جنوب أفريقيا تترافع أمام محكمة العدل الدولية وتتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة
الأمم المتحدة – عائشة دسوقي + ووكالات –
عقدت محكمة العدل الدولية، الخميس، أولى جلسات الاستماع لأربعة حقوقيين ممثلين لدولة جنوب أفريقيا، فيما استمعت في الجلسة الثانية إلى 5 منهم في الدعوى المرفوعة من قبل بلادهم والتي تتهم إسرائيلي بممارسة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
وقد خاطبت جنوب أفريقيا محكمة العدل الدولية، في إطار ما وصفتها بالمحاولة لوضع حد للقتل الجماعي للمدنيين في غزة. واتهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في القطاع – وهو ادعاء نفته إسرائيل بشدة ووصفته بأنه “لا أساس له من الصحة”
وخلال استعراض القضية، قال الفريق القانوني من جنوب أفريقيا لقضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي إن إسرائيل أظهرت “نمط سلوك الإبادة الجماعية” منذ شن حربها واسعة النطاق في قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا والذي احتلته منذ عام 1967.
وقال الفريق: “هذا القتل ليس شيئا أقل من تدمير حياة الفلسطينيين. لقد تم ارتكابه عمدا، ولم يسلم منه أحد- ولا حتى الأطفال حديثي الولادة”.
وشددت المحامية عادلة هاشم من فريق جنوب أفريقيا على أن الإجراءات الإسرائيلية قد عرّضت سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة لمستوى غير مسبوق من الهجمات، جوا وبرا وبحرا، مما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين وتدمير المنازل والبنية التحتية العامة الأساسية.
وقالت المحامية عادلة هاشم إن إسرائيل منعت وصول المساعدات الإنسانية الكافية إلى المحتاجين وتسببت في خطر الموت جوعا والمرض بسبب استحالة تقديم المساعدة “أثناء سقوط القنابل”.
وقالت السيدة هاشم للمحكمة: “يتعرض الفلسطينيون في غزة لقصف متواصل أينما ذهبوا”، مضيفة أن عددا كبيرا من الناس قتلوا لدرجة أنه غالبا ما يتم دفنهم في مقابر جماعية بدون التعرف على هوياتهم. وأشارت إلى أن 60 ألف فلسطيني آخر أصيبوا وتشوهوا.
ومضت قائلة: “إنهم يُقتلون في منازلهم وفي الأماكن التي لجأوا إليها، وفي المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، وأثناء محاولتهم العثور على الطعام والماء لعائلاتهم. تعرضوا للقتل في حال فشلهم في الإخلاء من الأماكن التي فروا إليها، وحتى إذا حاولوا الفرار عبر الطرق الآمنة التي حددتها إسرائيل”.
وذكرت جنوب أفريقيا أن 6000 قنبلة سقطت على غزة في الأسبوع الأول من الرد الإسرائيلي على الهجمات التي قادتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقالت السيدة هاشم إن ذلك شمل استخدام قنابل زنة 2000 رطل- 200 مرة على الأقل- في المناطق الجنوبية من القطاع التي تم تصنيفها على أنها آمنة”، وفي الشمال، حيث توجد مخيمات اللاجئين.
وأكدت أن هذه الأسلحة كانت “بعضا من أكبر القنابل المتاحة وأكثرها تدميرا”، مضيفة أن عمليات الإبادة الجماعية “لا يتم الإعلان عنها مسبقا أبدا، لكن هذه المحكمة تستفيد من الأدلة التي تم الحصول عليها خلال الأسابيع الـ 13 الماضية والتي تظهر- بشكل لا جدال فيه- وجود نمط من السلوك والنية ذات الصلة التي تبرر ادعاء معقولا بارتكاب أعمال إبادة جماعية”.
كما استمع قضاة محكمة العدل الدولية إلى أنه وبسبب هذه الأفعال، انتهكت إسرائيل اتفاقية الإبادة الجماعية، في إشارة إلى المعاهدة العالمية التي وقعها أعضاء الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لمنع الجرائم ضد الإنسانية.
وشدد جون دوغارد، من فريق جنوب أفريقيا على أن الاتفاقية “مخصصة لإنقاذ الإنسانية”، وأن جميع البلدان التي وقعت على الاتفاقية “ملزمة ليس فقط بالكف عن أعمال الإبادة الجماعية ولكن أيضا بمنعها”.
وقال ممثل جنوب أفريقيا إن “الأسرة الدولية خذلت الفلسطينيين على مدى سنوات لهذا لجأنا إلى المحكمة اليوم. فالوضع في غزة غير مسبوق”.
وأضاف: “المدنيون في غزة في حماية اتفاقية منع الإبادة الجماعية، لكن حقوقهم الأساسية تنتهك، وأفعال الجنود الإسرائيليين في غزة توجهها خطابات التحريض على الإبادة”.
وتناول الفريق القانوني لجنوب أفريقيا واجب التطرق إلى الضرر الذي لا يمكن إصلاحه، وجاء في ملخص تلك المرافعة أن “هناك 48 امرأة و117 طفلا في قطاع غزة يقتلون يوميا، وأكثر من 10 أطفال في قطاع غزة يفقدون يوميا أحد أطرافهم على الأقل.
وأكدوا أنه ينبغي وقف القتل، مشيرين إلى أن “قرارات الأمم المتحدة لإدخال المساعدات لم تنفذ، وقطاع غزة يعاني من حصار مستمر منذ 16 عاما. واليوم فاقمت الحرب من شح المواد الغذائية والماء والدواء”.
وأضافوا أن نحو 2 مليون فلسطيني تم تهجيرهم، وتم تشتيتهم واقتياد بعضهم إلى أماكن مجهولة. كما أن مئات المعلمين والأكاديميين في قطاع غزة قتلوا، وإسرائيل تصر على إنكار المسؤولية والتنصل منه، ومن مسؤولية المحكمة فرض “إجراءات لحماية الشعب الفلسطيني”.
وأكد الفريق القانوني لجنوب أفريقيا أنه “لا يجوز لإسرائيل انتهاك الاتفاق الذي وقعت عليه لمنع الإبادة الجماعية، فإسرائيل قصفت قطاع غزة المحاصر على مدى 3 شهور في مسعى لتدميره، ويتعلق الموضوع الآن بالإجراءات المؤقتة التي يمكن للمحكمة فرضها قبل البت في القضية”.
وشدد على أن “الفشل في مواجهة الأزمة الإنسانية في غزة سيكون له تبعات عالمية، فالتعليق الفوري للعمليات العسكرية في غزة هو الضمان الوحيد لتفادي ازدياد الموت غير المبرر، وما تقوله إسرائيل إنها تسعى إلى تقليل الأضرار لا يكفي فالنية هي الأساس”.
وتابع: “ما نريد أن نشير إليه في هذه الدعوى أن استخدام حكومة إسرائيل لحق الدفاع عن النفس لا يمكن اعتباره في الدعوى المرفوعة حاليًا”.
وتناول الفريق الإجراءات التي ترغب جنوب أفريقيا في تقديمها وهي البراهين تدل على انتهاك حقوق الفلسطينيين في غزة وإسرائيل ترتكب هذه المخالفات أمام أعين الجميع. وأكد أن سمعة هذه المحكمة تعتمد على ما ستقرره لحماية الفلسطينيين على أساس العدالة والمساواة.
وبناء عليه طلب الفريق تعليق عمليات إسرائيل العسكرية ضد وفي غزة، مشيرًا إلى أنه على إسرائيل وجنوب أفريقيا اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنع الإبادة الجماعية وحماية الشعب الفلسطيني.
كما طالب الفريق بإلزتم إسرائيل بالامتناع عن اتخاذ أي قرار للتهجير القسري أو النزوح أو لمنع أساسيات الحياة من الوصول إلى الفلسطينيين، وعليها أن تقدم للمحكمة تقريرها بعد أسبوع إن كانت انصاعت لقرارات المحكمة.
من جانبها وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية جنوب أفريقيا بأنها “ذراع قضائي لحركة حماس”. وأضافت، في بيان لها، أن إسرائيل شاهدت اليوم “واحدة من مسرحيات النفاق الكبرى التي شهدها التاريخ”، مشيرة إلى أن محامي جنوب أفريقيا هم “محامو حماس”.
كما اعتبرت الخارجية الإسرائيلية أن جنوب أفريقيا تطلب السماح لحركة حماس بتكرار الجرائم التي ارتكبتها.
في المقابل شكر رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، جنوب أفريقيا باسم الشعب الفلسطيني والسلطة على تقديمها دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وخلال كلمته في وقفة تقدير لخطوة جنوب أفريقيا في ميدان نيلسون مانديلا في رام الله، قال اشتية: “إسرائيل اليوم تقف متهمة أمام محكمة العدل الدولية وهي متهمة من كل عربي حر وشريف، ومن كل أفريقي وكل إنسان حر على هذه الأرض”.
وتساءل: “أليس قتل 23 ألف إنسان في قطاع غزة، وقطع الماء، والكهرباء، والدواء، إبادة جماعية؟ أليس محاولة قتل 60 ألف إنسان من الجرحى وهدم 271 ألف منزل إبادة جماعية؟”.
كما شكر اشتية كل الدول التي دعمت طلب جنوب أفريقيا، داعياً “العالم إلى أن يسلك مسار الدولة الأفريقية، وأن ننتقل من الإدانة إلى العقوبات ومن البيانات إلى الفعل وليتوقف العدوان على شعبنا ولتتوقف حرب الإبادة والتجويع والتعطيش والقتل البطيء”.
فيما أعلنت جامعة الدول العربية تأييدها للدعوى القضائية التي أقامتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية على إسرائيل لاتهامها بـ “ارتكاب جريمة إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وطالب الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، المحكمة بأن تصدر حكما “عادلا يوقف الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على غزة ويضع حدا لنزيف الدم الفلسطيني”، مؤكدا على دعم الأمانة العامة للجامعة العربية لمسعى جنوب أفريقيا بكل السبل الممكنة.
ماهي “التدابير المؤقتة” التي تطلبها جنوب أفريقيا من المحكمة؟
تُوصف “التدابير المؤقتة” بأنها أوامر تصدرها المحكمة قبل حكمها النهائي في قضية ما، بهدف منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها. وبموجبها تُلزم الدولة المدعى عليها بالامتناع عن اتخاذ إجراءات معينة حتى تصدر المحكمة الحكم النهائي.
طلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية الإشارة إلى تسعة تدابير مؤقتة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني باعتباره مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
في بداية جلسة الاستماع العلنية التي عقدت اليوم الخميس، قرأ كاتب المحكمة التدابير التسعة التي نلخصها في النقاط التالية:
أولا، على دولة إسرائيل أن تعلق فورا عملياتها العسكرية في غزة وضدها.
ثانيا، على إسرائيل أن تضمن عدم اتخاذ أي خطوات تعزيزا لتلك العمليات العسكرية.
ثالثا، على كل من جمهورية جنوب أفريقيا ودولة إسرائيل، وفقا لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها- فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني- أن تتخذا جميع التدابير المعقولة التي في حدود سلطاتهما من أجل منع الإبادة الجماعية.
رابعا، على دولة إسرائيل- وفقا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية، أن تكف عن ارتكاب أي من الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
خامسا، على دولة إسرائيل، فيما يتعلق بالفلسطينيين، التوقف عن اتخاذ جميع التدابير، بما في ذلك إلغاء الأوامر ذات الصلة والقيود و/أو المحظورات. كى تمنع:
(أ) طردهم وتشريدهم قسرا من منازلهم؛
(ب) الحرمان من:
1- الحصول على الغذاء والماء الكافيين؛
2- الوصول إلى المساعدات الإنسانية- بما في ذلك الوقود الكافي والمأوى والملابس والنظافة والصرف الصحي؛
3- الإمدادات والمساعدة الطبية؛
(ج) تدمير الحياة الفلسطينية في غزة.
سادسا، على دولة إسرائيل، أن تضمن عدم ارتكاب أي أفعال موصوفة في النقطتين (4) و(5) أو المشاركة في التحريض المباشر والعلني أو محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، أو التآمر أو التواطؤ في ذلك.
سابعا، على دولة إسرائيل أن تتخذ تدابير فعالة لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بالادعاءات، وضمان الحفاظ عليها. وتحقيقا لهذه الغاية، يتعين ألا تعمل إسرائيل على منع أو تقييد وصول بعثات تقصي الحقائق والتفويضات الدولية والهيئات الأخرى إلى غزة.
ثامنا، يجب على إسرائيل أن تقدم تقريرا إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر (بموجب التدابير المؤقتة) خلال أسبوع واحد، اعتبارا من تاريخ صدوره، وبعد ذلك على فترات منتظمة وفقا لما تأمر به المحكمة، حتى تصدر قرارها النهائي في القضية.
تاسعا، على دولة إسرائيل أن تمتنع عن أي إجراء وأن تضمن عدم اتخاذ أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع المعروض على المحكمة أو إطالة أمده أو أن تجعل حله أكثر صعوبة.