رئاسة الاركان تمهيداً لرئاسة الجمهورية. هل يتنازل فرنجية لصالح قائد الجيش؟
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
بعد تمرير قانون التمديد لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية، يخوض نواب الحزب الاشتراكي معركة “داحس والغبراء” لتعيين رئيس للأركان.
وأثارت الاندفاعة الاشتراكية اليوم عدة تساؤلات، خاصة أن هذا المنصب شاغر منذ تشرين الثاني 2022، تاريخ إحالة اللواء أمين العرم على التقاعد، ولم يلقَ يومها هذا الاهتمام الزائد، إضافة إلى أن الخوف من فراغ في قيادة الجيش اليوم، قد طُوي مع صدور قانون التمديد، مما يشي بأن الطبخة أبعد من رئاسة الأركان.
تقول مصادر الاشتراكي “أن قائد الجيش عندما زار وليد جنبلاط في كليمنصو، اصطحب معه العميد حسان عودة، وطلب من جنبلاط تعيينه رئيساً للاركان، وأن البيك وعد بذلك”
عندما زار جبران باسيل بنشعي والتقى سليمان فرنجية، أعلن الأخير عدم موافقته على التمديد لقائد الجيش، وربما كان يأمل يومها بأن يُنتج التوافق مع باسيل، دعم الأخير له في الترشح لرئاسة الجمهورية، لكن باسيل سرعان ما أعلن بعد أيام، أنه ما زال يرفض رفضاً قاطعاً ترشيح فرنجية، مما دفع بفرنجية إلى تلبية دعوة قائد الجيش إلى العشاء، وتم بعدها تمرير قانون التمديد، بالطريقة التي باتت معروفة.
يعلم فرنجية أنه يحتاج إلى غطاء مسيحي، ولن يصبح رئيساً دون دعم جبران باسيل، لأن القوات اللبنانية حاسمة في رفضها لوصوله، ومع اصرار باسيل على رفض فرنجية، تشير بعض التسريبات، أن فرنجية بدأ يفكر بالعزوف عن الترشح، والتنازل لصالح قائد الجيش العماد جوزاف عون.
كذلك جاءت زيارة التقدمي إلى فرنجية، تطلب منه دعم تعيين رئيس للأركان، ورمت بدعم ترشحه للرئاسة على التوافق والجانب المسيحي، أي انها تنصلت من دعمه بطريقة دبلوماسية.
يرى جنبلاط أن لبنان بحاجة إلى التوافق حول رئيس للجمهورية، وأن قائد الجيش جوزاف عون هو الأوفر حظاً والأنسب لهذا الموقع، في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، وبالتالي كي لا نقع في الفراغ مجدداً في قيادة الجيش، في حال انتخاب جوزاف عون رئيساً، يجب تعيين رئيس للأركان، كي يحل محل القائد لفترة محددة، وفقاً لقانون الدفاع الوطني.
وفي نفس الوقت يكون جنبلاط قد سّلف للرئيس المقبل موقفاً، بتعيين العميد حسان عودة رئيساً للأركان.
بعد جدل وخلاف لمدة سنة حول صلاحية حكومة تصريف الأعمال بالتعيين، وبعد رفض معظم القوى السياسية اعطاء هذا الحق لهذه الحكومة، والفراغ الذي طال عدة مواقع أساسية، من حاكمية مصرف لبنان، إلى الأمن العام، وقيادة الدرك، والمجلس العسكري، ومديرين عامين في عدة وزارات وإدارات، وصولاً إلى منصب مدعي عام التمييز، الذي سيصبح شاغرًا قريباً، باحالة القاضي عويدات على التقاعد.
كل هذا ولم تنجح الحكومة في تمرير أي تعيين، وفشلت في تعويم نفسها ولا أحد يبحث سوى بتعيين رئيس للاركان، ملحقاً بهذا التعيين عضوين في المجلس العسكري، من باب المجاملة وإضفاء صفة الضرورة والوطنية على هذا التعيين، الذي لا يمكن تبرير تقديمه على موضوع انتخاب رئيس للجمهورية، واستعجال تنفيذه قبل انتخاب الرئيس.
فجأة بدأ يوافق الجميع على تمرير تعيين رئيس للأركان، وإرضاء وليد جنبلاط!!!
فلماذا يا ترى؟؟؟
يتعاطى رجال السياسة في لبنان مع الوظائف في الدولة، على قاعدة أنها اقطاعات طائفية مذهبية، ينفرد زعيم أو زعماء كل مذهب، بتسمية من يراه مناسباً لهذه الوظيفة أو تلك.
بعض زعماء الموارنة يتحدثون عن رئاسة الجمهورية، وكأنها شأن خاص بهم، ويرفضون ترشيح أي ماروني يأتي من الطوائف الأًخرى، ويعتبرون ذلك بمثابة تطاول على حق حصري لهم، وهكذا جعلوا الرئاسة الأولى امتيازاً مذهبياً واقطاعاً خاصاً بهم لا شأن لبقية اللبنانيين به.
المطلوب من باقي الطوائف الموافقة على من يرشحه الموارنة للرئاسة، فهذا ما حصل عند انتخاب الرئيس ميشال عون، لكن المشكلة الآن أن الموارنة غير متفقين، ومسرحية ما سمي بالتقاطع على جهاد أزعور، لم تكن صادقة النوايا.
ليس الموارنة وحدهم يتعاطون بهذه الطريقة مع وظائف الدولة اللبنانية ، بل هذا ما يفعله كل زعماء الطوائف، فالشيعة هم وحدهم يختارون رئيس المجلس النيابي، وعلى الباقين الالتزام بهذا القرار.
وصحيح أن رئيس الوزراء السني، تتم تسميته من قبل النواب، لكنه يحتاج أولاً إلى غطاء سني وبركة المفتي.
والروم الأرثوذكس كانوا هم الأكثر صراحة، عندما دعوا إلى التخلص من عملية التكاذب، تحت مسميات وحدة وطنية وعيش مشترك، وطلبوا الذهاب مباشرة وبشكل علني إلى إقرار ما بات يُعرف ب “قانون الانتخاب الأرثوذكسي” ، الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها.
وهذه القاعدة في التوظيف، وحكم زعماء الطوائف في لبنان، تنسحب على كل وظائف الفئة الأولى، وحتى آخر موظف في الدولة.
في لبنان يوجد جمهوريات، وليس جمهورية واحدة.
كل طائفة هي جمهورية قائمة بحد ذاتها، لها رئيس أو أكثر ، ولها؛ منطقتها، ومؤسساتها التعليمية، ومستشفياتها، وتلفزيونها وإعلامها الخاص، وحتى جهازها الأمني وقيادته، والذي هو بالاسم للدولة.
لا تعترف الطوائف اللبنانية بولاية رئيس الجمهورية، سوى من حيث الشكل، فلكل طائفة رئيس جمهوريتها الخاص، الذي ترفعه فوق كل المقامات الأخرى في الدولة.
فشلت الثورة في تحقيق أي خرق في تغيير هذا النظام الطائفي، منذ الاستقلال وحتى اليوم، وعندما طالب كمال جنبلاط بنظام علماني، حاربوه بالطائفية، واتهموه بأنه يريد الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
وعندما انطلقت ثورة ١٧ تشرين تأمل البعض خيراً بتحقيق انجاز ما، لكن سرعان ما تبين أن هذه الثورة أعجز من أن تنتصر على زعماء الطائفية واربابها في لبنان.
خاصة أن الثورة غرقت في الفوضى والانقسام، وعدم وجود قيادة موحدة، ولم تحمل مشروعاً انقاذياً، بل اكتفت بعناوين، فارغة من بنود الاصلاح الحقيقي للنظام في لبنان.
على طريقة التسويات، والبيع والشراء في الوظائف العامة، حتى منصب رئاسة الجمهورية، كل شيء بات وارداً.
ورغم أن فرنجية ما زال متمسكًا بترشحه للرئاسة، لكن يبدو أنه يتعاطى بواقعية، أكثر من جبران باسيل، الذي يريد اختصار التيار والموارنة والمسيحيين وكل لبنان بشخصه، مما دفع بالجميع إلى النفور منه والاتحاد ضده، وقد يكون هو الخاسر الأكبر، بإصراره على مخاصمة الجميع، بمن فيهم قائد الجيش، الذي قد يصبح رئيساً، رغم إرادة باسيل، وقد يكون تعيين رئيس للأركان، هو الخطوة الأولى التي ستمهد لانتخاب قائد الجيش رئيساً للبلاد، في الربيع المقبل، إذا ما نضجت التسوية على المستوى الأقليمي.