يعقوب الجوعان: اصطياد الفرص الاستثمارية فن تحكمه التجارب والخبرة والمعرفة
شارك خبرته الطويلة ومسيرته المهنية مع طلاب «الجوهر»
النشرة الدولية –
الجريدة –
حل أحد مؤسسي الجمعية الاقتصادية الكويتية يعقوب الجوعان ضيفاً في برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي، الذي تنفذه أكاديمية لوياك للفنون – «لابا» في موسمه الرابع، وحاوره المتدربون بعد تدريبات مكثفة على أسس إعداد وتقديم حلقة حوارية مع الإعلامية لينا صوان.
رأى رجل الأعمال الكويتي البارز يعقوب يوسف الجوعان أن «دولة الكويت غير مدركة لأهمية تقليل الدعم والحد من مجانية الخدمات من أجل ترشيد الإنفاق والاستهلاك، لا سيما بعد ارتفاع التعداد السكاني، والمملكة العربية السعودية مثال جيد فيما يتعلق بترشيد استهلاك الكهرباء، حيث إن المستوى الأول 6 آلاف وحدة ما يعادل 15 فلساً للوحدة تقريباً، وما زاد على ذلك 25 فلساً للوحدة تقريباً».
وعما إن كان يغلّب لغة القلب أم العقل أمام الفرص الاستثمارية، تحدث الجوعان خلال استضافته في برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي، الذي تنفذه أكاديمية لوياك للفنون – «لابا» في موسمه الرابع، عن أن فن اصطياد الفرصة الاستثمارية يعتمد على التجارب والمعرفة والخبرة، فمَن يفقه التاريخ يجيد قراءة المستقبل وبلورة الرؤية، لكن أغلب المستثمرين في دول الخليج لا يتمتعون بثقافة استثمارية، مع العلم أن الكويت كانت متقدمة في قطاع الاستثمارات بين دول الخليج العربي، إذ كانت الأولى في إنتاج النفط وتصديره عام 1946، وشهدت حينذاك نموا خياليا.
وأضاف «العم يعقوب»، وهو أحد مؤسسي الجمعية الاقتصادية الكويتية، وعايش محطات انتقالية عديدة في تاريخ البلاد: «ما من فرصة استثمارية غير قابلة للنقاش، لكن من المهم والمجدي أن ندرك توجهاتنا وتوقعاتنا، والتي قد نكتشف لاحقا أنها كانت خاطئة».
ووجهت الإعلامية لينا صوان الشكر إلى القائمين على برنامج «الجوهر»، وأشادت بما يقدمه من «علم وخبرة في مهارات التواصل والإعلام، وسعيه إلى صقل العقول الشابة، وإتاحة مجالات نجاح جديدة لكل في تخصصه، وتحفيز الشباب على التحلي بالمسؤولية ونشر الفكر الواعي وتأهيل كوادر إعلامية عربية شابة على أعلى مستوى».
جيل الأولين كان يتمتع بحس استثماري
وفي مستهل حديثه، أعرب المشارك محمد أسد صفصوف عن امتنانه للقاء «قامة وطنية، اجتماعية، سياسية واقتصادية، بمكانة العم يعقوب»، وسأله: «من أين تستمد طاقتك وحيويتك ونشاطك وعافيتك؟ هل من الاحتكاك بالناس أم من الاختلاء بالنفس؟».
وأوضح يعقوب أن «الاختلاء بالنفس له قيمته ومكانته وأهميته، وكذلك الاحتكاك بالناس، وأنا أحب الاحتكاك بالناس وأحب الاختلاء والقراءة، لكن مع تقدم العمر يصبح الإنسان انتقائيا أكثر، يميل إلى الهدوء والعزلة، وليس الاختلاط والذهاب للدواوين، كما كان في أيام شبابه، ومع الزمن تنتقي الأصحاب، فيقل عددهم، وهناك من تفقدهم بالموت أو الأخطاء غير المقصودة».
وحول كيفية اقتناصه الفرصة الاستثمارية، قال: «من المهم التركيز على الأولويات والأمور البسيطة، فقد عملت بداية في الشحن والنقل، لكن انتقالي إلى عالم المصارف كان خطوة أفضل، بعد أربع سنوات قضيتها في الناقلات، ولم أستفد كثيرا لأن الشحن عالم كبير، وكنت أدرك توجهاتي وحصلت على الفرصة المميزة وأنا بعمر 26 سنة تقريبا، حيث توليت حينها منصب مساعد المدير العام في بنك الخليج، قبل أن أصبح عضو مجلس الإدارة، وخضت تجربة جيدة فتعرفت على جهات كثيرة، لا سيما التجار، وحققت سمعة طيبة، وكنت بعيدا عن كل أشكال تضارب المصالح».
ولفت إلى أن «الجيل السابق من الكويتيين كان يتمتع بحس استثماري، حيث أسس البنك الوطني عام 1951، ومن ثم بنك الخليج والبنك التجاري في عام 1961، في حين كانت المعرفة بمجال المصارف في الكويت والعالم العربي محدودة جدا، وكانت إدارة المصارف تُسند إلى جهات أجنبية، وقد اخترت بدوري الاستثمار الخارجي أكثر، من دون أن أكون مستعدا ومدركا للعملية، لكن تعلمنا وصارت إدارة البنوك جميعها كويتية».
العم يعقوب، الذي وصفه صفصوف بـ «القائد والمبدع الذي يجيد تحويل الأفكار إلى خطط استراتيجية»، اعتبر أن «السعادة نسبية، لكن سعادتي تكمن في ممارسة عملي، حيث إن ممارسة العمل بشرف وأمانة وأخلاق تحقق السعادة».
اعتماد الاستثمار المتخصص بأصول ومخاطر مختلفة
وتطرقت المشاركة هبة نورالدين إلى مسيرة العم يعقوب في مجال الأعمال والاستثمار، والتحديات التي واجهته، فأجاب: «اختبرنا العديد من الاستثمارات، سواء بالعقارات أو الأسهم أو التجارة المباشرة، ودراستي حينها لم تكن كافية، ولو حظيت بجودة التعليم الذي يتلقاه أحفادي اليوم في الجامعات لكنت سأعرف الطريق الصحيح للاستثمار وأتلافى الكثير من السقطات».
وأردف: »في الحقيقة كان والدي تاجرا نشيطا، لكن جيل الأولين لم يفقه أهمية التنوع، فتعرض والدي لسقطات كبيرة، حيث كان شائعا حينذاك عدم تنويع الاستثمار، لكن اليوم بالدراسة والتفكير الحديث بات من الضروري أن تشكل استثماراتك من أصول متنوعة وبمخاطر مختلفة، وأهم شرط في الاستثمار هو أن تستثمر بالشيء الذي تعرفه».
وعن اختياره الاستثمار الخارجي، بين أن «الاستثمارات قد تصبح مجدية أو تلحق الخسائر، والتي بدورها تبلور الخبرة، لكن بالنسبة للمستثمر المتعلم والمدرك تكون الخسائر والسقطات أقل». وعن قوله سابقا إن «السياسة الاقتصادية المصرية صارمة، لكنها مفيدة»، ذكر أن معاناة الشعب المصري اليوم تتطلب «مبادرة الحكومة المصرية إلى تنفيذ مشاريع تنافسية مجدية، والتركيز على تطوير استراتيجيات وصناعات واستثمارات منتجة، كما هي حال كوريا الجنوبية واليابان، كما رفع الوعي حول أهمية تقليل النمو السكاني، فقد أصبح الدخل في كوريا الجنوبية أعلى بكثير من الدخل المصري، علماً أن تعداد كل منهما عام 1960 كان 25 مليون نسمة، الآن كوريا الجنوبية تعدادها 52 مليونا ومصر 110 ملايين نسمة».
وتابع: «لا يمكن الحديث عن قطاع واحد للاستثمار فيه، لكن أنصح الشباب بضرورة فهم كيفية تكوين رأسمال وانتقاء القطاع المناسب لميولهم ومعرفة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا لجهة الاستثمار، والتأكد من نوعيتها وكفاءتها وأمانتها، قبل أي استثمار، تماما كما الإلمام بالقوانين الراعية في بلد الاستثمار، وهل هي صارمة أم أنها كحالة الكويت أيام أزمة المناخ؟».
وأوصى المستثمرين والشباب الشغوفين بقراءة الكتاب التوجيهي الشهير للمؤلف وارن بافيت، والصادر عام 1949 بعنوان «المستثمر الذكي» (The Intelligent Investor)، وركز على «أهمية الحرص الشديد قبل الإقدام على أي خطوة استثمارية أو فرصة للحصول على المال، والحذر من الطمع».
العقار يمرض ولا يموت
وردا على سؤال المشاركة آية البيطار، تحدث العم يعقوب عن طفولة سعيدة على الرغم من الظروف آنذاك، وهي طفولة لم تخل من المشاغبات، مضيفا: «ولدت في عام 1938، ولم تكن شهادات الميلاد في ذلك الوقت إلزامية. والدي كان كثير التنقل في السكن وكانت حياتنا بسيطة وجميلة».
وعن قراءته وقدوته أيام الشباب، قال: «كنت أقرأ كتبا كثيرة، ولكن كان أهم وأبرز ما قرأت هو كتاب الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن، ذلك الرجل العظيم، وكان والدي هو قدوتي بنجاحه».
وعندما سُئل عن رغبته في إصدار كتاب عن مسيرته المهنية، أجاب بأنه «إنسان لا يحب الدعاية والإعلان مع احترامه لجميع من كتب كتابات مفيدة»، وتطرق إلى أهمية ترشيد الاستهلاك وحماية البيئة قولا وفعلا، بدلا من المضي في السلوكيات المدمرة بالبلاد.
وفي إجابته على المشارك معاذ العتيقي، أوضح أن اهتمامه بالمجال العقاري كان مبكرا، من منطلق رغبته في البناء والبيع، ووفقا للقاعدة المعروفة أن العقار يمرض ولا يموت، وأبدى رفضه لفكرة «تملك الأجانب في الكويت، حيث إن البلاد صغيرة وما من ضرائب ولا غيرها، ما يعني أننا نشجع الأفراد على تحقيق الأرباح، في حين نسجل بدورنا الخسائر».
العم يعقوب، الذي يُعد أحد مؤسسي الجمعيات التعاونية، كشف أن «نشأتها كانت فكرة جيدة، لكن الممارسات أظهرت أن الهيكل التنظيمي للجمعيات التعاونية غير صحيح، وأن استمراره خاطئ، إذ إن على مجالس الإدارات أن تكتفي بدور إشرافي لا تنفيذي، وبعدد موظفين محدود، وأن تتخلى عن فكرة العدد المفتوح لأي مستثمر خاص، ومن المهم تنظيم عمل الجمعيات وتفادي الخصخصة».
المرأة الكويتية قد تكون أكثر كفاءة
وتعقيبا على سؤال المشاركة ديما الذايدي، رأى العم يعقوب أن «المرأة الكويتية أثبتت أداءها الناجح في العديد من المجالات، ومن ضمنها القضاء، وقد تكون أكثر كفاءة في أداء مهامها، مع استثناءات قليلة، فأنا إنسان تقدمي أناصر حقوق المرأة وأؤمن بضرورة تمتعها بأحسن الأدوار، وهناك الكثير من سيدات الأعمال الكويتيات الناجحات والمؤهلات».
واستطرد: «يلفتني في الإنسان، سواء كان رجلا أو امرأة، قدرته على تحقيق النجاح وإثبات وجوده»، وأشاد بتحرر المرأة السعودية من قيود كبيرة، وهذا أمر في غاية الروعة، معتبرا أن زوجته هي «أنجح امرأة في حياته»، ولفت إلى أنه ضد تعدد الزوجات، وأن التعليم والوعي وتقليل الدعم والحد من الرفاهية الزائدة، عوامل تؤدي إلى سلوكيات حكيمة.
وعن اللحظة التاريخية التي شعر فيها بالنجاح، أجاب: «لم أقل في أي مرحلة إنني ناجح، لأن النجاح نسبي، وعندما نغوص في التفاصيل نلاحظ الهفوات التي كان يمكننا تجنبها، كلنا يمر بتجارب وسلبيات، رغم تحقيقنا النجاح». وفي إجابته عن سؤال المشارك عبدالحميد إسماعيل، قال: «التحدي الأكبر يكمن في الأزمات التي واجهتنا، خصوصا الأزمة المالية العالمية الكبرى عام 2008، حيث تضررت قطاعات عديدة».
وردا على سؤال المشاركة نور الصانع، أشار إلى أن «الفكرة الاستثمارية أهم من الاقتراض المصرفي، فالفرص لا تنتهي، ولكن الأهم أن تكون الأمور مدروسة، ومع الخبرة والتجارب نتفادى التسرع، فنتأنى ونتجنب الخسائر»، واعتبر أن «الحل لأزمة لبنان الاقتصادية وإعادة الثقة بالمصارف يكمن في تغيير المؤثرين في السياسة اللبنانية».
يذكر أن برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي، البرنامج الأول من نوعه في المنطقة، يُنفّذ في موسمه الرابع برعاية شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، وجريدة «الجريدة»، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون، ويقدم البرنامج للشباب العربي ورش عمل إعلامية مكثفة على يد أبرز الإعلاميين العرب، لتدريبهم على فنون ومهارات الحوار الإعلامي، لمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة في شتى المجالات بالوطن العربي.