لماذا تتردد إدارة بايدن حيال قصف الميليشيات الايرانية؟
بقلم: وليد فارس
"يعتقد السائلون في الشرق الأوسط أن أميركا تعرف بالضبط ماذا يجري وتنفذ ما تريد وفقاً لمصالح اقتصادية تتعارض مع مصلحة الأمن القومي"
النشرة الدولية –
على مدة ثلاث سنوات، وأصوات تسأل في الشرق الأوسط عن أسباب تردد إدارة بايدن في الرد على تحرشات الميليشيات الإيرانية بالقوات الأميركية في المنطقة منذ أول 10 أيام على تسلم تلك الإدارة مهماتها في يناير (كانون الثاني) 2021.
توزعت التحرشات من العراق، إلى سوريا واليمن، إلى إرهابها ضد حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، فالقوى المعارضة في المنطقة.
وكانت الإدارة السابقة (إدارة الرئيس دونالد ترمب) قد ردت في أماكن عدة وصولاً إلى قيادة “الحرس الثوري” وقتلت قائد “قوة القدس” قاسم سليماني، والقيادي في ميليشيات “الحشد الشعبي” معه أبو مهدي المهندس.
وخلال ولاية ترمب كانت عقيدة الرد من الند إلى الند هي السائدة، بعكس عقيدة فريق أوباما- بايدن، التي توصي بالرد الندي فقط إذا استمرت موجات الاستهداف الإيرانية. ويكون الرد في حده الأدنى، لا الأقصى، في ظل سياسة إدارة بايدن.
السؤال المطروح الآن هو: هل في الإمكان أن تستمر واشنطن بهكذا سياسة إلى أبد الآبدين تجاه إيران، أو حتى لمدة سنة تقريباً قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2024، وما الظروف التي قد تدفع واشنطن إلى تغيير كامل أو جزئي لسياسة التأني المستمرة، وإن لم تغير، ما النتائج المتوقعة؟
بدأت مع أوباما
كما كتبنا في مقالات سابقة، بدأت سياسة التأني الأميركية مع إدارة أوباما منذ توجيهها رسالة إلى الخامنئي في يونيو (حزيران) 2009، وكان لبّ تلك السياسة هو اعتبار العلاقة مع النظام، أو بكلام أدق، العلاقة الأميركية المتنامية مع القيادة الإيرانية، “خطاً أحمر”، وذلك منذ بدء ولاية إدارة أوباما في عام 2009 حتى رحيلها في بداية عام 2017، لا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي (JCPOA) في عام 2015. والسبب في اعتماد تلك السياسة هو “الصفقة” التي تم التوصل إليها من وراء الاتفاق، أي ما تجنيه الولايات المتحدة والغرب من أرباح.
وباتت تلك “الصفقة” هي ما يحدد “الخطوط الحمر” ضمن مفهوم الأمن القومي الأميركي. بما يعنيه أن تلك المصالح تستعمل “لوبي الاتفاق النووي” ليضغط على الإدارة الأميركية كي لا تتخذ قراراً يدفع النظام الإيراني إلى التراجع عن الصفقة.
وذهبت هذه السياسة إلى حد تليين موقف إدارتي أوباما وبايدن حيال تصرفات طهران، وحتى تأخير بدء إدارة ترمب بمقاومة تجاوزات النظام الإيراني.
في الخلاصة فإن عدم الرد على اعتداءات إيران ضد المنطقة والمصالح الأميركية (بشكل جدي) مرتبط بشكل وثيق بالضغوط التي يمارسها اللوبي على مراكز القرار في واشنطن.
ويظهر ذلك خلال عملية قرصنة سفن “الباسدران” سفنية أميركية ضلت طريقها في الخليج خلال فترة حكم أوباما، إذ وصفت المعارضة الجمهورية، طريقة التفاوض مع طهران في ذلك الملف بالـ”مخزية”.
استثناء فترة ترمب
خلال سنوات حكم ترمب الأربع، تغيرت السياسة الأميركية، ولكن التأثير العملاني لقوى الضغط استمر من دون هوادة على البيروقراطيات في واشنطن
واتخذت إدارة ترمب قرارات كبرى كالخروج من الاتفاق، ووضع “الحرس الثوري” والحوثيين على لائحة الإرهاب، وتغيير قواعد الاشتباك مع طهران، والعمل على عزل النظام دولياً، وهو تغيير كبير، ولكن ما كان ناقصاً هو خطة لدعم الشعب الإيراني لتغيير نظامه، لأن ثمة من أقنع ترمب بأنه “يمكن التوصل إلى اتفاق أفضل”.
وعلى الرغم من إنجازات التغيير التي أزالت التأني في الرد لفترة أربع سنوات، انهارت بمجرد دخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، سياسة التشدد مع النظام الإيراني بين ليلة وضحاها.
بايدن وعودة التردد
منذ رفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب الأميركية، وإدارة بايدن تعود بسرعة إلى معادلة أوباما. فبدءاً بتحويل المليارات إلى طهران، وانتقاد أخصام “الجمهورية الإسلامية” من عرب وإسرائيليين، مروراً بالتخلي عن القوى المعارضة، ووصولاً إلى سكوت الإدارة عن التوسع الإيراني على حساب الحلفاء.
ويبين ذلك أن الالتزام بالمصالح المشتركة مع إيران بات أهم من أي حلف آخر في المنطقة. وبالتالي فإن المعادلة الدقيقة باتت: إلى أي حد ستقبل واشنطن بعدم الرد على اعتداءات إيران، للحفاظ على مصالحها، والسؤال الآخر هو، إلى أي حد ستستمر طهران بخرق الخطوط الحمر الأميركية في المنطقة قبل استدراج رد أميركي استراتيجي؟
السائلون في الشرق الأوسط يعتقدون أن إدارة بايدن تعرف بالضبط ماذا يجري، وتنفذ ما تريد وفقاً لمصالح اقتصادية تتعارض مع مصلحة الأمن القومي، بينما يعتقد السائلون في الولايات المتحدة أن أصحاب القرار في واشنطن لا يعرفون ماذا يفعلون وأن طهران تلعب بهم. فأين هي حقيقة التردد، هل هي إحدى الحالتين أو الحالتين معاً؟ سنكتب لاحقاً.