراءة جديدة ومختلفة لتاريخ العرب في إسرائيل من وجهة نظرهم وعلى أساس مصادر عربية، تسمح هذه القراءة بالتعرف على روايات النخب وروايات إنسانية مغايرة لروايات النخب القومية التي أهملت الاهتمام بالتاريخ المحلي.
وبمناسبة الحديث عن عرب 1948 نذكر أن القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام محمد ضيف تعود أصول عائلته إلى قرية «كوكبا» في الجليل.
***
النصف من جيل المؤسسين
فقدت الصحافة الكويتية أحد رجالاتها من جيل المؤسسين، وهو المرحوم الأستاذ جاسم أحمد النصف، أول رئيس تحرير للقبس، عاصرته 8 سنوات، عزاؤنا لأسرته وعائلته الكريمة، رحمة الله عليك يا أبا أحمد.