الصلاة والتأمل والضريبة
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

تتبع مختلف شعوب الأرض طرقاً مختلفة للحصول على حاجتها من الروحانيات، إما بالصلاة الدينية أو التأمل. الصلاة تفرض وتؤدى من خلال نصوص محددة، وغالباً في أوقات وأماكن محددة، وعند البعض بملابس محددة، ويسبقها غسل وغيره. أما التأمل، فلا علاقة له بدين، بل تتم ممارسته لحاجة ما، وقد جربت كثيراً أن أنسجم مع متطلبات القيام بالتأمل، وأغيب فيه عما حولي، كما كان يفعل من كانوا معي، إلا أنني فشلت في ذلك، ويأس كل من حاول مساعدتي، مثلما فشل كل من حاول أن يقنعني بأن التدليك الجسدي جيد ويريح الجسد ويقلل من الضغوط!

التأمل، بخلاف الصلاة، لا تعرفه أغلبية شعوبنا، على بساطته، علماً بأن من الممكن أداء التأمل في أي وقت وبأي رداء وفي أي مكان، طالما توافر فيه هدوء نسبي. ويقال إنه يخلّص النفس من ضغوط اليوم، ويقلل من التفكير في مشاكل الحياة، وقد لاحظت أن أغلبية ممارسي التأمل سبق أن مروا بظروف حياة صعبة، كخسارة مال أو عزيز، أو فشل علاقة، أو كآبة أو يأس من مرض، أو إدمان ما، ثم اكتشفوا الخلاص فيه، وربما لأنني لم أمر بمثل تلك المصاعب، فحاجتي إليه لم تتبلور مثل غيري.

يبدو أن الصلاة حاجة للفرد، ولأصحاب العقائد، فلكل عقيدة طريقتها في أدائها، كما هي أداء لتنظيم حياة البشر، وتعويدهم على تقبل بقية الفروض والواجبات الدينية، والتزود بالوقود الروحي، أو لطلب الرحمة والمغفرة، والصحة والثروة والأمان، وشكر الخالق على نعمه.

* * *

كان مجتمع الجزيرة، مهبط الإسلام، بيئة خالية خاوية يصعب العيش فيها، ومن عاش فيها كان عليه تأمين طعامه وأمانه وأسرته من خلال الطريقة الوحيدة المعروفة للبقاء، وهي الغزو، فلا مفر منه، كما الضرائب في عالم اليوم، فبغيرها تتوقف الحياة فيها.

جاء الإسلام وفرض، لأسباب عدة وجيهة، الصلاة في أوقات محددة في اليوم تتواءم مع ظروف ذلك العصر، فالناس يصلون العشاء، وبعدها بقليل يخلدون للنوم، لانعدام الوسائل التي تساعدهم على السهر طويلاً، وحيث إن الجسم البشري لا يحتاج لأكثر من ثماني ساعات نوم، لذا تعمل الساعة البيولوجية على إيقاظه في فجر اليوم التالي، فيؤدي الصلاة، ومنها يبدأ يومه، ثم يؤدي بقية الصلوات!

لسبب ما لجأ المسلمون الشيعة، الذين ربما يمثلون %20 من البقية، إلى دمج صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأصبحوا يصلون ثلاث مرات في اليوم، بدلاً من خمس، ولا يعرف تحديداً متى بدأ «الجمع»، ولا عن أسبابه، علماً بأنه كان يتبع منذ القدم في حالات الحرب والسفر والكوارث.

* * *

يرى البعض أن الطريقة التي تؤدي بها أغلبية الشعوب صلواتها بها مربكة للحياة العصرية، التي تتطلب استمرارية العمل لعدد محدد من الساعات، الذي يتطلبه عادة التفكير الخلاق أو الإبداع. كما أنه من الضروري أداء الصلاة بصدق وليس كروتين يومي مكرّر للكلمات نفسها طوال حياة الإنسان. فالمسألة ليست في ما يتطلبه أداء كل صلاة من دقائق معدودة، بل ما يسبقها من تحضير نفسي وعقلي، وهذا ما لا يحظى باهتمام الأغلبية، خصوصاً بعد أن أصبحت وتيرة الحياة سريعة، وقاسية.

تعاملت لأكثر من ثلاثة عقود مع مصنع كفوف في ماليزيا. أخبرني حفيد مؤسسه أن جده قدم من الصين، وبدأ بمشروعه بخبرات وأيد عاملة ماليزية مسلمة، ثم جاءت موجة البترودولار، وجاء معها الدعاة لماليزيا وغيّروا أفكار العمال، وأقنعوهم بأن صلاتهم يجب إقامتها في المسجد، وليس في الحقل، وقاموا ببناء عدد من المساجد حول كل مزرعة مطاط ومصنع، فأصبحت الصلاة حجة للعمال لترك أعمالهم، للذهاب لمسافات لأدائها، بدلاً من إقامتها في المكان نفسه، فضاعت ملايين ساعات العمل، وأصبح جده أمام خيارين، إما إغلاق المصنع لعجزه عن مواجهة منافسيه، أو استبدال العمالة المسلمة بأخرى صينية، فكان الخيار الثاني، ونتج عن ذلك فقد عشرات الآلاف لأعمالهم.

زر الذهاب إلى الأعلى